ثقافة وفن

«فابريكا» فسحة لفرجة شعبية كوميدية تلامس الناس … أيمن زيدان لـ«الوطن»: بقدر ما نكون قريبين من الناس نكون مؤثرين وفعالين

| وائل العدس- تصوير طارق السعدوني

بعد أن أخذ على نفسه عهداً بألا يقدم إلا ما يحبه ويقنعه، وبغيابه الاختياري عن أضواء الشاشة الصغيرة، اختار النجم أيمن زيدان التوجه إلى «أبو الفنون» للتعبير عن ذاته وما يدور بداخله، مقدماً رابع تجاربه الإخراجية على خشبة المسرح خلال سنوات الحرب على سورية، بعد «راجعين» 2001 و«دائرة الطباشير» 2014 و«اختطاف» 2017.
«فابريكا» هي المسرحية الجديدة التي قدمها زيدان على مسرح الحمراء والتي حقق من خلالها حضوراً جماهيرياً قياسياً عكس تعطش الناس للفن الحقيقي.
المسرحية التي أنتجتها مديرية المسارح والموسيقا مقتبسة عن نص «ممثل الشعب» للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش الصادرة عام 1885، وقام زيدان بإعداده بالشراكة مع الكاتب محمود الجعفوري حيث يتناول الانتخابات البرلمانية ضمن إطار كوميدي، مازجاً فيه بين النص الأوروبي والنكهة السورية ما جعله قريباً من الناس.
ويتابع زيدان ما بدأه على خشبة القومي منذ ثمانينيات القرن الفائت مشتغلاً على مسرح الكوميديا الشعبي ومستعيداً أجواء المسرح الساخر من دون التخلي عن تشريح عميق للطبقات الاجتماعية التي تناولها في عروضه السابقة.

يروي العرض حكاية عائلة من الطبقة المتوسطة تخوض شخصياتها في رهان الانتخابات البرلمانية عبر شخصية «أبو ليلى» الرجل الذي يجد نفسه في مأزق بعد اكتشافه أن «شادي» الشاب الذي رفضه حين تقدم لخطبة ابنته «ليلى» يقوم زوج عمته بتسمية قوائم الناجحين في الانتخابات، فلا يكون منه سوى الإذعان لمشيئة الشاب المختلف عنه سياسياً ملبياً رغبته في الزواج من وحيدته.
ويؤدي شخصيات المسرحية كل من الفنانين محمد حداقي ولجين إسماعيل ولوريس قزق وحازم زيدان وفادي الحموي ولمى بدور وخوشناف ظاظا ونجاح مختار.
ويضم فريق العمل: الموسيقا والأغاني سمير كويفاتي، تصميم الديكور هاني جبور، تصميم الأزياء ريم شمالي، تصميم الإضاءة مجد ديب، الماكياج خولة الونوس، التصميم الإعلاني والمواد البصرية هاني جبور، الأقنعة ليندا جاموس، التعاون الإخراجي أنطوان شهيد، مساعد المخرج خوشناف ظاظا.

فرجة شعبية
المسرحية تم تغيير اسمها من«برلمان» إلى «فابريكا» قبل العرض بأيام لأن فريق العرض وجده أكثر طرافة، حيث قال زيدان: تزداد رغبتنا في تقديم اقتراح لافت لفرجة شعبية تستقطب شرائح متنوعة من الجمهور ولاسيما أن المسرحية تتوجه لأولئك البسطاء الذين يزين وجودهم مسرحنا.
واعتبر أن «فابريكا» فسحة لفرجة شعبية كوميدية تلامس الناس وهمومها ومشاكلها وأحلامها وأوجاعها، مضيفاً: أعرف أن الطريق إليها وعر لكنها تستحق المحاولة، فالعرض مغامرة مسرحية جديدة نصوغها بالحب والتفاني لنحاول أن نسرق بعض البهجة من رحم الوجع السوري.

حركة متواترة
من ناحية ثانية، وحول التوجه إلى النصوص الأجنبية قال زيدان: نعيد كتابة النص الأجنبي وفق معطياتنا مع الحفاظ على بنية الشخصيات، مشيراً إلى أن بعض النصوص الأجنبية يمكن لها أن تكون عربية أكثر بكثير من كتابات العرب أنفسهم، داعياً إلى التخلص من إشكالية نص عربي أو أجنبي لأن المسرح فضاء رحب يسع الإنسانية، معترفاً في الوقت نفسه بوجود أزمة نص مسرحي محلي، بسبب غياب الحركة المسرحية المتواترة.
وأكد أن كل الظروف مهيأة لإنتاج مسرح جيد عدا ظروف الإنتاج، خاصة أن الجمهور بات متابعاً ومحتفياً.
وتحدث زيدان عن جرأة الطرح وقال: إن لم نكن جريئين فليس للمسرح معنى، فالمسرح لحظة مكاشفة بحدود فهمنا لدورنا، ونحن كناس وطنيين يجب أن نشير إلى كل العيوب، وأن نتحمل مسؤوليتنا عن إعادة بناء مجتمعنا ما بعد الحرب، لافتاً إلى أن الجرأة المقدمة فيها احترام وطني ودفاع حقيقي عن الوطن.
هل يرغب في العودة إلى تقديم رسائل سياسية على خشبة المسرح؟ أجاب: أتمنى أن تعود هذه الثقافة، وخاصة أن أحد اتجاهات المسرح تكمن في أن يكون برلماناً للناس، يعبر عن آلامهم وأوجاعهم وأحلامهم، فبقدر ما نكون قريبين من الناس نكون مؤثرين وفعالين.

المسرح بخير
وقال علي المبيض معاون وزير الثقافة إن العرض يرسخ أن المسرح السوري لا يزال بخير، والمسرح أحد صنوف الثقافة التي تسعى الوزارة لنشرها وتعزيزها وخاصة في ظل الظروف التي نعيشها.
وأضاف: المسرحية تجربة مهمة وممتعة، وجميع الممثلين فيها كانوا نجوماً، وما قدم كان نتيجة تراكم الخبرات لدى الفنان السوري.
حالة طبيعية

بدوره عبّر محمد حداقي عن حبه ورغبته في العمل في المسرح، مؤكداً أن عدة مقومات جذبته للمشاركة، أبرزها طبيعة العرض وموضوعه المهم في هذه المرحلة، إضافة إلى رغبته في العمل مع زيدان.
ولفت إلى أن قلة حضوره المسرحي حالة فنية طبيعية، مشيراً إلى أن المسرح يمتاز بأنه يجدد الممثل ويصقل مهاراته وأدواته، ومن واجب الممثل أن يتعامل مع الخشبة كل فترة.

سهل ممتنع
أما حازم زيدان فأكد أن العمل مع أيمن زيدان سهل ممتع، فهو فنان مخضرم يعرف ما يريد، وعلى الممثل معه أن يكون حيوياً وسريع البديهة.
وشدد على أن المسرح فن حساس يجب أن ينجز على مستوى عال، وخاصة أنه فن مباشر مع الناس، مؤكداً أن الحضور المسرحي يمكن أن يكون أكبر في الفترة المقبلة بسبب الإقبال الكثيف للجمهور، معتبراً أن المسرح فرصة لا تفوت.
وقال إن شعوره لا يوصف لأن المسرح حالة متفردة وجميلة وخاصة، ولا تشبه أي شيء.

عبء إضافي
أما لوريس قزق فكشفت أن هذه المسرحية هي الثالثة لها مع أيمن زيدان، الأمر الذي جعلها تشعر بالراحة أكثر لأنه أصبح يعرف مكونات شخصيتها، قائلة: شخصيتي «أم ليلى» بسيطة وشعبية تقول ما يجول في خاطرها، وهي شخصية مقموعة من زوجها.
وقالت إن العرض شعبي والجمهور يحب هذا النوع، مضيفة إن استخدام الأقنعة حمّلنا عبئاً إضافياً لأن الممثل أصبح بوجهين وعليه أن يبذل جهوداً مضاعفة.
وعبرت عن سعادتها لتفاعل الجمهور الذي أدهشها، بحيث لم تتوقع أن تكون ردة فعله بهذا التفاعل، متمنية ألا ينقطع الجمهور عن متابعة المسرح.

كلمة الوزارة
في كلمتها بمناسبة العرض، قالت وزارة الثقافة إن المسرح أبو الفنون، إنه يحلق عالياً، فيحترق بنور طموحه، ثم يتجدد منبعثاً من رماده كطائر العنقاء، لذلك يظل المسرح أمل المستقبل. إن متعة المسرح الخالدة في عصر تكنولوجيا السينما والتلفزيون هي قدرته على مس شغاف القلوب ببساطة وتحقيق أثر فكري ينحفر عميقاً في الوجدان.
المسرح مقايضة، فنحن نأخذ من مختلف الثقافات والأذواق لكي نعطي من ثقافتنا وذائقتنا العربية، المسرح بتياره الأساسي ليس متحفاً للتراث، وليس مختبراً للتجارب، وإنما هو توازن بين الحداثة والأصالة، يعيد إنتاج تراث الماضي برؤية وإسقاط معاصرين، ويعالج قضايا الوضع الراهن بجرأة غايتها الإصلاح البنّاء. المسرح تعبير بغرض التأثير، لذا فإنه ينشد في أفضل أحواله تكاملاً بين المبنى والمعنى.
في الألفية الثالثة، يهب المسرح دفاعاً عن هويته القومية في عصر العولمة، منفتحاً في الوقت نفسه على الثقافات الإنسانية بتسامح مع الآخر، مستلهماً جواهر الإبداع العالمي، فضلاً عن الاحتفاء بالنصوص العربية المتميزة. إن التعددية والتنوع اليوم يجعلان المشهد المسرحي المعاصر لوحة فسيفساء.
المسرح جزيرة للحرية، فهو يتميز عن باقي الفنون بأنه يخوض تحدياً مع كل ولادة جديدة. والمسرح رئة الشعوب تتنفس به وتحيا، فلنؤمن أن العمل في المسرح ليس أخذاً بل عطاء، ولنتذكر أن مستقبل المسرح مرهون بإرادة الشباب، ولنشعل للمسرح أصابعنا شموعاً لدحر قوى الظلام، ولنعش سحر المسرح، لأنه سينعش حياتنا ويضيء أرواحنا ليعمر طويلاً في الذاكرة، ويصنع مستقبل الأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن