الصفحة الأخيرة

بين الجامع والجامعة

| حسن م. يوسف

علمني أستاذ علم نفس الصحافة، في المعهد العالمي لتدريب الصحفيين في بودابست، أن الصحفي ليس مسؤولا فقط عن صحة المعلومة التي يوردها في مقاله، بل هو مسؤول أيضاً عن أثر تلك المعلومة في المجتمع. لهذا امتنعت، قبل سنوات، عن فضح طبيب فاسد، أخبرتني (العصفورة) أنه كان يرسل كل مرضاه لإجراء صور بالمرنان لقاء عمولة من المِخْبَر. يومها لم أكتب عن تلك القضية إذ خشيت أن يقرأ المرضى مقالي، فيفقدوا ثقتهم بكل طبيب يصف لهم صورة مرنان، ما قد يؤدي لموتهم أو تفاقم أوضاعهم. لهذا عالجت القضية بطريقة لا علاقة لها بالصحافة، إذ سربت لذلك الطبيب أن شراكته مع (المرنان) قد باتت مكشوفة للصحافة، وأن استمرارها من شأنه أن يفجر فضيحة تؤدي لمنعه من ممارسة المهنة، وقد قالت لي (العصفورة) أن ذلك الطبيب اهتدى لجادة الصواب، وكف عن السمسرة!
انطلاقاً من هذا الشعور بالمسؤولية، تجنبت خلال هذه الحرب الإجرامية أن أثير بعض القضايا الساخنة، ما جعل أحد زوار صفحتي على الفيسبوك يصفني قبل أيام بأنني (مع السرب)، لأن جميع ألسنة حالي، على حد قوله « ليس لها علاقة بأهم القضايا التي تحدث في سورية، وهنا لا أعني الحرب». بعد ذلك يبدي ذلك الزائر استغرابه الشديد لأنني لم أتحدث… «عن المشكلة التي أثارها وزير الأوقاف». أي تقديم النقل على العقل. ثم يقول: «لو كنت صاحب رصيد تاريخي أدبي (مثلك) لما وفرت جهداً. لأعلن الحرب على… إلخ».
لذلك الأخ ولأمثاله من ذوي الرؤوس الحامية أقول: إن الحكمة القصوى والأولوية العليا لي كمواطن سوري، هي السلم الاجتماعي. صحيح أن جل المتطرفين والإرهابيين جاؤوا من خلفيات اجتماعية متدينة، لكن بعضهم جاؤوا من أديان أخرى أيضاً، ومحاربة التطرف أمر مشروع، لكن محاربة التدين هو ضرب من الحماقة قد تصل إلى مستوى الانتحار، نعم أنا أختلف مع السيد وزير الأوقاف فيما ذهب إليه، لكن ما يعنيني، هو أن الرجل لا يحمل بندقية ولا يقصف عاصمة بلادي بالهاون والقذائف الصاروخية، ولهذا أنظر إليه كحليف، أختلف معه ولا أخاصمه! وهذا يجب ألا يمنعني من مناقشة طروحاته وتبيان تناقضاتها ونقاط ضعفها.
نعم لا يقلقني وزير الأوقاف عندما يفضل النقل على العقل، فهذا شأنه، بل يقلقني السيد مدير المدينة الجامعية في حلب الذي صدق المزحة التي أطلقها الزميل الكاتب سامر محمد إسماعيل بأنه: «أخيراً تم حل الخلاف بين الجامع والجامعة، فتمت إزالة التاء المربوطة من الأخيرة!» لذا راح يتصرف كما لو أنه إمام جامع لا مدير مدينة جامعية. فلمناسبة شهر رمضان الكريم قرر السيد المدير إغلاق الوحدات السكنية قبل ساعة من موعد إغلاقها المعتاد، وأوعز لرعاياه من الطلبة «التزام آداب الشهر الفضيل ولا سيما عدم الأكل والشرب في الحدائق والشوارع قبل الإفطار، وعدم ارتداء الملابس غير المناسبة والخلوات غير المقبولة. آملين عدم ضبط أحد مخالفاً لمضمونه، كي لا نضطر آسفين لتطبيق النظام والقانون عليه».
المشكلة في هذا الإعلان تبدأ من ترويسته؛ (الأبناء الطلبة)، فالسيد مدير المدينة الجامعية يضع نفسه من خلال هذه الترويسة في مكانة الأب بالنسبة لجميع الطالبات والطلبة. وبناء على ما سبق يعطي نفسه حق الوصاية عليهم، وتحديد ما هو مسموح وما هو ممنوع بالنسبة لهم. علماً أن جل نزلاء المدينة الجامعية هم ممن بلغوا سن الرشد، ويحق لهم ويجب عليهم، بحكم القانون، أن يمارسوا كامل حقوق وواجبات المواطنة!
لست أريد من وزير الأوقاف أن يتحدث مثل طلاب الجامعة، لكنني أستهجن وأستنكر بشدة أن يتصرف مدير المدينة الجامعية في حلب، التي تضم كل ألوان الطيف السوري، كما لو أنه وزير أوقاف، أو إمام جامع!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن