ثقافة وفن

القدر اختارني لأكون مطرباً … خلدون حناوي لـ«الوطن»: متى يكون هناك اهتمام بالمطرب كما هو الاهتمام بالممثل؟

عامر فؤاد عامر :

أحد أهمّ الأصوات السوريّة التي تحمل سحراً وتأثيراً على كلّ من يسمعها، شارك في أهمّ المهرجانات العربيّة والدوليّة كقرطاج، وجرش، والمحبّة والسلام، وغيرها، نال الجائزة الذهبيّة في مهرجان الدار البيضاء للأغنيّة العربيّة، عن أفضل أغنية «نداء الشروق» عام 2010 وليحصد الجائزة الكبرى في مهرجان الأغنية العربيّة في الإسكندرية، كأفضل صوت عربي في العام نفسه وأغنية «لا تكبري»، وهو عضو في فرقة (شيوخ وسلاطين الطرب) وعضو في أوركسترا «طرب» بقيادة المايسترو «ماجد سراي الدين» ولديه العديد من الأغاني الخاصّة، والمصوّرة، وأرشيف كبير، وغني، من الحفلات، والمشاركات الفنيّة محليّاً وعربيّاً، وشهادات من كبار مطربي الوطن العربي كـ«صباح فخري» و«ميادة الحناوي»، و«أمين خياط»، وغيرهم، واليوم في حديث خاصّ لـ«الوطن» يبوح الفنان «خلدون حناوي» لمحبّيه بتفاصيل عن حياته، وعن خطواته الجديدة، وأوجاعه في مسيرته الفنيّة، فكان هذا الحوار.

قدر المهنة
بين اختيار الشخص للمهنة واختيار القدر المهنة للشخص فارق كبير، فأين الفنان «خلدون حناوي» من هذه المعادلة، والإجابة التالية ستوضّح مدى انطباق هذه المعادلة في حياته وأيّ طرفيها هو المنطبق عليه: «أعتقد أن القدر هو من اختارني لهذه المهنة، فمنذ صغري كان لدي رغبة المشاركة في مسابقات الغناء على مستوى الصف والمدرسة، والتي جاءت بسبب تأثّري بوالديّ اللذين كانا متابعين للأفلام العربيّة القديمة، وهذا الأمر جعلني أنسجم كثيراً مع الأصوات الغنائيّة التي كانت تبثها هذه الأفلام، فتعلّمت منها، ولاسيّما أنّ والدتي كانت تردد في البيت هذه الأغاني، وهي تمتلك صوتاً جميلاً، فتأثّرت بها، وهذا الشيء منحني قوّة وتشجيعاً نما داخلي لأكون فيما بعد أحد مشاركي البرنامج المعروف «طريق النجوم» عام 1990 فشاركت فيه، ونلت المركز الأوّل على الهواة، وهنا حافظت على موهبتي طوال تلك السنوات، وبالتالي القدر هو من ساقني لأصل إلى توافق مع هذه المهنة كمطرب استمر إلى يومنا هذا».

البيئة بين الماضي والحاضر
تؤثر البيئة في نشوء الفنان، وتكوينه، وطريقة التعبير عن فنّه، ولـ«خلدون الحناوي» نشوء في بيئة أصيلة وانتقال إلى بيئة عريقة والكثير من التجارب داخل وخارج سورية، وعن هذه النقطة كانت تعليقاته: «لدي عقليّة شرقيّة ما زالت موجودة لدي، فأنا شديد الحرص على أسراري الشخصيّة، وهذا الموضوع أعزوه لمدى تأثري بالبيئة التي نشأت فيها، ومدينة إدلب – التي ولدت فيها – بالتحديد لديها خصوصيّة مختلفة عن غيرها من المدن، فهي لا تحمل معالم المدينة الصاخبة، وفيها حالة من الهدوء، والطبيعيّة، وهذه البيئة منحتني طيبة مختلفة عن أبناء المدينة الصاخبة أو الضاجّة بالعمل، والسهر، والحركة التي لا تنتهي، أمّا عن تأثير البيئة في الصوت، فالاعتقاد السائد أن منطقة حلب وإدلب يمتاز أهلها بالأصوات القويّة الجميلة التي تؤدي أصعب أنواع القدود، هو اعتقاد حقيقي، فهذه المنطقة فيها المزيد من الأصوات النادرة، ولربما السبب هو زيت الزيتون الذي يدخل عنصراً حقيقيّاً في غذاء كلّ أسرة تقطن في هذه المنطقة، إضافة لنظافة الهواء ونقاء الجو اللذين يؤثران في صفاء الحياة وبساطتها، أمّا بعد انتقالي للعيش في مدينة دمشق فيبدو أن عشقاً خفيّاً نما داخلي، وكان بين حبّي للغناء الطربي الأصيل، وجمال المدينة القديمة، فكان هناك توافق صادق بين هذين الأمرين وحافظت على هذه الذكرى إلى اليوم».

مزيد من التجارب
بعد تجارب متعددة بُنيت الشخصيّة الفنيّة لـ«خلدون حناوي» فلديه مسيرة شاقة بين عدد كبير من المشاركات الفنيّة في مهرجانات محليّة وعربيّة، ومسابقات داخليّة وعربيّة، وحفلات طربيّة، وتسجيلات إذاعيّة، وبرامج تلفزيونية حل ضيفاً عليها، ولقاءات مصوّرة، وغيرها الكثير من التجارب، وعن هذه الرحلة الطويلة يقول: «أعتقد أن الذي منحني مساحتي كحالة فنيّة، وبنى لي مساراً واضحاً في الحياة الفنيّة، هو المسابقات التي شاركت فيها، وحصدت من خلالها أرفع الجوائز في الغناء على مستوى الوطن العربي، فكانت مشاركتي في مهرجانات غنائيّة كبيرة في المغرب ومصر ونلت فيها الجائزة الأولى والمركز الأوّل، بالتالي هذا حمّلني مسؤوليّة حافظت داخليّاً عليها بحبّ، فكان لي مشاركات في مهرجانات دوليّة في معظم البلدان العربيّة، إضافة إلى شهادة الكبار بي التي أعتز فيها كشهادة الفنانة القديرة «ميادة حناوي» والفنان «أمين خيّاط»، و«عثمان حناوي»، ومما أعتز به أيضاً إحرازي الميداليّة الذهبيّة من «رتيبة الحفني» وبرنامجها هذه ليلتي في العام 2003، إضافة لشهادة الكثير من الكبار في عالم الفنّ والغناء، في عام 2003 التزمت بعقد احتكاري مع شركة إنتاج، قدّمت لي ألبوماً واحداً خلال 7 سنوات فقط، إضافة للمشاركة الدوريّة في حفلات دار الأوبرا السوريّة مع أوركسترا «طرب» بقيادة المايسترو «ماجد سراي الدّين»، كلّ ذلك زادني ثقة، وقوّة، ورغبة كبيرة في المحافظة على خطّي، والتطلع لتقديم الأفضل فيه».

إعلام وظيفي وإعلام يتحكم
للإعلام دور رئيس في ترويج الفنان ووصوله لقلوب مستمعيه، ولكن للإعلام المحلي نمطيّة خاصّة في بلدنا جعلت من الفنان السوري يحمل عبئاً ومسؤوليّة كبيرة، وهذا ما سنلمسه في عتب الفنان «خلدون حناوي» الآتي: «أتمنى ألا يكتفي الإعلام الوطني بذكر عبارة فوز خلدون حناوي بجائزة كذا وكذا على شريط الأخبار أسفل الشاشة، وألا تكون وظيفة يؤديها وفقط، فهناك تقصير واضح في التعامل مع المادّة الإعلاميّة الفنيّة، بالتالي يحفزنا هذا الأسلوب المُتّبع بأن نلجأ أنا وغيري من الفنانين للبحث عن أنفسنا من جديد في برامج خارج حدود الوطن، لنتعرض للكثير من الشروط التي لا تخطر على البال، ومؤخراً قدّمت نفسي كهاو لبرنامج أحلى صوت المعروف «the voice» وفي الحقيقة تمّ قبولي، وتجاوزت الامتحان بنجاح، وانتظرت خبراً منهم لتصوير مرحلة جديدة من البرنامج، إلا أن قراراً جديداً من إدارة المحطة «MBC» يصدر بحقيّ كسوري مقيم على الأرض السوريّة بالرفض في المشاركة، وهذا ما حصل مع كلّ السوريين المقبولين في البرنامج كمشاركين، والشرط هو أن تكون سورياً مقيماً خارج البلد وليس داخل البلد! وسؤالي هنا لو أن إعلامنا فعّال ويحتل مكانته عربيّاً فهل كنّا سنتعرض لمثل هذا الموقف؟ بالتأكيد لا، ولذلك ألوم وأعتب على إعلامنا، فالفنان السوري اليوم يتعرض لمواقف يواجهها في الخارج ويقف مكتوف الأيدي لا وسيلة له للردّ، وفي الوقت نفسه لا يمكن للإمكانيّات داخل بلده أن تحتويه، فالمعادلة صعبة جداً وفي كلا الحالين هناك معاناة للأسف». أمّا عن جديده للمرحلة القادمة فقد عرفنا بخبر مشاركة جديدة للفنان خلدون حناوي من خلال برنامج جديد يشرف عليه الفنان «محمد عبدو» الذي حرص على انتقال الأصوات الجميلة من كلّ أنحاء الوطن العربي من دون مواقف سياسيّة وخلفيّات مسبّقة، وتجري ترتيبات هذا البرنامج الذي لم يعلن عنه بعد بصورة واضحة.

مئات الأغاني
في تجربة الأغاني والرصيد المتراكم كان لنا تعريج على هذا الموضوع، فيقول «خلدون حناوي» إن رصيده أصبح كبيراً لدرجة أنه لا يعرف العدد الذي وصل إليه: «لقد أخذت ألحاناً من أهمّ مطربي الوطن العربي، لكن بسبب تقصير شركة الإنتاج في عملها لم تتمّ الخطوات التي كنت أسعى إليها، فقد أخذت ألحاناً من «صلاح الشرنوبي»، و«نور الملاح»، و«شاكر الموجي»، و«مازن الأيّوبي»، وغيرهم الكثير، ولكن شركة الإنتاج إن لم تتبنَّ عملها بطريقة صحيحة لتصل بالفنان الذي تعمل معه نحو الهدف الحقيقي، فلن يكون هناك أدنى نجاح، حتى لو امتلك ألحان عبد الوهاب بعينه، فكانت الحصيلة النهائيّة وعبر سبع سنوات ألبوماً غنائيّاً يتيماً، مؤلفاً من 8 أغان، و3 أغان مفردة فقط، وفي رصيدي أيضاً بعيداً عن شركة الإنتاج، والموجود في أرشيف الإذاعة والتلفزيون المئات من الأغاني، فعلى مدار السنوات السابقة تراكمت الأغنيات، وهناك عدد كبير من الأغاني، التي نسيت قسماً منها اليوم بسبب أن نظام تسجيل الأغاني هذا لديه نمطيّة خاصّة، وهو بمعنى أنّنا كمطربين سوريين نذهب بصورة دوريّة لتسجيل أغنية جديدة بين كلّ فترة وأخرى، فيضعونها في الأرشيف، ونرحل، ولا يعاد بثّها، أو من الممكن بثّها مرّة أو اثنتين، وتنسى وتهمل مع مرور الوقت، وهكذا». أمّا عن الأغنية الوطنية الخاصّة به كفنان فيضيف: «لدي مجموعة من الأغاني الوطنيّة، وأغلبها من ألحان الأستاذ «أمين خيّاط» ومن كلمات «عصام جنيد» وغيرها جاء من ألحان «يوسف العلي»، وفي كلّ حفلاتي أغني هذه الأغنيات التي أرى تأثيرها مباشرة في المتلقي، فقد أحبّها الناس وتأثروا بها، وهذا اللون يحبّه الجمهور ويتحمس له كثيراً، لأنه بالأساس مبنيّ على محبّة الوطن، وعموماً أنا شخصيّاً لا أحبّ التملق، ولا المزايدة، وأحبّ الكلمات التي تلامس الروح، وتحاكي الوطن، وسورية بالتحديد».

إلى أين؟
بعد سنوات وسنوات من التعب والسعي هل من الممكن للفنان «خلدون حناوي» أن يقف صامتاً أم سيبقى لديه رغبة وأمل في البحث عن نفسه لإيجاد فرصة تستحق تكريمه وانتشاره، وحول هذه الفكرة كان ختام حوارنا معه: «اليوم أصبحت على عتبة الخوف، فهناك سنوات من العمر مرّت، وأنا في معمعة العمل، والبحث عن فرصة حقيقيّة، فالخوف هو من الدخول في سنوات جديدة لن تحمل أكثر من سابقتها، وعلى الرغم من ذلك؛ فأنا ما زلت أسعى متأمّلاً الخير، لكن التبنّي الفني لدينا غير موجود محليّاً، وهذا الهمّ هو ما يشغل كلّ الفنانين السوريين، وأتمنى أن يكون هناك اهتمام أكثر بالفنان السوري المطرب، كما الاهتمام بالفنان الممثل، وبالدراما السوريّة، فلدينا أصوات مهمّة ونفخر بها عالميّاً وتستحق أن يلقى الضوء عليها بما يليق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن