من دفتر الوطن

انفصام المجتمع

| عبد الفتاح العوض 

يقول الخبر إن عرساً لسوريين في مصر كلف ملايين الدولارات وأحياه طرباً نجوم غناء معروفون.
يشكل هذا الخبر مجرد حالة أو ربما مثال لإظهار انفصام شخصية المجتمع السوري بين حالة الحرب وما تعنيه وما تتضمنه من دماء وموت ودمار ومآس وبين حالة إنكار حالة الحرب والعيش بحالة من البذخ المبالغ به.
بين سوريي الداخل والخارج مسافة شاسعة من المعاناة.
هنا يمكنك أن تسمع كل أنواع الشكوى ربما أكثرها شيوعاً الشكوى المعيشية لكن في كثير من الأحيان شكاوى عديدة من نمط الحياة وصعوبتها والقلق الذي يحيط بها من كل نوع.
سوريو الخارج يتحدثون بكثير من الرومانسية عن البلد والذكريات، وكثير من هذه الرومانسيات هي في شكلها جميلة لكن في مضمونها نوع من التعبير عن ألم الغربة، لكن هذه التعابير هي ملء فراغ القلب وغالباً ملء فراغ الوقت والتوقيع على دفتر الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الفارق كبير بين المعاناة هنا والمعاناة هناك.
الألم الرومانسي يبقى في حدوده، لكن الألم الواقعي يحفر في الإنسان أوجاعه كل الوقت.. وإلى كل المدى.
حتى في الداخل ثمة من يعيش كما لو أنه خارج الأزمة والبعض وجد في حالة الحرب التي نعيشها فرصة له ليصبح «باذخاً»، ولا أتحدث عن أثرياء الحرب فحسب بل أتحدث أيضاً عن أولئك الذين وجدوا الطرق للثراء على حساب آلام الآخرين وأوجاعهم ومعاناتهم.
الانفصام في المجتمع السوري لم يكن فقط انفصاماً سياسياً، فقد أظهرت هذه الحرب أن الخلافات السياسية ليست إلا تعبيراً عن اختلافات «مصالح» ضيقة ومحدودة. والذين رفعوا الشعارات الكبرى أخفوا خلفها مصالح شخصية رخيصة، ومع مرور الوقت ذابت الشعارات وظهرت فقط المصالح الرخيصة التي بدورها ظهرت صغيرة ومحدودة وظهر لأصحابها كم كانوا أغبياء عندما توهموا أن هذا الدرب هو دربهم، وأن هذه المصالح هي مصالحهم!
شخصيات خارج الحرب، والذين لم تمر عليهم آثارها ولا نتائجها يتعاملون معها بطريقة مثيرة للغرابة. فهم يتعاملون معها كما لو أنها تحدث في كوكب آخر ولشعب آخر.
والذين استطاعوا أن يصنعوا جداراً بينهم وبين آثار الحرب خلطوا بين أنهم خارج الحرب و خارج الوطن!
لاشك أن ثماني سنوات من الحرب في أي بلد ولأي مجتمع لابد أن تترك آثارها في قلب المجتمع وفي عقله، ولا أظننا استثناء في ذلك، لكن الاستثناء الذي نعيشه هنا هو حجم الفوارق بين من هم فوق ومن هم تحت.
الفوارق بين الذين تضرروا وبين الذين استفادوا.
بين الذين دفعوا الثمن وبين الذين حصلوا عليه.
هذه الفوارق هي الشكل الأكثر وضوحاً لحالة الانفصام في المجتمع.
فيا أيها السادة الذين أنتم فوق فوق.
نعتذر إليكم ونخجل منكم لأننا نفسد عليكم أعراسكم وأفراحكم ورفاهيتكم.

أقوال:
• عندما تصل المصيبة إلى ركبة الغني تكون قد تجاوزت رقبة الفقير.
• عندما يحصل الأعمى على عينين يبدأ بالمطالبة بالحاجبين.
• أمران يمكن لهما أن يكشفا أسرار الحياة.. الحب والحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن