قضايا وآراء

لبنان والتقدم نحو الخلف

| رفعت البدوي

تجرى في لبنان انتخابات نيابية تعتبر الحدث الأهم على الصعد الداخلية والإقليمية وأيضاً الدولية وخصوصاً أنها تحصل بعد تعطيلها بشكل متعمد واللجوء إلى التمديد غير القانوني منذ العام 2009.
تأتي الانتخابات النيابية اللبنانية في لحظة اشتباك إقليمي ودولي بالغ الحساسية نظراً إلى التغيير الحاصل في النظامين الإقليمي والعالمي ومحاولة كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية إرساء قواعد النظام الإقليمي الجديد بحجز حصصها وأمكنتها على الخريطة الإقليمية الجديدة تمهيداً لتحديد مراكز النفوذ والقوى في النظام العالمي.
هناك من يعتقد أن حدث الانتخابات اللبنانية يخص اللبنانيين فقط، لكن حقيقة الأمر أنه ثبت عكس ذلك وخصوصاً بعد بروز عامل التدخل الخارجي من خلال الضغوط السياسية الهائلة التي مورست على اللوائح الانتخابية التابعة إلى فريق محور المقاومة والداعمة لموقف سورية العروبة أو من خلال الدعم المالي الخليجي الذي بدأت آثاره بالظهور على الساحة اللبنانية بهدف دعم اللوائح المناهضة لمحور المقاومة والقيام بشراء الأصوات الناخبة وتوزيع الرشاوى الانتخابية بالتزامن مع إطلاق حملة تخويف وترهيب من إمكانية فوز اللوائح الموالية لمحور المقاومة وتخوين المؤيدين واعتبارهم خارج الانتماء الوطني اللبناني واتهامهم بالسعي إلى عودة عهد الوصاية السورية وبتسهيل طريق الهيمنة الإيرانية على لبنان.
من السهل على المراقب الدقيق اكتشاف حجم التدخلات الإقليمية والدولية في الانتخابات اللبنانية بعد أن بدا واضحاً للعيان حجم الدعم المالي الضخم المدفوع لشد عضد شخصيات ولوائح تقف في مواجهة محور المقاومة وتناصبها الخصومة والعداء بعد تعمّد بعض سفراء دول الخليج المعتمدين في لبنان القيام بزيارات ميدانية غريبة وغير معتادة إلى مناطق اشتهرت بولائها لمحور المقاومة وخزانها البشري بهدف تأمين إجراء خرق انتخابي والتأثير في بيئة المقاومة.
أما التدخل الدولي في لعبة الانتخابات اللبنانية فهو يترجم عبر ضغوط متواصلة بتخويف اللبنانيين من فوز لوائح محور المقاومة وتمكنها من تشكيل كتل نيابية وازنة في المجلس العتيد ما يمكنها من السيطرة على القرار السيادي اللبناني لأنها ستكون حجر عثرة بوجه تمرير مشاريع مشبوهة أو تنفيذ أجندات سياسية إقليمية لا تخدم لبنان.
باختصار تجرى الانتخابات النيابية في لبنان وسط أجواء مشحونة بالخطاب الطائفي والمذهبي المقيت ما يجعل اللبنانيين بعيدين كل البعد عن الانتماء الوطني الحقيقي تاركين الساحة اللبنانية هشة وغير محصنة ضد أي تقلبات إقليمية وجعلها ساحة مستباحة وأرضاً خصبة لأي مؤامرة إقليمية خارجية وخصوصاً أن المنطقة بأسرها تعيش على وقع توترات تنذر بعواقب وخيمة لا يمكن للبنان أن يبقى بمنأى عنها نظراً إلى التباين الحاصل بين المكونات السياسية في لبنان.
فإسرائيل أعلنت أنها لن تسمح بقواعد لحزب الله وإيران في سورية وسبق لها إن قامت بغارة جوية على مركز تجمع المستشارين الإيرانيين كانت نتيجتها استشهاد 7 من كبار المستشارين الإيرانيين العاملين في سورية وبذلك تكون إسرائيل قد دخلت بمواجهة عسكرية مكشوفة مع إيران ستترك بالطبع آثارها على الساحة اللبنانية في أي مواجهة مقبلة بين إسرائيل وإيران سواء أكانت في سورية أم انطلاقاً من لبنان.
أما الولايات المتحدة فهي تمارس أقصى أنواع الضغط على إيران بالتهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران تنفيذاً لرغبة دول الخليج النفطي ما يعني حكماً دخول المنطقة حافة الانفجار الكبير ومن ثم لبنان سيكون من ضمن المنطقة المتوترة.
المجتمع الدولي والخليجي يدفع باتجاه منع أي تواصل رسمي بين الدولة اللبنانية والسورية للضغط على لبنان قبول بقاء اللاجئين السورين على أرضه واستعمال مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان كورقة ضغط على الدولة السورية وذلك مقابل مبالغ ضخمة توصف وتصرف على أساس مساعدات، وهذا الأمر يشكل اختلافاً حاداً بين المكونات السياسية فيه ما يجعل الساحة اللبنانية منصة رخوة متحركة ومعتمدة لإطلاق رأس المؤامرة وتنفيذ المخططات العدائية ضد سورية العروبة المعدة والمفبركة من أميركا ودول الخليج وإسرائيل.
أميركا ومعها إسرائيل تمنعان تسهيل استخراج الغاز والنفط من المياه الإقليمية اللبنانية بحجة خلاف على الحدود وادعاء العدو الإسرائيلي امتلاكه للبلوكين 8 و9 وهذا ما يجعل الساحة اللبنانية عرضة للضغوط المصرفية الدولية بهدف إخضاع لبنان نحو تسوية مع العدو الإسرائيلي تحدد حصة لبنان من الغاز والقبول بملكية العدو الإسرائيلي للبلوكات بينما فريق محور المقاومة أعلن عن رفضه لأي تسوية من هذا النوع بالإصرار على تثبيت ملكية لبنان للبلوكات بعد تحكيم فريق الأمم المتحدة المتخصص برسم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة ما يجعل لبنان عرضة للتجاذبات وممارسة الضغط والابتزاز الأميركي والإقليمي على الساحة اللبنانية.
من يعتقد أن الضغوط الدولية والظروف الإقليمية هي العامل الوحيد المؤثر في الساحة اللبنانية فهو مخطئ أما من يعترف بأن الطبقة السياسية في لبنان هي المسؤولة الأولى عن عدم تحصين لبنان وترك ساحته مرتهنة لمصلحة دول وشركات خارجية على حساب المصلحة الوطنية بهدف تأمين المنفعة شخصية فهو على صواب.
إن الانتخابات النيابية في لبنان تخاض على أساس قانون انتخابي طائفي مذهبي بامتياز ثبت من خلال التحالفات الهجينة الغريبة العجيبة المعيبة المخالفة للقناعات السياسية والمعاكسة لإرادة ورغبات الناس ومن خلال الممارسة أنه قانون أقل ما يقال فيه إنه الأسوأ والأخطر من بين كل القوانين التي اعتمدت لخوض الانتخابات في لبنان نظراً لما يشكله من خطر على صيغة العيش المشترك ويهدد وحدة الوطن اللبناني.
إن ارتدادات الخطاب الانتخابي الطائفي والمذهبي أمر مقلق لأنه أظهر تقدم الانتماء المذهبي على حساب الانتماء الوطني الأمر الذي سيترك آثاره السلبية على مستقبل وحدة لبنان وعلى صيغة العيش المشترك فيه.
نقول: ما دامت الطبقة السياسية في لبنان عاجزة عن إقرار قانون انتخابي يعتمد لبنان بأكمله دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية الكاملة خارج القيد الطائفي أو المذهبي يؤمن الوحدة الوطنية ويحصن الساحة اللبنانية بالمنعة اللازمة لمواجهة الفتن والأعاصير الإقليمية الآتية، يبقى لبنان في حالة التقدم نحو الخلف وبخطوات متسارعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن