قضايا وآراء

أحلام «المنطقة الآمنة» تتحطم

صباج عزام :

من المعروف أن تركيا كانت منذ بداية الأزمة في سورية متحمسة لإنشاء ما تسميه «مناطق عازلة» أو «مناطق حظر للطيران السوري»، ولكنها فشلت مراراً في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، وعلى أثر ذلك توترت علاقاتها مع واشنطن التي أوضحت أكثر من مرة، أنها غير معنية بإنشاء مثل هذه المنطقة التي تحتاج إلى حماية جوية أميركية على مدار الساعة، الأمر الذي يعني أيضاً، تعميق الانخراط الأميركي المباشر في الأزمة السورية بدلاً من استمرار المراهنة على وكلائها المحليين من المجموعات الإرهابية المسلحة وحلفائها من دول الخليج وخاصة السعودية وقطر اللتين تتكفلان بتمويل هذه المجموعات.
لقد سارعت تركيا مؤخراً إلى الإعلان بأنها توصلت إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لإقامة منطقة خالية من قوات داعش في الشمال السوري، مطلقة العنان لتفسيراتها بأن هذا الأمر يشكل انتصاراً لسياستها المطالبة بإنشاء مناطق حظر للطيران السوري هناك. وذهب وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» إلى تفسير الاتفاق الثنائي الأميركي التركي إلى حد الزعم بأنه «بعد تطهير المنطقة من قوات داعش ستفرض المناطق الآمنة تلقائياً»، بدوره أشار أردوغان إلى التزام بلاده بضمان أمن تلك المناطق من دون الخوض في التفاصيل.
بالمقابل، التصريحات الأميركية حول هذا الاتفاق لم تذهب أبعد من حشد دعم تركيا لملاحقة قوات داعش انطلاقاً من قاعدة (أنجرليك التركية)، بل أشار عدد من المسؤولين الأميركيين إلى (عدم تطابق) وجهات النظر بين الطرفين، ولاسيما لجهة عدم ارتياح أوباما للغارات الجوية التركية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني.
وهكذا يمكن القول إن أردوغان وضع بلاده في أزمة من خلال مساعيه لإسقاط الدولة السورية، ومن خلال تعامله مع الأكراد، وبالتالي هذا ما دفعه إلى تقديم تنازلت للجانب الأميركي أهمها: التخلي عن شرط عدم السماح لواشنطن باستخدام قاعدة أنجرليك وقواعد وإنشاءات عسكرية أخرى على أراضيها، ذلك أن انخراط تركيا كطرف رئيسي في الحرب الإرهابية على سورية أتاح الفرصة لبعض أكراد سورية للمطالبة بصلاحيات حكم ذاتي، مع تأكيدهم بأن هذا ليس استقلالاً أو انفصالاً عن سورية؛ هذا الأمر انعكس على الأكراد في الطرف الآخر من الحدود داخل تركيا، وشكل مصدر قلق متواصل لأنقرة، كما وفر هذا الانخراط الفرصة لداعش لإقامة وجود مادي ملموس لها على أراضٍ في سورية والعراق يعتبره أردوغان مصدر تهديد لبلاده، هذه هي نتائج السياسات الملتوية والقرارات الخاطئة لأردوغان.
لقد تجاهل أردوغان العلاقة المتينة التي تربط الولايات المتحدة بإقليم كردستان في مجالات متعددة، إذ إن واشنطن تعتبر هذا الإقليم قوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها وتوظيفها في عدة اتجاهات، كما تجاهل فشل واشنطن وحلفائها في تسويق المعارضة السورية المعتدلة (كما يسمونها)، الأمر الذي حفز الإدارة الأميركية إلى اللجوء إلى بدائل أخرى، أبرزها التشكيلات الكردية غير المناهضة لسياستها.
وهكذا يتضح لكل من يراقب الموقف التركي الحالي أن لواشنطن اليد العليا في علاقة البلدين، نظراً لما تمتلكه واشنطن من أوراق ضغط فعالة ضد تركيا، الأمر الذي يعزز مصداقية تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي تقول بعدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع أنقرة، وبقاء عدد من المسائل قيد البحث والمناقشة لأنه لم يتم الاتفاق عليها، كذلك يمكن القول: إن التصريحات التي أطلقها بعض المسؤولين الأميركيين والتي شددت على ما سموه «حق تركيا بالدفاع عن النفس» ضد هجمات حزب العمال الكردستاني توحي بإصرار واشنطن على تقييد حرية تركيا حول التعرض للأكراد داخل تركيا أو في سورية، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك بتحذير حزب العدالة والتنمية من الإقدام على إجراء انتخابات مبكرة ترمي إلى الحد من نفوذ الأكراد في البرلمان التركي واعتبار مثل هذا الإجراء عنصراً مفجراً لقواعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالخطوط الأولية.
باختصار شديد، تركيا لم تحقق هدفها القديم – الجديد بإقامة منطقة عازلة أو منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي على الطيران السوري، وأن أردوغان وضع نفسه وبلاده في مأزق واضح، وينطبق عليه المثل القائل بأنه «جلب الدب إلى كرمه».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن