قضايا وآراء

شرارة الإقليم

| محمد نادر العمري

يبدو أن التصعيد الإسرائيلي تجاه سورية ومحور المقاومة لم يصل إلى فوهة البركان بعد، بل مازال في إطار التسخين والتصعيد بهدف إخراج إيران منها كما يدعي قادة الكيان، الأمر الذي قد يفضي لتطور شكل الصراع نحو حرب تتجاوز معالمها وعناصرها وأطرافها النظام الإقليمي، بخاصة بعد جملة استعراضات إعلامية وضغوط دبلوماسية وإجراءات لوجستية عسكرية بدت واضحة في المرحلة السابقة، ابتداء بتكرار النموذج المسرحي «الباولي» من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي زج بنفسه باستعراض هزيل هدفه تغيير المزاج والموقف الأوروبي من الاتفاق النووي وتمتين الاصطفاف مع دول الخليج والتمهيد للانسحاب الأميركي من هذا الاتفاق، مرورا بوصول حاملة الطائرات «هاري ترومان» للبحر المتوسط واستعراض عضلاتها ومقدراتها العسكرية في استهداف داعش، انتهاء بزيارة نتنياهو إلى موسكو للمشاركة في عيد النصر وانتظار مخرجات لقائه المنتظر مع بوتين للمرة الثامنة على التوالي والتي وصفها نتنياهو بأن «لها خصوصية وأكثر أهمية»، كونها آخر الاحتمالات الدبلوماسية لاحتواء التصعيد الذي تشهده الساحة السورية.
أول مرة منذ سبع سنوات تتزايد مؤشرات اندلاع شرارة المواجهة بين محور المقاومة وإسرائيل التي سعت خلال السنوات السابقة إلى عمليات عدوانية مضبوطة ضمن ما يسمى «مصطلح عمليات دون حربية» لم تتمكن تغيير موازين القوى في الخريطة السورية لمصلحة تل أبيب بل زادت من توحيد جبهات محور المقاومة ولم تنجح في تكريس نواة مسلحة لحماية حدودها الشمالية أو واقع سياسي يرسخ مناطق عازلة عسكرياً، هذه المتغيرات أفرزت قواعد اشتباك جديدة لا تناسب الطموحات والأجندات الصهيونية في ظل انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة لحساب العودة القيصرية لروسيا.
الاعتبارات التي لا تحسد عليها حكومة نتنياهو داخلياً وخارجياً هي أحد أهم المؤشرات التي تنبأ بتطور هذا الصراع:
على الصعيد الداخلي، تتمثل عدوانية الكيان الصهيوني ونزعته الاعتدائية التي اتسم بها منذ إيجاده في المنطقة باستهداف دول الطوق ودفعها نحو اتفاقيات إذعان، وطغيان اليمين المتطرف داخل المؤسسات الإسرائيلية على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، بالإضافة للوضع القضائي المتأزم لرئيس الحكومة نتنياهو على خلفية تهم وجهت له ولزوجته مؤخرا تتعلق بالفساد والرشاوى ورغبة الأخير بإدخال نفسه ضمن الأسماء والشخصيات المخلدة في تاريخ دولته المزعومة قد تدفعه نحو مغامرة عبر الهروب خطوة إلى الأمام.
على الصعيد الخارجي، مازالت تل أبيب تسيء فهم المتغيرات الحاصلة في موازين القوى داخل النظام الدولي أو تتقصد عدم فهمه، وهي تتشدد بمواقفها وسلوكها للمحافظة على النفوذ الأميركي في المنطقة، وفي إطار هذا التشدد فإن تل أبيب تمكنت من تكوين تكتل وتحالف مع دول الخليج في سابقة هي الأولى من نوعها، تغيرت بها المقاربات والأولويات، وكذلك تطمح في سعيها لعلاقة إستراتيجية مع موسكو تضمن تفوقها وتحفظ أمنها كما تدعي.
نتنياهو الذي لم يخف رغبته في مواجهة إيران عاجلاً وليس آجلاً، كما تحدث خلال اجتماعه الأخير مع حكومته وقبل سفره لموسكو، قد يكون جاداً في ذلك «فخوض حرب من شأنها طحن العظام اليوم أفضل منه غداً» أو بعد غد وفق تفكيره، فسورية بدأت بنقل نخبتها نحو الجنوب السوري لإسقاط مشروع الفدرلة الصهيوني وقد تعيد بالتعاون مع حلفائها ترتيب أوراقها في جبهة الجولان على غرار الجنوب اللبناني وقطاع غزة، في سعيها الاستراتيجي ببناء معادلة ردع جديدة بمواجهة إسرائيل، والرد الإيراني على عدوان مطار T4 اقترب وبالتالي فإن زمام المبادرة والمباغتة ستكون بيد محور المقاومة وبأسلوبه وزمنه.
إن التهور الإسرائيلي قد يكرس كأمر واقع بوجود مثيل له داخل الإدارة الأميركية التي طعمت بصقور متطرفين يجاهرون بدعمهم الكامل لإسرائيل ويتشاركون معها في معاداة الإسلام والمقاومة وإيران واحتواء النفوذ الروسي وإعادة الهيبة للزعامة الأميركية على المستوى العالمي، وقد لا يكون تصريح النائب السابق لرئيس هيئة الأركان موشيه كابلنسكي بأن الحرب المقبلة ستكون بجانب القوات الأميركية ضربا من الخيال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن