اقتصادالأخبار البارزة

«مداد»: القانون 10 يتضمن أدوات تنفيذية يمكن الرهان عليها خلال إعادة الإعمار.. لكنه يعاني من نقاط ضعف

| الوطن

سلطّ مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» الضوء على القانون رقم (10) لعام 2018، المتضمن إمكانية استحداث مناطق تنظيمية ضمن المخططات التنظيمية، والذي أثار نقاشاً مكثفاً، وجدلاً واسعاً، حول طبيعة القانون وتوقيته وغاياته، إذ نشر ورقة بحثية مساء أمس أعدّها الأستاذ بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق الدكتور مدين علي.
ذكرت الورقة أن الأبرز في هذا السياق يبقى أن ذلك النقاش أسس في الواقع لمناقشة قضية جوهرية، وبالتالي لطرح تساؤلات ضروريّة لجهة ما يتعلق ببعض الجوانب الفنية ذات الصلة بالمضمون العملاني والتطبيقي للقانون المذكور «لكن اللافت في الوقت ذاته هو أن النقاش الدَّائر، لم يخلُ في كثيرٍ من حيثياته من محمولات إيديولوجية، وكيديات سياسية، أخلّت إلى حدٍّ كبير بصدقيّة الطرح، وموضوعية الغايات، وحسن النوايا».

مشكلة العشوائيات
ذكرت الورقة أن الطابع العشوائي سيطر على صورة غالبية المدن السورية، حيث تتجاوز نسبة المناطق غير المنظمة حدود (50-60 بالمئة) من إجمالي الحيز الجغرافي والديموغرافي في بعض المدن السورية، تحديداً دمشق وحلب.
مشيراً إلى أنه ثمة استجابة لمعالجة مشكلة العشوائيات والسكن العشوائي، قامت بها الدولة السورية بصورة متأخرة نسبياً، بل كانت مجتزأة، ذلك عن طريق استصدار القانون رقم 59 في تاريخ 24/9/2008 والذي كان قد تضمن في كثيرٍ من موادّه وفقراته الإطار التشريعي والقانوني الناظم لشروط السكن، وخصائص البناء، ومواصفات المباني في سورية، لكنه كان يعاني من نقاط ضعف كثيرة، أفرزها الفضاء العام الذي كان يحدد معالم السياسة العامة للدولة السورية، التي لم تكن ترقى عملياتياً (أي السياسة العامة) إلى المستوى المطلوب لتوفير الشروط الموضوعية لنجاح برنامج الإصلاح والتغيير، بما في ذلك نجاح القانون ذاته، الذي كان يتطلب وجود حزمة متكاملة من الخطط والبرامج والسياسات، كان من المفترض أن تنفذها الدولة، بالتوازي والتزامن مع استصدار التشريع.

القانون 10 ما له وما عليه
رأت ورقة «مداد» أن القانون 10 جاء مستوفياً الشروط من الناحية الفنية والإجرائية، ذلك حسب الأصول الدستورية، وقد تضمن القانون في الواقع مجموعة كبيرة من النقاط الجوهرية، التي يمكن أن تجعل منه أداة تنفيذية ورافعة يمكن الرهان عليها في عملية إعادة الإعمار، بما فيها تلك التي تتعلق بحقوق المواطن دون استثناء أو تمييز، سواء كان مقيماً أم غير مقيم (مهاجراً أم لاجئاً)، وهذا يبرز بوضوح على أساس تضمين القانون الطلب إلى جميع المواطنين في المناطق التي قد يشملها المرسوم، التقدم بتصريح عن حقوقهم في مدّة أقصاها (30) يوماً، مرفقاً بالوثائق والثبوتيات الداعمة للتصريح، حول كل ما يتعلق بنوع الملكية القانوني والشرعي والحدود والحصص (الفقرة أ من المادة 6).
كما سمح في المادة 6 منه لصاحب العقار تقديم ما يثبت إقامته (ملكيته) إما بوثائق رسمية مصدقة أصولاً، أو بصورة عن الأصل فقط. وفي حال عدم وجودها يمكن للمالك أن يتقدم بطلب خطي يذكر في طلبه المواقع والحدود والحصص والنوع الشرعي والقانوني للعقار أو الحقوق التي يدعي بها وجميع الدعاوى المرفوعة له أو عليه. وهذا نوع من التساهل الكبير الذي قدمه المشرع للمالك الذي فقد ثبوتياته القانونية، ما يعني عدم وجود أية نيات مبيتة خلف المرسوم كما تدعي بعض الجهات الخارجية.
وبخصوص المهاجرين واللاجئين، أو مَن لديهم ظروف قاهرة تحول دون إمكانية قيامهم بالتقدم بالتصريح المطلوب، ومتابعة الإجراءات اللاحقة ذات الصلة بإثبات الحقوق والملكيات، فقد أجاز القانون، بصورة واضحة لا لبس فيها ولا تأويل، لأقارب الأصيل، حتى الدرجة الرابعة، النيابة عنه في جميع الحقوق والواجبات التي حددها القانون بالنسبة للأصيل، ذلك، بموجب وكالة قانونية، وفق الأصول (الفقرة ب من المادة 6).
إلا أن القانون يعاني في الوقت ذاته من بعض نقاط الضعف، منها أن يجوز إحداث مناطق تنظيمية بناء على اقتراح تقدّمه وزارة الإدارة المحلية والبيئة (المادة 1)، ما يعني أن المسألة تقديرية وتخضع لتقديرات الوزير، وهذا لا يجوز، فالمسألة لا تتحدد بإرادة وزير؛ بل تحتاج إلى تقديرات وقرارات مجالس عليا، تتمتع بالخبرات والكفاءات والرؤى، ما يعني ضرورة وجود نواظم وضوابط محددة لابد من وضعها بوساطة لوائح تنظيمية/تنفيذية، تضعها لجنة متخصّصة ذات كفاءة ونزاهة وبإشراف هيئات عليا.
ويجب أن يتضمن القانون صيغة مختلفة لجهة ما يتعلق بإمكانية إحداث مناطق تنظيمية ضمن المخططات التنظيمية. فبدلاً من عبارة يجوز…. الخ…… وبناء على اقتراح الوزير… الخ. كل ذلك يجب أن يُستبدل بمادة جديدة تنص صراحة على ما يأتي: «تُحدث مناطق تنظيمية في جميع الوحدات الإدارية من الجمهورية العربية السورية التي تنتشر فيها مظاهر العشوائيات والسكن العشوائي وظاهرة التعدي على أملاك الدولة والأملاك العامة والمساحات الزراعية والمتنفسات الخضراء..».
بخصوص اللجان، يتضمن القانون في الفقرة ج من المادة 5 ما ينصُّ على أنّه: بقرار من رئيس الوحدة الإدارية، في مدّة أقصاها شهر من تاريخ صدور مرسوم إحداث المنطقة التنظيمية، يتم تشكيل لجنة أو أكثر لحصر وتوصيف عقارات المنطقة وتنظيم ضبوط مفصلة بمحتوياتها. وهنا يمكن أن تبرز مشكلة كبيرة، إذ إنَّ تبعية اللجنة لرئيس الوحدة الإدارية، قد يؤثر في استقلاليتها وحيادها، وقد يجعلها تتأثر بالضغوط التي يمارسها رئيس الوحدة الإدارية أو مراكز القوى الكبرى المؤثرة في المنطقة، ما يعني ضرورة إعادة النظر في هذه المادة، وجعل تشكيل اللجنة يتم بقرار من جهات أعلى من كوادر وكفاءات متخصصة وتقنية ومشهود لها بالنزاهة، ويجب الإشارة إلى ضرورة أن تقدم تقاريرها بصورة شفافة وعلنية قابلة للنشر والتداول.
ورأت الورقة أن القانون لم يحدد عدد أعضاء اللجنة، ولا الأسس ولا الخصائص ولا المعايير التي يجب أن يتمتع بها أعضاؤها. إضافةً إلى أن القانون ينص في المادتين 12 و17 على أن المتضرر يمكن أن يدّعي على المتسبب بالضرر أو يقاضيه أمام القضاء العادي، كما أنّ الطعون بقرارات اللجنة، يتم البت بها من قبل محكمة الاستئناف، لكن الطعون في الوقت ذاته كما ينص القانون، لا توقف إجراءات التنفيذ. والسؤال ما فائدة الطعن، وكيف سيُبتُّ بها وعلى أي أساس سيتم البت بواقعة جرى عليها التغيير، أو بموضوع متغير ومتحول في خصائصه العمرانية والاقتصادية والهندسية، ألا يؤكد ذلك بأن المالك سيصبح أمام أمر واقع، وستحول الحق بالطعن إلى حق شكلي، ما يعني ضرورة وجود أو استصدار لائحة تنفيذية/ تنظيمية تحدد الآليات وتفسر الملابسات.
كما أن القانون لم يحدد الجهات التي ستبني ولا طرق التعاقد ولا شروط الاستلام والتسليم بصورة واضحة. كما يقول القانون في المادة 19 منه: تقوم الوحدات الإدارية بإعداد الدراسات وتنفيذ البنى التحتية والمرافق والتكاليف حتى تصبح المنطقة جاهزة للبناء. والسؤال هل هي تتحمل الكلف دون ترحيل؟ أم إنها سترحلها إلى حسابات الصندوق المقترح تشكيله ضمن الوحدة الإدارية لتمويل البناء؟ أم إنها سترحل وتحتسب كجزء من التكلفة الإجمالية النهائية للمتر الطابقي؟ كل ذلك غير واضح، ما يعني ضرورة وجود لائحة تنفيذية تنظيمية للقانون المذكور.
وأيضاً، لم يوضح القانون ما إذا كان سيُطلب من المالكين والمستفيدين سداد دفعات، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك أم لا؟

ما وراء التجاذب
رأت الورقة البحثية أن الموقف من القانون 10 يجب أن يتجاوز حدود أو نطاق التجاذب أو التوظيف السياسي. ما يعني ضرورة التعاطي معه كإحدى المقاربات الاستراتيجية العملية في مرحلة إعادة الإعمار، ذلك للتخلص من ركام تاريخي، لا يجوز التساهل به أو التعاطي معه كأمر واقع. إن تبسيط المسألة والتعاطي معها بمنطق غير مسؤول، سيساعد دون شك في توسع العشوائيات والسكن العشوائي بطريقة سرطانية، ستحوّل سورية برمتها إلى ركام بيتوني كبير، ينتج البيئات الحاضنة للإدمان والمخدرات والجرائم والفارين من وجه العدالة والخارجين على القانون، ويلتهم في الوقت ذاته الأراضي الزراعية وغير الزراعية، ويستنزف الموارد والإمكانيات بصورة غير مُستدامة على حساب الأجيال السورية القادمة.
ورأت الورقة أن نجاح القانون رقم (10) يتطلب وجودَ إرادةٍ حقيقيةٍ وإصرارٍ قويٍّ من قبل الدولة والأجهزة التنفيذية على توفير الشروط الموضوعية اللازمة لنجاحه، والتي يندرج في مقدمتها تطبيق القانون في جميع المحافظات والمناطق والأقضية السورية دون استثناء أو تمييز واعتماد معايير حوكمية في التعاطي مع العملية تخطيطاً وتنظيماً وتعاقداً وتمويلاُ وتخصيصاً وإشرافاً، والإسراع في إنجاز المخططات التنظيمية بحيث تطال المدن والمناطق والأرياف والقرى والمزارع، وهذا سيساعد في خلق وتوليد مصادر تمويل وتأمين إيرادات كافية.
إضافةً إلى الاعتماد على شركات تطوير عقارية حقيقية منظمة، والعمل على ابتكار مصادر تمويل قادرة على تأمين الموارد، واستصدار التشريعات والقوانين التي تقيد الهجرة الداخلية، وتضع حدّاً للرغبة في الانتقال للسكن في المدن الكبرى، تحديداً دمشق. وهذا يستلزم بالتزامن والتوازي إعادة النظر في الخطط التنموية والبرامج الإنمائية، وإعادة النظر في استراتيجيات التنمية وسياسات تخصيص وتوزيع الإنفاق العام على الوحدات الإدارية والبرامج والخطط وأولويات الموازنة العامة للدولة. بمعنى ضرورة التحول نحو استراتيجيات تنموية تأخذ بالحسبان مسألة توفير الشروط الموضوعية اللازمة للقضاء على أسباب الهجرة الداخلية.
وذلك إلى جانب قمع المخالفات والضرب بيد من حديد على أيدي المعتدين على أملاك الدولة البرية والبحرية، وحرمات الطرق الرئيسة والفرعية والمخططات التنظيمية، ذلك بالهدم والتغريم، إضافة إلى العقوبات والملاحقة المدنية والجزائية، وعدم التساهل مع المرتكبين والمتجاوزين تحت أي ذريعة أو مبرر. وهذا يمكن أن يساعد في تعزيز هيبة مؤسسات وأجهزة الدولة، وتحسين صورتها، والمراهنة على دورها وحضورها في عملية إعادة بناء الدولة السورية المعاصرة.
وفي النهاية يجب إعداد لائحة تنفيذية لمشروع القانون (10)، كي لا تبقى بعض نقاطه غامضة أو ملتبسة قابلة للتأويل والتوظيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن