اقتصاد

التشاركية وإعادة الإعمار.. مستقبل غامض

| د. رشا سيروب

أعاد حجم الدمار الكبير الذي تعرضت له سورية في البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية المختلفة وتدهور الإيرادات العامة وتدني مستوى الخدمات العامة، إلى الواجهة ما كان يتم طرحه منذ عام 2009، لكن بزخم أكبر ومبررات قد تكون مقبولة الآن، بضرورة الاستثمار في البنى التحتية من خلال التشاركية باعتبار القطاع الخاص خياراً تمويلياً رديفاً للتمويل الحكومي ومصدر تمويل إضافياً لسد الفجوة التمويلية لتغطية الحاجات الاستثمارية.
للعلم بالشيء، صدر قانون التشاركية عام 2016 وتعليماته التنفيذية عام 2017، والذي تم بموجبه تحديد خطوات وآليات التعاقد في تقديم الخدمات العامة على أساس تشاركي، ورغم إحداث مجلس للتشاركية بهدف ضبط وتنسيق مشاريع التشاركية، إلا أنه اقتصر الحديث عن طرح مشروعات التشاركية وفقاً لتوجهات كل وزارة دون الاستناد إلى السياسات والإجراءات المتضمنة الأولويات القطاعية الصادرة من المجلس، وتركزت معظم الطروحات في إطار القطاع الإنتاجي الصناعي والزراعي وصيغ التعاقد في أبسط أشكالها، والتي لا تخدم الغرض الحقيقي- الذي من أجله نشأت التشاركية ومن أجله صدر قانون التشاركية وتعليماته التنفيذية- وهو الاستثمار في البنية التحتية وتقديم الخدمات العامة وخاصة في مرحلة إعادة البناء والإعمار.
تعدّ التشاركية أحد الحلول والخيارات التي تعطي امتيازاً للقطاع الخاص في المساعدة في بناء البنية التحتية والمرافق العامة وتسهيل الوصول إلى الخدمات وتوفيرها بجودة عالية؛ لذلك، فإن الكثير من الأمل يُعقد على التشاركية للمساعدة في حشد الموارد المالية لسد الفجوة التمويلية في مرحلة إعادة الإعمار، وبمقارنة مخصصات الاعتمادات الاستثمارية المرصودة في الموازنات العامة للدولة خلال السنوات (2011-2018) التي لم تتجاوز 1,5 مليار دولار أميركي، مع حجم الأموال اللازمة لإعادة الإعمار والمقدرة بمئات المليارات من الدولارات، يتبادر إلى ذهننا عدة أسئلة: هل لدى القطاع الخاص الأموال الذاتية أو شبكة العلاقات الإقليمية والدولية التي تمكنه من تأمين وسد هذه الفجوة التمويلية؟ وكيف يمكن- من خلال التشاركية- سد هذه الفجوة؟ وعلى اعتبار أن مدة التحضير والإعلان عن المشروعات وطرحها على أساس تشاركي يستغرق مدة لا تقل عن 12-18 شهراً (وفق عرّابي فكرة التشاركية البنك والصندوق الدوليين) هل ستقوم الحكومة بإرجاء إنفاقها الاستثماري العام التقليدي بانتظار دخول الشريك الخاص في العملية التنموية المستقبلية؟
كان الهدف الرئيس عندما ظهرت التشاركية على مستوى العالم عموماً وسورية على وجه الخصوص، توجيه أموال القطاع الخاص إلى الاستثمار في البنية التحتية الأساسية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ ومحطات الطاقة والمياه والصرف الصحي، إلا أن نجاح التشاركية يستلزم المواءمة وتحقيق مصالح جميع الأطراف (الشريك العام: توفير الخدمة العامة وضمان استمرارها بأقل الأعباء على الموازنة العامة- الشريك الخاص: تحقيق أقصى الأرباح، المواطن- المستهلك النهائي: أفضل خدمة وبأسعار ورسوم ضمن القدرة المالية للمكلف).
ومن أجل ذلك، لابد من توافر مجموعة من الأساسيات والعناصر، منها الالتزام بالتوازن التعاقدي، إذ تقوم عقود التشاركية على مجموعة اتفاقيات بين القطاعين العام والخاص، لكن في الواقع هذه العقود عبارة عن عقد ثلاثي الأطراف لا يمكن أن نستثني منه المواطن؛ وبذلك يتوقف نجاح التشاركية في التزام القطاعين العام والخاص في تحقيق هدف مشترك وهو إرضاء المستفيد النهائي (المواطن) رغم اختلاف دوافع كل منهما، لكن هذا الاختلاف في الدوافع لا يلغي ضرورة التزام كلا الطرفين بالهدف المشترك (إرضاء المواطن) من خلال حصوله على الخدمة العامة بأسرع وقت، بأفضل جودة، وبأقل التكاليف وبأسعار ورسوم ضمن قدرته المالية ومستوى دخله.
ويؤدي الالتزام السياسي بالهدف المشترك إلى ضمان نجاح التشاركية واستمرارها وإمكانية تطبيقها على قطاعات أخرى، وهذا يستلزم التعريف الجيد بالمشروع بشكل دقيق وواضح والهدف منه، وتحديد الالتزامات التعاقدية لكل الأطراف ذات العلاقة، واتباع استراتيجيات تستهدف المستفيد النهائي. إضافة إلى أمور أخرى كتوزيع المخاطر وتقاسمها، والقدرة على تحمل العبء المالي.
لعل صعوبة وضع جميع العوامل الأساسية المذكورة في بوتقة واحدة وصعوبة المواءمة ما بين ربحية القطاع الخاص وتخفيض الأعباء المالية على الدولة مع تقديم خدمات جيدة للمواطن بأسعار متناسبة مع دخله، والتعقيد المرتبط بترتيبات التشاركية؛ تؤدي جميعها إلى عدم وضوح مستقبل التشاركية في تمويل البنية التحتية، وإذا كانت الحكومة ما زالت تعول عليها باعتبار التشاركية حلاً وأداة سحرية لمشاكل التمويل وتقديم الخدمات العامة في سورية، فإن ذلك يتطلب منها العمل على وضع الخطط والآليات التي يمكن من خلالها معالجة العقبات التي تعترض فرص نجاح التشاركية والتي تعيق تحقيق الأهداف المطلوبة من التشاركية المتمثلة في ضمان تحقيق الهدف المشترك (المتمثل في إرضاء المواطن) مع تحقيق مصالح جميع الأطراف ذات الصلة.
بالتالي، فإن التشاركية غير المصممة بشكل جيد، والتي لا تحقق الأهداف المشتركة لجميع الأطراف ذات العلاقة (الحكومة، الشريك العام، الشريك الخاص، المستهلك النهائي) ستخلق العديد من المشاكل للجميع من خلال مجموعة من التغيرات غير المرغوب فيها، ما ينعكس سلباً على جدوى أو مبررات تطبيق التشاركية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن