رياضة

روسيا: ميراث ثقيل للسوفييت والدب تاه في الدروب الصغيرة … الاستضافة مسؤولية أخرى والقارات تجربة مريرة

| خالد عرنوس

عاشت روسيا أزهى أيامها الكروية تحت كنف الاتحاد السوفييتي، أي بين الثورة البلشفية 1917 وتفكك الإمبراطورية المترامية الأطراف، وتعتبر روسيا وريثتها الشرعية بأشياء كثيرة وبينها كرة القدم ولابد عند الحديث عن واقع اللعبة من الكلام عن كامل تاريخ المنتخب الأحمر الذي ساد أوروبا حقبة ما، لكنه بقي في الظل عالمياً وهو الذي لم يظهر إلى العلن إلا عقب الحرب العالمية، علماً أن مشاركة روسيا الوحيدة قبل الحرب الأولى كانت في أولمبياد 1912، وعلى الرغم من أنها تعتبر القطب الآخر في العالم إلا أنها لم تنظم نهائيات المونديال من قبل وها هي تستعد لهذا الحدث، وأمام منتخبها مسؤولية كبيرة جداً لإظهار الوجه الحسن للرياضة الروسية التي تلطخت سمعتها مؤخراً بفضائح تعاطي المنشطات.

بداية معقولة وسيادة قارية
بداية المنتخب الروسي تعود إلى ما قبل الثورة البلشفية، فعام 1910 خاض مباراة مع بوهيميا، وفي 1912 شارك بأولمبياد استوكهولم، وخاض مباراة واحدة خسرها من فنلندا 1/2، وغاب بعدها لينضوي تحت لواء الاتحاد السوفييتي الذي ظهر ودياً عام 1924، ومع إطلالته الرسمية الأولى تحت راية الإمبراطورية بلغ ربع نهائي أولمبياد 1952 ويومها خسر بالإعادة أمام نظيره اليوغسلافي بعد تعادل تاريخي (5/5)، وفي النسخة التالية استطاع التتويج بالذهبية في ملبورن 1956، وبعد عامين كانت مشاركته الأولى بكأس العالم في السويد وهناك تجاوز الدور الأول على حساب الإنكليز بمباراة فاصلة، وفي ربع النهائي لم يصمد أمام أصحاب الأرض فخسر صفر/2.
في تشيلي 1962 كبرت أحلام الجيل الذهبي للدب السوفييتي الذي دخل البطولة كبطل للقارة العجوز، وبلغ الدور الثاني، ومرة أخرى كان أصحاب الأرض بالمرصاد ففازوا 2/1 بخطأ تاريخي للعنكبوت الأسود ياشين الذي تأثر يومها بالجماهير التشيلية فتلقى هدفاً غريباً كان سبب العودة إلى موسكو.

الحقبة الأفضل
على الرغم من خسارة اللقب الأوروبي أمام اللاروخا في إسبانيا 1964 إلا أن عقد الستينيات سجل الحضور الأقوى للدب الأحمر الذي استطاع بلوغ نصف نهائي المونديال الإنكليزي بعد صدارته للمجموعة الرابعة على حساب إيطاليا وتشيلي وكوريا الشمالية، وفي ربع النهائي تجاوز المجر ليصطدم بالمانشافت الألماني في نصف النهائي فكانت الخسارة 1/2 ليحل السوفييت رابعاً بعد الخسارة أمام البرتغال.
ولم تغب شمس السوفييت عن مونديال المكسيك لكنهم اكتفوا بربع النهائي أمام الأورغواي بعدما تراجعوا في البطولة الأوروبية 1968 إلى المركز الرابع، وبعد خوضهم نهائي البطولة التالية في بلجيكا 1972 والخسارة من المانشافت بشكل أقسى غابوا عن المونديال الألماني بعدما آثروا الانسحاب أمام تشيلي، وتكرر الغياب عن الأرجنتين 1978 بعد عامين على السقوط في ربع نهائي يورو 1976 للمرة الأولى في البطولة.

عودة ووداع
العودة للمونديال كانت عندما ارتفع عدد المشاركين إلى 24 عام 1982، وهناك في إسبانيا كان الخروج مجدداً من الدور الثاني (ربع النهائي) أمام بلجيكا وبولندا، وفي المكسيك 1986 كبرت التطلعات بعد طفرة دينامو كييف والمدرب لوبانوفسكي، وكذلك ما قدمه الفريق بالدور الأول ومنها فوزه الأعلى بالمونديال على المجر 6/صفر، إلا أن المغامرة توقفت أمام شياطين بلجيكا عقب التمديد 3/4، وجاءت المشاركة الأخيرة تحت راية المطرقة والمنجل في إيطاليا 1990 مخيبة بالخروج من الدور الأول لمصلحة الأرجنتين والكاميرون.
عقب البيروستريكا وسقوط جدار برلين تفكك الاتحاد السوفييتي لتصبح أكبر دوله (روسيا) الوريث الشرعي للإمبراطورية، وينطبق الوضع على كرة القدم، لكن ما حدث أن المنتخب الروسي بقي في الظل، فكان الخروج من الدور الأول لمونديالات 1994 و2002 و2014، وهي المرات التي نجح فيها الدب بتجاوز التصفيات، وخاض خلالها 9 مباريات خرج منها بفوزين أحدهما على الكاميرون بنتيجة 6/1 سجل منها هدافه سالينكو خماسية دخل بها التاريخ، وقد خسر الروسي الملحق أمام إيطاليا 1998 وسلوفيينا 2010 وحل ثالثاً في مجموعته بتصفيات 2006 وراء البرتغال وسلوفاكيا.

تراجع
في يورو 2008 حقق المنتخب الروسي أفضل إنجازاته في العقود الثلاثة الأخيرة، وقد خسر نصف النهائي أمام البطل الإسباني بثلاثية نظيفة، وقاده في تلك البطولة الهولندي غوس هيدينك كأول مدرب أجنبي لروسيا، ما جعل القائمين على شؤون الكرة هناك يكررون التجربة إلا أن مجيء الهولندي الآخر أدفوكات ثم الإيطالي كابيللو لم يحدث الصدمة الإيجابية، فكانت العودة إلى الجذور والاعتماد على المحلي، ولم يجدِ هذا الأمر حتى الآن، فكان الخروج من الدور الأول ليورو 2016 بقيادة المدرب ليونيد سلوتسكي، ليخلفه ستانسلاف شيرشيسوف الحارس الدولي السابق الذي مثل الاتحاد السوفييتي وروسيا وما بينهما منتخب رابطة الدول المستقلة الذي ناب عن السوفييت في يورو 1992، وقد انكشف الفريق مع المدرب الجديد في كأس القارات الأخيرة صيف العام الماضي عندما أخفق بالفوز إلا على نيوزيلندا، فخسر أمام البرتغال والمكسيك، والأهم من النتائج الرقمية أن الأداء لم يكن ليسمح لعشاق الكرة الروسية حتى الحلم بالمنافسة في المونديال مع التذكير أن بطولة كأس القارات أقيمت على أراضيه، أي أن الفريق لم يستفد من عاملي الأرض والجمهور، وبما أن المنتخب لم يدخل التصفيات فقد شكلت تلك البطولة معياراً حقيقياً لمستواه إلى جانب بعض الوديات التي لم يكن في أغلبها على ما يرام، فخلال 2017 خاض قرابة 10 مباريات لم يفز خلالها سوى مرة واحدة على حساب المجر التي لم تنافس على التأهل إلى المونديال.

التحدي الكبير
اللافت في المنتخب الروسي غياب الأسماء القادرة على صنع الفرق فلم يعد القائد يوري زيركوف ذلك اللاعب الكبير بعد تقدمه بالسن (34 عاماً) وهو العائد من تجربة احترافية إلى زينيت، وحتى الأسماء التي قدمت على أنها ستحمل على عاتقها نجاح المنتخب لم تقدم الكثير أمثال الكسندر بوخاروف وفيودور سوملوف والكسندر غلوفين، ومع ذلك فمازال هذا الثلاثي ضمن خطط المدرب، ومن اللاعبين الذين مازال يعول عليهم المخضرمون الآن دزاغوييف ودينيس غواشاكوف والكسندر ساميدوف والحارس إيغور أكنفييف الذي مازال الخيار الأول رغم أخطائه البارزة في يورو 2016 وكأس القارات، ولعل أبرز الأسماء إيغور شيرشيف لاعب فياريال الإسباني.
مهمة الروس ستكون صعبة جداً، ولعل الهم الأول سيكون تجاوز الدور الأول كيلا يكونوا ثاني المنظمين الذين يغادرون البطولة من هذا الدور بعد جنوب إفريقية 2010، أما مسألة السير بعيداً في البطولة فهي محل شك كبير إلا إذا؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن