ثقافة وفن

أنا لست مع التمسّك بالمسرح بسبب الأزمة … عماد جلول لـ«الوطن»:المردود لأي منتج ثقافي لا يكون آنياً ونتائجه ليست مباشرة

| سوسن صيداوي

المسرح هو أبو الفنون ومن بناة الإنسان، فمنذ نشأته وحتى اليوم هو الأقرب إلى الجمهور ومالك التأثير المباشر عليهم. في سورية لم تتوقف العروض المسرحية بالرغم من سنوات الحرب وبالرغم من معوقات تكبّل الأعمال، منها الأجور التي لا يمكنها بحال من الأحوال أن تسدّ الرمق المعيشي، هذا غير الجهد المبذول والتعب والالتزام في مدة زمنية تقارب الشهرين في تنوّع التواجد في المسرح ما بين بروفات وعروض، ولكن وبالرغم من كل ما يحيق، هناك مجموعة من الأوفياء المخلصين والذين يبادلون العطاء بحب كبير متجاهلين كل الصعاب. وحول ما يعانيه المسرح السوري مع التفاؤل بخطط وغد أفضل، كان حوارنا مع مدير مديرية الموسيقى والمسارح عماد جلول الذي أضاء على العديد من النقاط المهمة وإليكم الحوار.

قلت مرة بأننا أمام فريقين، الأول يتباكى على المسرح من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والآخر ينهض بعبء المسرح بالرغم من كل الظروف.. ما تعقيبك؟
في وقتها كنت أتكلم عن الفنان المسرحي الحقيقي والذي هو موجود على خشبة المسرح، وفي الحقيقة وبعيداً عن التجريح هناك العديد من الفنانين الذين يمتلكون الرغبة في العمل المسرحي ولكن الظروف لا تساعدهم على العمل، أو هم لا يرضون بالتضحية بممارسة العمل المسرحي بظروفه الصعبة، لأنه وبالفعل كل من يمارسه فهو يضحي بوقته وجهده وحتى بالمردود المادي، ولكن وبالمقابل يكسب اسما وجمهورا يتواصل معه بشكل مباشر، ويصله شعور المفرح ولا يعادله شعور أو ثمن، من جمهور المتلقي عند نهاية العرض. صحيح أن التلفاز انتشاره أوسع وأسرع ومردوده المادي أكبر، ولكن هذه التضحية يقابلها ما يبديه الجمهور حول العرض المسرحي. هناك البعض والذين أنا سميتهم المسرحيين الفيسبوكيين، منذ طفولتي لم أشاهدهم على خشبة المسرح، وهذا اختصار شديد لما قصدته بقولي أعلاه، وبالطبع أن أشكر كل فنان قدم ولو حتى عرضاً مسرحياً واحداً.

للمسرح أهميته ودوره الفاعل في بناء الإنسان، اليوم ونحن ننفض غبار الأزمة إلى أي مدى علينا التمسك به وتنشيط كل عروضه؟
في الوقت الحالي وبكل وقت وفي كل أنحاء المعمورة وضمن كل الإمكانيات المتوفرة، لا يمكن الاستغناء عن المسرح بل لابد من التمسك به، وأنا لست مع فكرة التمسك بالمسرح بسبب الأزمة، فالمرود الثقافي لأي منتج ثقافي لا يجب أن يكون آنياً، في أي مجال من مجالات الحياة الإنتاجية ذات المردود المباشر، ولكن هذا الكلام نستثني منه الثقافة بمنتجاتها سواء أكانت: مسرحاً، أم لوحة تشكيلية أو فيلم السينما أو كتاباً، هذه كلّها لا يمكن أن نعتبرها أمراً آنياً. وعلى صعيد المسرح نحن بذلنا كل الجهود لبناء جمهور ولازلنا مستمرين بالعروض، وفكرة تقديم عروض تخص الأزمة، لن نحصل على نتائجها بشكل مباشر إلا بعد حين، وهذا من الصعوبة بمكان لأنه من غير الممكن أن يبني المنتج الثقافي إنساناً بشكل مباشر، فالأمر يتطلب وقتاً، فعلى سبيل المثال وبعيدا عن الأزمة، لنتكلم عن عمل نقدمه للأطفال، في البداية يجب أن يكون متوافقا ومناسبا مع فكر الطفل ومن ثم الأسرة والمدرسة والسلسلة تطول، وإن كان العرض يتكلم عن النظافة، لن نلمس تأثيره بشكل مباشر، لأن هذا الأمر تراكمي. وبالعودة إلى العمل المسرحي هو عمل جماعي متكامل ويتطلب مجهوداً كبيراً وصبراً طويلاً، وأنا أكرر شكري لكل من قدم عرضاً مسرحياً حتى لو لمرة واحدة خلال مسيرته الفنية، وهناك أيضا بعض المخرجين المخلصين الذين يقدمون عروضا سنوية بغض النظر عن الأجور، كون العرض يحتاج التزاماً يومياً لمدة شهرين تقريبا بين بروفات وعرض.

برأيك إلى أي درجة الممثل التلفزيوني أو الدرامي قادر على جذب الجمهور بشكل أكبر والمساهمة في تنشيط الحركة المسرحية؟
مفردات أو عناصر العمل المسرحي من نص إلى مخرج وممثل جيدين كلّها نحن نسعى جادين لاستقطابها وجذبها. وبالنسبة للممثل لا يمكننا أن نقول بأن الممثل الجيد في الدراما هو ممثل جيد على الخشبة بل العكس هو الممكن. وبالنسبة للشق الثاني من السؤال.. أجيب الحركة المسرحية لا تقوم على جذب الجمهور من خلال نجم تلفزيوني، لأنّ الأخير مفردة من هذه المفردات، فعلى سبيل المثال كان في العرض المسرحي(اختطاف)من إخراج الفنان أيمن زيدان، مجموعة من الممثلين الشباب الواعدين والذين آمن المخرج بإمكانياتهم، ونجح العرض مستقطبا الجمهور لمدة خمسة وعشرين يوما، ومن بعدها زار العرض المحافظات السورية. وبالعودة إلى عملية التنشيط للحركة المسرحية أحب أن أضيف بأن الأجر والدعم المالي هو من العناصر المهمة جداً، ففي عام 2017 قمنا برفع الأجور ولكن ليس ضمن الطموح، وفي عام 2018 الأجور أصبحت أفضل ولكنها أيضا ليست بالمستوى الذي نطمح إليه. والأمر الذي لا يمكن تجاهله بتاتا هو أنّ سورية تمتلك خزانا من مبدعي العمل المسرحي من كتّاب إلى مخرجين وممثلين وممثلات، وهنا أركز على الأخيرة لأن هناك دولاً تتفاخر بأنه أصبح لديهم سيدة بإمكانها الوقوف على الخشبة، في حين الممثلات السوريات يعتلين خشبة المسرح القومي من الستينيات، وبالنسبة للفنيين من إضاءة وصوت، المعهد العالي يخرّج سنوياً طلاباً موهوبين يعملون مع مديرية المسارح. وبقي أن أذكر هنا نقطة مهمة جدا وهي بأن مديرية الموسيقى والمسارح أصبحت الجهة الحكومية الوحيدة المنتجة للمسرح، والمسرح السوري هو:مسرح الشبيبة، والطفولة، والمسرح التجاري، ومسرح العمال والمدرسي والجامعي والمسرح الخاص، كلها عندما يتوفى قائد الفرقة، بعده الأخيرة تنهار أو تزول، مثل فرقة ناجي ومحمود جبر والأخوين قنوع ومسرح الدبابيس. كل الفرق تلاشت، إذا هذا فيما يخص المسرح الشعبي، أما بالنسبة للمسرح الجامعي فلقد خرّج كبار نجوم المسرح والدراما، واليوم أنشطته لا نسمع عنها بل إنها مفقودة، وطبعاً كل تلك الفرق كانت تتنافس فيما بينها وبالتالي استطاعت أن تفرز لنا كمّا ومن بعدها نوعا.

على ذكر بأن مديرية الموسيقى والمسارح هي المنتج الوحيد.. ألا يمكن أن يساهم القطاع الخاص في إنتاج العروض المسرحية؟
هذا الأمر ممكن في حالة واحدة، عندما يتم تطوير القوانين الناظمة لمديرية الموسيقى والمسارح. نحن نعمل ضمن قوانين وأنظمة وضعت في عام 1960 وما زالنا نعمل وفقها، وبطبيعة الحال هذه القوانين لم تعد تناسب بأي شكل من الأشكال إدارة الأمور في الوقت الحالي، وبحسب القوانين السائدة ممنوع أن نتشارك مع القطاع الخاص لإنتاج الأعمال المسرحية، لأنّ الدولة هي الداعمة للمسرح، ووفق القانون أي ريع يأتي للمديرية يجب أن يعود إلى خزينة الدولة.
ولكن هذه المشاركة ستنعكس على العملية المسرحية بالإيجاب إبتداءاً من تحسين الصالات مرورا بأجور الفنانين وصولا إلى النص وغيره من باقي العناصر؟
رأس المال الخاص تجاري وذكي جدا وهو يحتاج إلى مشجّع كي يخوض غمار الأمور، وفي الواقع عندما تدخل رأس المال الخاص عبر الشركات الخاصة في إنتاج الدراما، كان يعلم بأنّ هذا المجال سيعود عليه بالأرباح المضاعفة، وبالتالي عندما يجد القطاع الخاص بأن تواجده في المسرح مبرر كما هو الحال في بعض الدول كتونس وفرنسا حيث تُعفى من الضرائب في سبيل تقديم نشاط ثقافي، هنا لن يتردد ولكن يجب تهيئة البيئة المناسبة لهذا التعاون والتي تكون بتطوير القوانين التي رفعنا بخصوصها عدة مذكرات، ونحن بالانتظار.

انطلاقا من استغلال الأماكن المكشوفة هل يمكننا تفعيل مسرح الهواء الطلق بشكل أكبر.. ألم يحن الأوان بعد لخوض غمار الجرأة في التجارب والمحاولة فيما يسمى مسرح الشارع؟
فكرة مسرح الهواء الطلق قائمة وعلى مدار السنوات السابقة وبالرغم من توتر الأوضاع قدمنا عروضا متنوعة في عدة أماكن منها:حديقة تشرين وقصر العظم وخان أسعد باشا وحديقة الجاحظ وفي قلعة دمشق. وبالنسبة إلى تفعيلها بشكل أكبر هذا أمر ممكن بالرغم من أنه متعب كثيرا من حيث نقل التجهيزات، وخاصة أنّ الأماكن في الحدائق غير مجهزة ولا يوجد فيها حتى كواليس من أجل تبديل الملابس. وحول سؤالك عن فكرة مسرح الشارع هو مسرح موجود ومعروف عربيا وعالميا، ولكن مفهومه ليس بمتبلور في سورية بعد وعروضه لم تتجاوز أصابع اليد، وله تقنيته الخاصة وتأتي بساطته من أن يكون أحدنا يسير بالشارع فيصادف عرضا مسرحيا ليس بالضرورة أن يتابعه كلّه، بل ينجذب للعرض سواء من حيث الموسيقى أو الحوار.

نحن على أبواب شهر رمضان.. هل سنشهد هذا العام تظاهرة مسرح الطفل التي انطلقت منذ أربعة أعوام؟
بالفعل ستبدأ خلال شهر رمضان تظاهرة مسرح الطفل التي حققت نجاحاً كبيراً في العامين الماضيين خلال عطلة عيدي الفطر والأضحى، حيث قدمنا عروضا مسرحية للأطفال وللأسرة بشكل مجاني، وحتى العروض الخاصة نحن كمديرية الموسيقى والمسارح وبتوجيه من وزير الثقافة نتبنى هذه العروض ونقدمها للجمهور بالمجان إضافة إلى عروض المديرية، التجربة نجحت وهذه السنة الرابعة للعمل عليها في مسرح القباني والحمرا والعرائس وبعض المراكز الثقافية بالتعاون مع محافظة دمشق بإقامتها في حديقة تشرين.

المسرح السوري بارز عربياً إلى أي مدى المشاركة بالمهرجانات والحصول على الجوائز أمر محفز؟
المسرح السوري له بصمته القوية في العالم العربي، والذي يتابع المهرجانات العربية والدولية يدرك هذه الحقيقة، وهنا أحب أن أضيف بأن مهرجان دمشق المسرحي كان من أعرق المهرجانات المسرحية العربية، وكان يطلق عليه لقب «سوق عكاظ» لأنه كان يستضيف المسرحيات العربية ويأتي مديرو المسارح العرب وعبر المهرجان يختارون منها الأفضل للمشاركة معهم. اليوم تأتينا الكثير من الدعوات للمشاركة في الخارج، ولكن نحتجب عنها بسبب عدم القدرة المالية لموضوع التذاكر، وأنا على ثقة لو أننا نلبي كل المشاركات التي تتم دعوتنا إليها في المهرجانات لكنا حصدنا جوائز أكثر بكثير مما حصدناه، كما أتمنى أن يعود مهرجان دمشق المسرحي وأن تكون المشاركات أوسع.

ماذا حلّ بمشروع إعادة عرض المسرحيات القديمة؟
بالفعل كانت الفكرة قائمة لهذا المشروع، وكانت اللجنة المختصة مطعمة بين الشباب والمتقدمين بالعمل والخبرة. اجتمعت اللجنة وكنت عضوا بها، إلى جانب الفنانين دريد لحام، أسعد فضة، إضافة إلى المخرج علاء الدين كوكش وعميد المعهد العالي للفنون المسرحية، والفنان كفاح الخوص، وبعد اجتماعات وجدنا بأنه من الصعوبة بمكان إعادة العرض المسرحي القديم مع ممثلين ومخرج جديد.

أو ربما السبب لأنكم خشيتم الوقوع بفخ المقارنة؟
أكيد. المقارنة مع الأصل هي سبب جوهري وأساسي من الأسباب التي لم تمكن اللجنة من الوصول إلى نتيجة، وبأن نتابع ونبحث عن حلول كي نستمر في هذه الفكرة.

ولكن لماذا مفهوم بأن تعيش المسرحية وقتا طويلا ولسنوات هو شائع، بل هو عادة في الغرب ما دام العرض ناجحاً ومستقطباً للجمهور؟
لأن لديهم مفهوم الفرقة المسرحية. في الغرب لديهم عروض تستمر عدة سنوات، ولا يؤثر في استمرارها كأن يعتذر ممثل أو مخرج عن المتابعة، لأنه ببساطة تامة يحل محله ممثل أو مخرج بديل. هنا نعود لبداية حديثنا وإلى نقطتين أساسيتين: الأولى أهمية المردود المالي من العمل المسرحي وتلبيته لحاجات كل من يعمل به، فهناك بعض الفرق تقدم عروضا وتحصل بشكل دوري على أجر شهري أو حتى سنوي. والنقطة الثانية:هكذا عروض تبقى مستمرة لأنّ الفرق المسرحية التي تقوم بها هي تابعة للمسرح وليس لفرد يقودها والذي كما أسلفت إن توفي مثلاً الفرقة تتلاشى مع غيابه. وهنا أحب أن أشير بأننا في المديرية نسعى بكل جهد لتحسين الأجور قدر المستطاع، ونفكر أن نطوّر نوعية العروض ونقدّم عروضاً طويلة المدة، ولكن هنا نعود إلى نفس المطب وهو علينا بأن نؤمن للكادر كل ما يحتاجه من أجور تعوضه عن التزامه معنا، وهذا الأمر صعب جدا وخاصة إن كان المشاركون فنانين لهم التزاماتهم في أعمال درامية فالكل يعلم بأنه لا مجال للمقارنة مع أجورها.

مشروع المنح الشبابية ماذا حل به وخاصة بأن رقعته توسعت لتطول كل المحافظات؟
نعم مشروع دعم مسرح الشباب الذي أطلقه وزير الثقافة محمد الأحمد توسع إلى كل المحافظات، والهدف الأساسي منه إتاحة الفرصة وضم أهم الطاقات الشبابية ضمن الإمكانيات المادية ولأكبر عدد ممكن. وهنا أحب أن أؤكد أن الشاب الذي حصل على منحة انتاجية ولم يستطع التقديم، نحن نحافظ له على منحته كي يقدمها في العام القادم، والغاية الأولى والأخيرة منها بأن مسرح الشباب هو مسرح من لا مسرح له، وكما أسلفت هذا المشروع سيعمم إلى كل المحافظات كي نستقطب المواهب الشابة ضمن شروط جد بسيطة، حيث نكتفي بأن يكون خريج معهد الفنون المسرحية، أو سبق له أن قدم عرضا مسرحيا ضمن لجنة تقييم النصوص. ومن أجل تطوير الأعمال سيكون هناك مشرف يقدم استشارته من دون أن يفرض رؤيته الإخراجية على الشباب.

السؤال الأخير… إلى أي مدى تحكم الحرية المسرح؟
نحن في العروض المسرحية من تأسيس المسرح إلى اليوم هناك لجنة مختصة بقراءة النصوص المسرحية، وهذه اللجنة كانت ومازالت من خيرة الأساتذة سواء كانوا من النقاد أو المخرجين أو الكتاب، وهي ليست لجنة رقابية، إنما هي للاطلاع على النص من حيث ألا يتجاوز بعض الخطوط والتي يهدف عدم تجاوزها ألا يخدش العرض حياء الجمهور أو يدفعه للقول بأنه لن يتابع حضور العروض المسرحية القادمة، أو ألا يمس الوحدة الوطنية أو الأديان بطريقة منفّرة، لأنّ من واجبنا أن نراعي خصوصيات الجميع، وأن يستقطب العرض الجمهور بكل فئاته وأطيافه. وفي حال لم يستوف النص الشروط المطلوبة، لا يأتي ردنا (مع عدم الموافقة)، حتى لو كان النص خارج السرب، لأننا ببساطة كنا نطلب من الكاتب التعديل وإذا كان مصرا يكون ردنا (مع عدم الإجابة) وهذا بالطبع احتراما للنص المسرحي، ولكن غالباً ما يتم تعديل النصوص ببساطة والتعامل بين اللجنة والكتّاب مرن في أغلب الأوقات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن