ثقافة وفن

المرأة هي قضيتي في الحياة … معن الجمعة لـ«الوطن»: لسنا بحاجة إلى تشجيع.. نريد ألا يؤذينا أحد أو يوجه اتهامات قبل رؤية العمل

| سارة سلامة

من الحلم الذي راوده وهو في المرحلة الثانوية حيث انضم لفرقة «إشبيليا»، وهي فرقة مسرحية وكان شغوفاً بكل ما يحمله هذا العالم من فن، ولم يهتم معن مايز الجمعة يوماً لبلوغ مهنة والده في طب الأسنان، بل شق لنفسه طريقاً مدركاً تماماً ما يريد.
ولم تكن مشاركته في سينما الشباب من خلال الفيلم القصير «فاصلة» المحكوم بالمدة الزمنية لتلبي طموحه، بل كان يحضر لمشروعه في الفيلم الطويل الذي تجسد من خلال فيلم «زينة» أسمى ما يصبو إليه، وزينة هي الحبيبة السابقة والحب الحقيقي الذي عاشه يوماً ما، وما يزال وهم زينة باقياً في ذاكرة لا تقبل الخيانة، وهي بالنسبة له تمثل الأنثى بكل تفاصيلها وتحمل كل معالم الجمال وعندها فقط لا مكان للقبح، والقصة كما أرادها معن تمثل المرأة السورية بكل ما تحمله من جراح ولطمات وتعب أرهقته حرب لسنوات.
ولأنه يعتبر المرأة قضيته كانت زينة تشكل ملحمة في الصمود والتحدي فهي لم تبق خانعة خائفة في ظل ما تعرض له زوجها من إصابة وحصار بل ذهبت إليه تقف بجانبه تصمد بصموده وتنقلنا في الكاميرا التي اعتادت أن تصور بها وقائع حياتهما الزوجية إلى عوالم مختلفة، وهنا يكمن السحر في استرجاع ذكرياتهما من خلال كاميرة الفيديو، حيث لم يلتزم المخرج بعرض تراتبي وأحداث متتالية بل اعتمد طريقة الفلاش باك أو الخطف خلفاً، وعند امتلاء ذاكرة الكاميرة تلجأ زينة إلى مسح كل الذكريات باستثناء مشهد عيد ميلاد زوجها ممدوح، لما تحمله تلك الولادة من أهمية كبيرة وتشكل الفكرة الرئيسية في الفيلم.

فيلم «زينة» افتقد أي اهتمام إعلامي ولم يحمل افتتاحاً مبهراً ولكنه افتتح بهمة وطاقة شبانه وأدائهم الجميل وكان بدور ممدوح لجين إسماعيل وبدور زينة طالبة المعهد العالي للفنون المسرحية علياء سعيد، وإخراج وكتابة معن الجمعة، والسينوغراف هاني جبور، ومدير الإضاءة والتصوير حسن يونس، وكلمات الشاعر عروة حبيب، وغناء وعد زينو، حيث يعرض منذ السادس من الشهر الحالي في كل من صالتي كندي دمشق ودمر ومازال العرض مستمراً.
وبإمكانيات بسيطة وبلا دعم استطاع مبدعو هذا العمل لفت الأنظار من خلال تقديم سينما هي أقرب ما تكون حسب مخرجه إلى الموجة الجديدة الفرنسية وهي مدرسة سينمائية تكونت من مجموعة مخرجين شباب فرنسيين ابتعدوا فيها عن الديكورات والممثل البطل وقدموا سينما بأدوات بسيطة، وبنص هادف احتوى في كل مشهد على عبرة ولكن بطريقة غير مباشرة وبشكل ومضات لا تخلو من الحبكة المدروسة، ويترك نهاية مفتوحة لا تحمل حزناً أو فرحاً وربما فيها الكثير من الأمل البعيد بانتظار زينة.

فيلم «زينة» يحمل انطلاقتك في عالم الإخراج، متى حضرته؟
حين كنت أحضر للفيلم القصير الذي قدمته بعنوان «فاصلة» وبدعم من سينما الشباب، كنت في الوقت نفسه أحضر لـ«زينة» وهذا نوع من الجنون، أن أفكر بالفيلم الطويل منذ البداية، وكانت الفكرة الإخراجية هي من لمعت برأسي قبل المضمون الدرامي، والفكرة عبارة عن زوجين يقومان بتصوير بعضهما من خلال كاميرة فيديو، وهذا الحلم راودني من الداخل حيث كنت على يقين أن الفيلم القصير لن يحقق لي ما أصبو إليه، وفي «زينة» كنت واثقاً أنني سأقدم شيئاً ما، وبدأ العمل يتوسع مع الأشخاص مثل هاني جبور وحسن يونس، وتعاونت أيضاً مع مدير مدرسة الفن المسرحي الدكتور سمير عثمان الذي أعجب بالنص كثيراً وشجعني وأعطاني دفعاً قوياً.

من زينة؟
زينة هي فتاة أحببتها قبل 13 عاماً لها اسمان إيفا الذي في الهوية الشخصية وفي بيتها يدعونها زينة لرغبة جدتها بذلك، وأحببنا بعضنا ما يقارب 3 سنوات، إلى أن افترقنا ولكني كنت قد رفعتها بقلبي وعقلي كثيراً من دون أي محاولات للرجوع، وزينة بالنسبة لي هي كل ما تحمله الأنثى من جمال، وكل ما هو قبيح خارجها.
وبشكل عام اعتبر أن المرأة هي قضيتي في الحياة وإيفا ثبتت هذه القضية برأسي أكثر وأكثر، وأصبحت بالنسبة لي وهماً أكثر من كونها شخصاً موجوداً في الواقع، وما زال وهم هذه الإنسانة يلاحقني ويوجد معي ولا بد لفيلمي أن يحتوي على الأنثى ومعاناة المرأة في المجتمع، ووجود زينة في الفيلم كان من خلال الاسم فقط والقصة هي من نسج الخيال.
وبرأيي أننا في هذه المرحلة علينا تبني أي شيء جديد وتبني الجديد غالباً ما يدفعنا نحو التطور، وفي الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى تشجيع ولكننا نريد ألا يؤذينا أحد أو يوجه اتهامات قبل رؤية العمل.

استغرق الفيلم ثلاثة أيام ألا يعتبر وقتاً قياسياً، وما المبرر في استخدام الكاميرا؟
لأننا ملتزمون مادياً ولا نستطيع أن نزيد على ذلك ساعة واحدة، وخاصة أن الفيلم مأخوذ من كاميرا البطلة وقبل كل مشهد تشغل الكاميرا، وهنا يكمن السحر في الموضوع، والمبرر الذي دفعنا لفتح الكاميرا هو اتباع أسلوب الفلاش باك أو الخطف خلفاً، والخطورة هنا بين بداية المشهد الذي يكون فيه الزوجان في حصار وكيف نعود من خلال تسجيلات الكاميرا بالزمن لينطبق مع ما يحدث الآن إذاً هي سلاسل وإيديولوجيات سينمائية وبصرية إشكالية.

من كان الداعم لكم؟
لا أحد وكنت قد طلبت دعم وزارة السياحة ولكن لم أحصل عليه ولا أنكر فضل المؤسسة العامة للسينما التي دعمتني ورفعت ربحي في البطاقة.
لماذا فضلت النهاية الحزينة؟
تركت النهاية مفتوحة لأن قصة زينة تشكل ملحمة، لم أختم بموت البطل بل يدخل بحالة من الكوما.

ما أبرز الانتقادات التي واجهتكم؟
كنقد احترافي لم نتعرض إلى الآن لأحد ولكن هناك من تحدث بشكل إيجابي وتحديداً من المحترفين.

ما رسالتك من هذا الفيلم؟
هي رسالة سينمائية وطنية أكثر مما تحمله رسالة الفيلم لنقول إننا قادرون على تقديم سينما من دون أن تكون ضخمة، وكذلك فإن الفيلم عكس الواقع ولم ينفصل عنه.

هل خفت أن تحمل تلك المشاهد الصامتة نوعاً من الملل لدى المتلقي؟
الفيلم قد يتهم بلحظة من اللحظات بهذا الاتهام ولكن في الجهة المقابلة هناك مشهد عبارة عن 4 ثوان وهو مشهد مكتمل، ومثلما تقبلنا هذا المشهد الصغير علينا تقبل المشهد الآخر ونملّ ويمر المشهد.

هل يجب علينا تقبل الملل؟
مدة الفيلم 62 دقيقة وهذا لا يعني أن يكون الفيلم كله مملاً ولكن بمرحلة من المراحل إذا شعر المتلقي بقليل من الملل البصري فهذه ليست مشكلة، وما يهمني إيصال هدفي بشكل صحيح، ولم أخف الملل لأنني كنت واثقاً من تنوع واختلاف التفاصيل والمكان في المشهد الأمر الذي لا يستدعي الملل.

تقوم زينة بحذف كل الذكريات من الكاميرا باستثناء عيد ميلاد زوجها، لماذا؟
مشهد عيد الميلاد يشكل الولادة الحقيقية لممدوح فكان من الصعب أن تحذفه حتى لو حذفت كل ما سبقه من الذكريات، والفيلم قائم على هذه الفكرة وهي بالنهاية تنتصر ونجدها تجد حلاً.
تحدث لنا عن الصرخة التي أطلقتها وعتبك على وسائل الإعلام؟
ربما وجهت كلمة عتب لأننا كشباب نقوم بأدوات بسيطة وابتكار قضايا نحن بأمس الحاجة لها في ظل ما نتعرض له، ونقوم بخطوات جميلة لها وقعها وأثرها في المجتمع، فمن واجب الإعلام تسليط الضوء علينا من وسائله المتعددة.

لكنك لم تقم بافتتاح ولم تدعُ وسائل الإعلام لتكون شريكاً معك في صنع النجاح؟
بالفعل لم أقم بذلك لأن هذا الموضوع يكلفني كثيراً وبإمكاناتي المتواضعة عملت الفيلم، بلا منتج أو معلن وكان من إنتاجي الخاص، وفي الحقيقة لم أعتن كثيراً بوجود وسائل الإعلام.
كما أن المؤسسة العامة للسينما عاملتني على أنني منتج خاص وقدمت لي صالاتها للعرض وحاصصتني على أثمان البطاقات، وغياب المعلن وهروب الجميع وخوفهم من فكرة التعامل مع تجربة جديدة غير مضمونة النتائج قبل أن يتحدثوا إلينا شكل واقعاً صعباً وتحدياً كبيراً في إثبات أنفسنا بما نملكه من إمكانيات.
وتجربة جميلة تأسيس سينما مستقلة في سورية وهي لا تعني فقط السينما المستقلة مادياً وليس بالضرورة إذا قدمنا مالاً وعملنا فيلماً هو مستقل، السينما المستقلة تكون حتى في الشكل الإخراجي وشكل البلد وتقديم شيء غريب ومختلف، وهناك تجارب تسمى السينما التجريبية وهي مدرسة مهمة جداً وتبتعد عن التجريب بالمعنى العشوائي.

هل تستطيع أن تخفي اليوم أهمية الإعلام والإعلان؟
بكل تأكيد له أهميته ولكن الظروف المادية في العمل هي التي فرضت ذلك.

هل لبى الحضور مطالبكم؟
إذا فكرنا بالشق المادي الذي له علاقة بالديون والمراحل القادمة من التسويق فهو بالتأكيد لم يلب متطلباتنا، ولكن كل من حضر سعدنا به بكل تأكيد والرضا الذي رأيته من الناس وحتى الغرباء وسلامهم الحار قدم لي الكثير من المعنويات.
ومن الناس الذين كبرت بهم وشجعني قلمهم وفخرت بتشجيعهم ودعمهم الدكتور سعد القاسم الذي كتب كل ما أراه وأشعر به وحتى أهدافي من الفيلم، وذكر في مقالته فكرة مهمة وهي أن فيلم «زينة» يذكرنا بالحقبة الواقعية وتحديداً الإيطالية وهذا شيء جميل لأن السينما الواقعية تعني لي كثيراً، وبرأيي أن الفيلم كان أقرب للموجة الجديدة الفرنسية وهي مدرسة سينمائية تكونت من مجموعة مخرجين شباب فرنسيين عملوا عدة أفلام تبتعد تماماً عن الديكورات والممثل البطل المشهور واعتمدوا أشخاصاً جدداً وعملوا أفلاماً بسيطة جداً وسموها الموجة الجديدة.

كيف كان العرض الأول مع الجمهور وهل كنت خائفاً؟
كان لدي خوف من شخصين هما سيف حامد وجوان خضر لأنهما من أصدقائي المقربين جداً ولديّ ثقة برأيهما السينمائي وخفت من رأيهما وفي يوم الافتتاح وعند نهاية العرض ضمني كل من سيف وجوان وباركا لي نجاح العمل.

تحدث لي عن نجاح أغنية «منتوري»، وأهمية وجودها؟
فيلم لزوجين باعتقادي من الضروري أن يحتوي على لحظات عصبية وحنية ورقص وانفعالات، ونحن قدمنا زوجين مكتملين ولم أحصر المتفرج بمشاهد الحصار الذي عاشاه وأن يكون الهم الشاغل هو تحرير الجيش السوري لهما، بل قدمت زوجين يعيشان حالة من الحب والوله وهذا ما أعطى الفيلم طاقة مفعمة بالحب، الأمر الذي جعل من زينة تغني لزوجها في أحد المشاهد.
الكلمات كتبها ابن خالتي الشاعر عروة حبيب، وغناها الشاب وعد زينو وهو شاب من مدينة السلمية.

هل أنت مع الجرأة في الطرح؟
فيلمي عن الحرب ولكنه لا يحمل رصاصة واضحة خرجت من سلاح، وحتى موضوع التعفيش ومواضيع أخرى تطرقت لها بأسلوب وبومضات بسيطة وليس بشكل مباشر، وساعدنا في ذلك الحوار لأنه مدروس جداً ومنحوت وهادف.

طموحاتك ومتطلباتك؟
طموحاتي أن يصبح لدي إنتاج لأفلامي وأن أقدم سينما قدر المستطاع، وطلباتي أن أكون مرتاحاً في تقديمها.

ما جديدك وهل مشروعك القادم أيضاً عن المرأة؟
مشروعي الجديد هو فيلم «إيفا» لأننا لا نستطيع التحدث عن المرأة في فيلم واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن