ثقافة وفن

إخراج جديد ممنهج للسنة النبوية الشريفة فهل تحتاج؟ … جاء تلبية لما ينادي به العالم اليوم من تحديث الخطاب الديني كما يقول أصحابه

| سارة سلامة

إن سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام تشكل قدوة حسنة بأسمى معانيها وأرقى مناهجها، وكان لسيرته المشرفة فضل البيان والتفصيل بسلوكه وعبادته ومعاملاته، وكان الأسوة الحسنة بسنته المشرفة الموضحة والمفصلة، كما قال الله سبحانه: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً».
وفي كتاب واحد صادر عن دار المعرفة بعنوان «محمد.. إخراج جديد ممنهج للسنة النبوية»، نتعرف على السنة النبوية و1500 حديث شريف وذلك بمنهج جديد للقراءة في مجموعة للأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، حيث يبين أن «للسنة النبوية الشريفة مكانتها في الإسلام ومنزلتها العظيمة في الدين، فهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وهي الموضحة لمبهمه والمفصلة لمجمله، والمقيدة لمطلقه، والشارحة لأحكامه، بل إنها قد تستقل بالتشريع أحياناً، وأن العالم المعاصر اليوم في أمس الحاجة إليها، خاصة بعد تطور الحياة، فتنادى الجميع إلى تحديث الخطاب الديني وتطويره، ليتواءم مع العصر ولغته، وليتابع التطور العلمي، ويصوب التحدي الحضاري».

علاج لمشكلات العصر
ويوضح الكاتب في المقدمة أنه: «لما كان للسنة النبوية المشرفة هذه المكانة، كان الواجب على المسلمين في كل زمان ومكان أن يتدارسوها، وأن يطبقوها، وأن يصوبوا حياتهم على مناهجها وفي ضوء رشدها وهداها، كما وصّاهم رسولهم أن يلتزموا سنته وأن يعضّوا عليها بالنواجذ، لأنها المبينة للقرآن، المفصلة لمجمله، ولأن فيها علاجاً لمشكلات كل عصر ومصر».
ويبين الكاتب أن: «هذه المجموعة تحمل طائفة من الأحاديث النبوية وتشتمل على طاقة من أمور الهدي النبوي في سائر الأمور والظواهر المعاصرة، في عرض سديدٍ وثوبٍ جديد تصون حياتنا ومعاملاتنا في ضوء الهدي النبوي، وقد اشتملت هذه الأحاديث على أمور العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق، وحياة الفرد والأسرة والمجتمع والاقتصاد والأمان، فجاء اختيارها سداً لحاجات المجتمعات، وتلبية لما ينادي به العالم اليوم من تحديث الخطاب الديني، وأبشر المسلمين بأن هذا العمل العلمي الذي يخدم سنة المصطفى ويخدم أشرف سيرة في الوجود، هو أحد منابع الهداية التي تنادي إلى ترشيد الصحوة الإسلامية، لتنهض على أساس الوسطية والاعتدال، وهو أحد روافد الإصلاح التي تنهض بالأمة وشبابها، وتنافح عن كتاب الله تعالى وسنة رسوله».

مثال للإنسان الكامل
والمجموعة تحتوي على فصلين يعرض الأول منها سيرة المصطفى كاملة، بأسلوب جذاب، يجعل من حياة النبي نبراساً تتخذه الأجيال مثالاً للإنسان الكامل في مبادئه وسلوكه، كي يجد القارئ حلولاً كثيرة صائبة لما يعانيه من منغصات في حياته، ولما يعترضه من قضايا العصر، وذلك من منطلق وحدة النتائج إذا ما تشابهت الأسباب، فالتاريخ الإنساني زاخرٌ بما قدمه المسلمون الأوائل في خدمة المجتمع، مستلهمين ما وجههم إليه رسول الله من فعل وقول وتقرير، عملاً بما أرسته الآيات الكريمة من قواعد في كتاب الله المعجز ليوم الدين، كما أن الكتاب حوى على صور موثقة عن رسائل الرسول الكريم إلى ملوك وأمراء العالم.
ونستعرض من سيرته ومسيرته ونشأته بعضاً مما ذكره الكاتب في المجموعة ومنها:
رعيُ الغنم

رعى النبي محمد الغنم صغيراً، ونشأ على البساطة والفطرة، وصفاء حياة البادية، واكتسب فصاحة بني سعد، فكان يقول لأصحابه فيما بعد: «أنا أعربكم، أنا قرشي، واسترضعت في بني سعد بن بكر».
ثم رعى الغنم في صباه لأهله، وبعض أهل مكة، وعلى قراريط، وكان يفخر بذلك العمل، لأنه اعتمد في تحصيل رزقه على تعبه ومجهوده، من دون أن يحتاج إلى أحد، فكانت رعاية الغنم تكفيه، ولا تحيجه إلى غيره.
وكان فيما بعد يفخر ويقول: «ما بعث الله نبياً إلا وقد رعى الغنم»، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: «نعم، كنت أرعاها على قراريط (دراهم قليلة) لأهل مكة»، (يعني بأجر).
ورعي الغنم سنة من سنن الأنبياء في أوائل حياتهم، فما من نبي إلا وقد رعى الغنم، وقال النبي: «بعث موسى، وهو يرعى غنماً لأهله، وبعثتُ أنا، وأنا أرعى غنماً لأهلي بجياد» (مكان أسفل مكة).
وفي رعي الغنم انفراده بها في نهاره وبعض ليله، حيث السماء الصافية، والشمس المشرقة والهواء النقيّ، فهي تتيح له التأمل في الكون والطبيعة، وما فيهما من نبات وحيوان، ويصير التأمل ملكة من ملكات النفس.

تحقيق العلاقات المثلى
ويعرض الكتاب في فصله الثاني طاقةً لأكثر من 1500 حديث شريف أجمعت عليها الأمة في شتى شؤون الحياة، مكتفياً بذكر الراوي الصحابي الأوّل عن رسول الله وهي تغطي أغلب جوانب الحياة بما فيها العبادات والأذكار وفضائل الأعمال، وعلاقة الإنسان بربه، وبالمجتمع من حوله، لتحقيق العلاقات المثلى في المجتمع الإسلامي.
وتم استعراض 97 عنواناً رئيسياً تقليدياً، وقد أضيف لبعضها اسم عصري متعارف عليه، وتم وضع عنوان مختصر بجانب كل حديث، للدلالة على فكرته وسهولة الوصول إليه، كما تم وضع معنى لكل كلمة غريبة وردت في نص الحديث وبعده مباشرة ضمن قوسين، وتمت الإشارة إلى الكلمة المفتاحية من كل حديث، إضافة لتخريج كل حديث برموز صغيرة، كما وضعت الآيات القرآنية المجودة الداعمة للحديث الشريف المعنىّ.
ومن هذه الأحاديث: (استووا ولا تختلفوا): قال أبو مسعود الأنصاري: كان رسول الله يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا، فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنّهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم».
(باب الريان للصائمين): قال سهل بن سعد: إن رسول الله قال: «إن في الجنة باباً يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد».
(الله بارك لهم في مكيالهم): قال أنس بن مالك إن رسول الله قال: «اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم» (يعني أهل المدينة).
(ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به): قال أبو بكرة: رأيت رسول الله على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرّة، وعليه أخرى، ويقول: «إن ابني هذا سيّدٌ، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين».
حقيقة الإسلام

ويعرض الكتاب في ملحقه، ما قاله كبار العلماء في العالم عن النبي محمد وعن مستقبل الإسلام، وإن صدور هذا الكتاب بنسخته العربية والإنكليزية في ذات الوقت، هو تأكيد أهمية أن يطّلع العالم على حقيقة الإسلام ونبعه الصافي، وليكون هذا الكتاب موئلاً لأجيال تفخر بانتمائها للنبي صاحب الرسالة الخاتمة.
ونستعرض بعض ما قاله علماء العالم عن النبي محمد، ومنهم الفيلسوف الأميركي ويل ديورانت وهو مؤلف قصة الحضارة: «إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، قلنا: إنّ النبي محمد هو أعظم عظماء التاريخ».
المستشرق جون لوي ميشون (علي عبد الخالق) عالم سويسري ومترجم للقرآن قال: «إن الإسلام الذي أمر بالجهاد، قد تسامح مع أتباع الأديان الأخرى، وبفضل تعاليم النبي محمد لم يمس عمر بن الخطاب المسيحيين بسوء حين فتح القدس».
المهاتما غاندي في حديث لجريدة (ينج إنديا) قال: «أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك–من دون منازع- قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع أنّ السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف، وبعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول، وجدت نفسي آسفاً لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة».
وختاماً يذكر الكاتب أن وحدة أمتنا التي أرادها رب العالمين تتطلب المساهمة في رفع معاناة الجيل الضائع بين موروث مقدس شابه بعض التشويه والإفساد، وبين عزوفه عن الخوض في معرفة الحقيقة، فأبقى نفسه رهين جهله لعظمة نبيه المصطفى خاتم النبيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن