قضايا وآراء

حبواً نحو نبوءة اينشتاين

| عبد المنعم علي عيسى

عندما عرضت الحكومة الإسرائيلية في مطلع الخمسينيات من القرن للماضي على العالم الألماني الشهير ألبرت اينشتاين منصب رئاسة الدولة أجاب هذا الأخير دون تردد بأنه لا يستطيع أن يقبل بحكم دولة زائلة.
آنذاك كانت إسرائيل دولة وليدة حديثاً، وهي تسعى إلى رسم صورة مثلى لها في الخارج لكسب تعاطف الدول التي لم تؤيد قيامها، وكذا لإغراء «يهود الشتات» في القدوم إلى «أرض الميعاد» التي «اختصهم الله» بها، وإن برزت إلى السطح مؤخراً شرائح تقول بخطأ ذلك الوعد، فقد اتهم وزير الأمن الإسرائيلي أفغيدور ليبرمان قبل أيام نبي الله موسى، عليه السلام، بأنه أخطأ في وضعهم في الشرق الأوسط.
لعب الإعلام دور الظهير المساند للذراع العسكرية، ولطالما حقق نجاحات كبرى تحسب له ويكفي للدلالة عليها أن نقول: إن استطلاعات الرأي اليوم تقول إن 60 بالمئة من الأميركيين يظنون أن الفلسطينيين هم الذين يحتلون أراضي إسرائيلية، أما في كندا فهناك 49 بالمئة يرون الأمر ذاته، في حين نرى تلك النسبة تتناقص في باقي دول أوربا الغربية والشرقية، كان التركيز على الإعلام نابعاً من أن المناخ السائد بأي صراع شديد التأثير بنتائجه بل يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في الفوز فيه، وفي الغضون كان من الواضح أن الكيان الوليد يبدو قطعة فحسب من الجسد الغربي سواء في نواحيه العسكرية أم باقي النواحي الأخرى، ومن المؤكد أن اينشتاين كان ملماً بكل ذلك فلماذا رفض العرض بل أكد أن الكيان الوليد زائل؟
تختلف أسباب انهيار الدول أو الإمبراطوريات من مكان وزمان إلى نظائر لهما أخرى، لكن في جميع الحالات هناك سياق انحداري واحد ويتضمن نشوء العديد من التناقضات داخل الكيان، ثم لا يلبث أن يتحول أحداها بعد العجز عن إيجاد حلول له، إلى تناقض أساسي يصبح هو الحاكم لوتيرة النمو والتطور، فالإمبراطورية المغولية، مثلاً، كانت قد انهارت بفعل اتساع سيطرتها على شعوب وأمم كانوا في مجملهم سابقين لها على سلم التطور والحضارة، أما الإمبراطورية الآشورية فقد انهارت بفعل الاستخدام المفرط للقوة في حروبها الخارجية وارتدادات ذلك على الداخل، في حين انهارت الإمبراطورية السوفياتية بفعل التناقض الصارخ بين الفكر والممارسة في التجربة السياسية، ما أدى إلى تطبيق أقصى الضغوط على صانع القرار السياسي وهو ما عالجه هذا الأخير بالتكيف معه ليجد نفسه في مطبات لم يستطع الخروج منها.
صدق الكنيست الإسرائيلي في جلسته في الأول من الشهر الجاري، قانون «القومية» تحت عنوان الدولة القومية للشعب اليهودي، وعلى الرغم من أن هذا التصويت هو قراءة أولى لا بد أن تتبعها ثانية فثالثة لكي يصبح القانون نافذا، إلا أن ما يشير إليه هو أمر شديد الأهمية وهو لن ينكفئ إذا ما فشل في محاولته تلك وإنما سوف يتخذ أشكالاً ومثالب أخرى حتما ليعاود الظهور من جديد، دون أن يعني ذلك أن القرار لا يملك فرصا جيده للنجاح بل على العكس إذ يشير منظرون إلى أن آليات إقراره ستكون كفيلة بتلافي الهفوات والثغرات التي ظهرت في القراءة الأولى في قراءتيه اللاحقتين وذاك أمر من شأنه أن يساعد في جذب المعارضين مثل حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة وزير المالية موشي كحلون، وكتلة «كولانو» بزعامة وزير الأمن افغيدور ليبرمان.
سيفضي القانون باختصار إلى تمايز مجتمعين داخل الكيان الإسرائيلي أولهما مواطنوه من اليهود وهم يتمتعون بمزايا وفرص لا تتوافر لثانيهما الذي سيكون مواطنوه من العرب الذين لن يكون بإمكانهم السكن في البلدات والمدن اليهودية، وهو، أي القانون، دون شك وليد مؤتمر «هرتزيليا» الذي أسسته تل أبيب لمعالجة «خطر القنبلة السكانية الفلسطينية» فهو في أحد أهم بنوده يعتبر اللغة العربية لها مكانة خاصة لكنها غير رسمية، وهو ما يرى المنظرون أنه سيلحق أضراراً بمرور الزمن بتوسيع الوجود العربي في فضاء الكيان العام.
ومن المؤكد أن تطبيقات ذلك القانون سوف تفضي إلى إنتاج سياسات هي في صلبها تقوم على ازدواجية المعايير، الأمر الذي سيشكل بمرور المراحل تناقضاً أساسياً ومحددا لنمو وتطور المجتمع من المستحيل حله انطلاقاً من الإصرار على «تقديس» العنصر اليهودي، وهو بالضرورة سيفضي إلى بروز نزعات التفضيل والمظلومية بين أفراد المجتمع، وفي ظل نظام عسكرة المجتمع سيدفع ذلك إلى حدوث نخر يتنامى، ومن المرجح أن تفضي مآلاته إلى تأكيد النظرة الثاقبة التي كان يتمتع بها العالم اليهودي فتتحقق نبوءته قبيل أن يتم الكيان قرنه الأول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن