قضايا وآراء

التنين الصيني يُسقط إملاءات ترامب الاقتصادية والسياسية

| قحطان السيوفي

بعد المحادثات التجارية الأميركية الصينية في بكين منذ أسبوعين، ومن خلال ما سُمي «إطار العمل الأولي»؛ وجهت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب «المتهورة»، نوعاً من الإنذار إلى الصين بشأن التجارة، لكن الصين رفضت المطالب.
إدارة ترامب إما أنها غبية جداً، أو أنها في غاية الغرور، وستكون تلك لحظة حاسمة للعلاقات بين القوتين الاقتصاديتين العظميين في العالم، وأهم شريكين تجاريين، لكن يبدو أن أي معركة بينهما قد لا تضم سوى محامين وليس سفناً حربية، إدارة ترامب قدمت مطالبها للصين على شكل إملاءات أهمها:
1- تقليص الاختلال التجاري مع الولايات المتحدة بواقع 100 مليار دولار خلال 12 شهراً، بدءاً من أول حزيران 2018، وبواقع 100 مليار دولار أخرى من أول حزيران 2019 .
2- تلغي الصين جميع الإعانات المشوهة للسوق التي تؤدي إلى الطاقة الإنتاجية الزائدة، وأن تزيل المتطلبات المرتبطة بالتكنولوجيا الخاصة بالمشاريع المشتركة.
3- توقف الصين عن استهداف التكنولوجيا والملكية الفكرية في الولايات المتحدة من خلال العمليات السيبرانية، والتجسس الاقتصادي.
4–توافق الصين على الالتزام بقوانين الرقابة على الصادرات الأميركية.
5– لا تتخذ الصين أي إجراء انتقامي رداً على الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، وأن توقف الصين على الفور جميع الإجراءات الانتقامية المتخذة حالياً.
6- لا تعارض الصين، أو تتحدى أو تنتقم من فرض الولايات المتحدة قيوداً على الاستثمارات من الصين في قطاعات التكنولوجيا الأميركية الحساسة، أو القطاعات الحيوية للأمن القومي الأميركي، وأن يتاح للمستثمرين الأميركيين في الصين الوصول إلى الأسواق بطريقة عادلة وفعالة وغير تمييزية.
وستتم مراجعة الاتفاقية كل ثلاثة أشهر، وفي حال استنتجت الولايات المتحدة أن الصين ليست في موقف الامتثال، فقد تفرض رسوماً جمركية أو قيوداً على الاستيراد، وعلى الصين ألا تعارض أو تتحدى أو تتخذ أي إجراء ضد أي من هذه الإملاءات الأميركية.
يُفهم من هذه المطالب أو الإملاءات التعجيزية؟ الدعوة إلى تخفيض العجز الثنائي بمقدار 200 مليار دولار، بدلاً من 100 مليار دولار، وهذا أمر مثير للسخرية.
إنه انتهاك لمبادئ عدم التمييز والتعددية والالتزام بمبادئ السوق التي يرتكز عليها النظام التجاري الذي أنشأته الولايات المتحدة، لذلك يجب أن تخجل إدارة ترامب من نفسها كما قال مارتن وولف في «الفاينانشال تايمز» الأسبوع الماضي، فهي تتجاهل الاحتمال الكبير بألا يقلل هذا العجز الإجمالي في الولايات المتحدة، ولاسيما في ضوء انعدام المسؤولية الأميركية في مجال المالية العامة، وتتجاهل أيضاً الآثار السلبية التي ستقع حكماً على البلدان الأخرى بأن يكون للصين التعرفات الجمركية نفسها التي تفرضها الولايات المتحدة، حيث تكاد تكون بالقدر نفسه من السخافة.
لا توجد حالة اقتصادية تتضمن مثل هذه السياسة، وسيكون أكثر عقلانية أن تتم المطالبة بتغييرها إلى متوسط التعرفات الجمركية نفسها في الولايات المتحدة.
ستصر الصين على أن يكون هناك نقاش جاد حول شروط الاستثمار الأجنبي في الصين والاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، ومناقشة لحماية الملكية الفكرية وللتجسس الإلكتروني، لكن بكين لن تقبل أبداً فكرة أن إدارة ترامب تمنعها من تطوير تقنيتها وفكرة أن تصر على الوصول غير المقيد للاستثمار في الصين مع الاحتفاظ بحق تقييد الاستثمارات الصينية، كما تشاء، وهذا أمر مرفوض من الصين.
إن فكرة أن الولايات المتحدة ستكون القاضي وهيئة المحلفين والمنفذ أيضاً، على حين أن الصين ستُحرم من حقوق الانتقام أو اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، هي فكرة مجنونة كما ذكرت «الفاينانشال تايمز».
من المؤكد أن مثل هذه الشروط ترفضها الصين وتعتبرها بمنزلة نسخة حديثة من «المعاهدات غير المتكافئة» المرفوضة والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، وقد تتضرر الصين بسبب حرب التعريفات المتبادلة أكثر من الولايات المتحدة، لأن صادراتها إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير من صادرات الولايات المتحدة إلى الصين، وتسمية ذلك الأمر بالحرب التجارية ينطوي على فكرة أنه نزاع بلا أسلحة محصلته الصفر بين البلدان.
إن أحد أهداف نيران إدارة ترامب؛ منظمة التجارة العالمية، ومنذ إنشاء هذه المنظمة في عام 1995، كان الرؤساء الأميركيون من أنصارها وسعوا إلى ضم بلدان أخرى، كالصين في عام 2001، وكانوا ملتزمين أيضاً بالقرارات الصادرة عنها، بالتالي، حين يزدري الرئيس ترامب تلك المؤسسة فهو يأتي بأمر غير عادي، ويظهر كرئيس مُتقلب، وأكثر ميلاً إلى الحركات المسرحية في حربه على الصين.
يشير تحليل حديث لمعهد هوفر إلى أن اقتصاداً ديناميكياً كاقتصاد الصين يمكن أن ينجو، وأن الزعماء الصينيين لن يقبلوا إطلاقاً بمثل هذه الإملاءات، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وإدارة ترامب تواصل سيرها في هذا الموضوع بطريقة خاطئة جداً لأنها تشن حرباً خاسرة، وسيكون الطريق الصحيح للجميع هو جعل النقاش موضوعياً متكافئاً ورفض الإملاءات الأميركية.
إن وجهة نظر إدارة ترامب بأن ممارسة القوة الأميركية من جانب واحد هي كل ما يلزم، سوف تفشل، ولن تتمكن من تحقيق الاستقرار، وإذا كانت تشك في ذلك، فيجدر بها أن تنظر إلى وضع الغليان الذي أصبح عليه الشرق الأوسط، بعد تدخلاتها.
الصين قوة عظمى وهي على حق، وتتبنى مبادئ الانفتاح المحكوم بالقواعد والتجارة الثنائية، ومطالب ترامب مثيرة للسخرية، ومن الضروري للغربيين أن يدركوا أن عدوهم الأكبر أصبح عجزهم عن إدارة شؤون بلدانهم على النحو السليم، بالمقابل الصين شريك أساسي في ضمان عالم مسالم وتعاوني بشكل معقول ومستقر، وترى بكين المستقبل الوحيد للعالم بأنه لا بد أن يكون مبنياً على الاحترام المتبادل والتعاون متعدد الأطراف.
إدارة ترامب ستجد نفسها بمفردها إذا كانت تسعى لفرض إملاءاتها على دولة كالصين ترفض بشدة إملاءات زعيم متهور يدير دولة عظمى وكأنها شركة خاصة، والتنين الصيني سيرفض بل سيُسقط إملاءات ترامب الاقتصادية والسياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن