ثقافة وفن

بين المال والفقر.. والحب والدم … «مذكرات عشيقة سابقة» حرب حقيقية ومفارقة موجعة وصراع القوّة والعدم … قدمت منى واصف مشهداً بدا حقيقياً وغير مركب أو مصطنع أبكى فريق العمل

| وائل العدس

أوشك شهر رمضان أن ينتهي ومعه ستنتهي معظم العروض الدرامية بحلقاتها الثلاثين، إلا أن قليلاً من الأعمال ستمتد أحداثها إلى ما بعد عيد الفطر السعيد، ومنها مسلسل «مذكرات عشيقة سابقة» المؤلف من أربعين حلقة.
العمل من تأليف نور شيشكلي وإخراج هشام شربتجي وبطولة باسم ياخور وشكران مرتجى وكاريس بشار وسعد مينة ونيكول سابا وطوني عيسى ومي صايغ وجوي خوري وخالد القيش وروبين عيسى وبيدروس برصوميان ويوسف حداد وزينة مكي وعلاء قاسم، بينما حلت الفنانة الكبيرة منى واصف ضيفة شرف بمشاهد قليلة حتى الآن.
وحصل المسلسل على درع الإبداع وجائزة أفضل مسلسل عربي مشترك في مهرجان مونديال القاهرة للأعمال الفنية بنسخته الأخيرة، علماً أنه عرض العام الماضي عبر قناة عربية مشفرة، قبل أن يعرض هذا العام عبر قناة «الجديد» اللبنانية وعبر موقع اليوتيوب.
وغنى شارة العمل النجم اللبناني مروان خوري الذي كتب ولحن الأغنية بنفسه بعنوان «يا بتكوني لإلي»، بينما تولى مصطفى برقاوي إخراج الكليب، ويقول مطلع الشارة: «يابتكوني لإلي يا لغيري مارح بتكوني، حبي إلك بحرو غميق.. شمس ودفا نار وحريق».

مفارقة موجعة

وتدور قصة العمل حول واحدة من أشهر نجمات العالم العربي في مجال التمثيل، إلا أن الفن لم يبعدها عن الشارع بسبب إصرارها على الأعمال الخيرية، باعتبارها أماً للفقراء.
ويعرض العمل قصة «ديانا» التي قتلها الحب، تتمتع بجمال خلاب، اجتماعية ويحبها الجميع، تنشر الحب والسلام والخير أينما حلت، لكن مع كل ذلك، فابتسامتها الحالمة تخفي خلفها ليالي طويلة من العذاب.
تزوجت «ديانا» من «عابد» المحامي المشهور بعد قصة حب كبيرة، كانت قد ظنت أنها قد كللتها بالنجاح بعد إنجابها طفلة ورثت جمال والدتها وحنكة أبيها تدعى «تاليا»، لكنها مع تسلسل الأحداث أصبحت محور الصراع بينهما.
استيقظت «ديانا» في أحد الأيام لتكتشف حقيقة الكابوس الذي كانت تعيشه، حيث عرفت حقيقة زوجها أنه أحد أمراء الحرب الذي يستغل منصبه في إشعال فتيل الحرب وتحقيق مصالحة الشخصية، لتبدأ التفكير في الابتعاد عنه خصوصاً وهي تتساءل: أيعقل أن يكون والد طفلتي قاتل أطفال؟!، ومن هنا يبدأ الصراع الحقيقي بينهما.
أرادت «ديانا» أن يكون الانفصال الرسمي بينهما سلمياً، ومن دون أي خلافات أو مشكلات، حيث طلبت من «عابد» أن تمضي في حياتها مع ابنتها من دون أي خسائر، إلا أن «عابد» لم يقبل بالحل السلمي، وجعلها تدخل معه إلى حرب شرسة، مملوءة بالمخططات والمؤامرات وخصوصاً أنه علم عن قصة حب تجمعها بمصفف شعرها، فبدأ يستغل وجود ابنة بينهما في إخضاعها له، إلى جانب محاولة التفرقة بين «ديانا» ومصفف شعرها «باسل»، خصوصاً أنه متزوج ولديه طفلة صغيرة، ومن هنا تبدأ الحرب الحقيقية بين كل الأطراف، بين القوة والضعف، النفوذ واللانفوذ.. المال والفقر.. الحب والدم.
تدخل في مفارقة موجعة عندما تكتشف أن من تزوجته هو أحد أمراء الحرب، وتسير الأحداث في شكل رئيسي عبر مذكرات «ديانا» المرأة الخاسرة التي تقرر الإفصاح عن تجربتها المتناقضة، كفنانة شهيرة خائنة لرجل وعشيقة لرجل آخر، منخرطة في الحياة الخيرية وشريكة مخدوعة لمجرم حرب تلقي بظلالها على كل شيء حولها وتتحول إلى خلفية واقعية من دون أن تحضر كحدث أو فعل، بل تظهر أكثر عبر تأثيرها في مجريات الأحداث.

حكاية القهر
ويتناول العمل أيضاً مجموعة من القصص العاطفية المعقدة والمتشابكة والتي يتم من خلالها تناول واقع السوريين المقيمين في لبنان.
ويعرض قصص نساء وجدن أنفسهن وحيدات فتحولن إلى مسؤولات عن أسرهن فأصبحن الأم والأب وتوزعت مشاعرهن بين القوة والضعف والحنان والقسوة.
تمثل أحداث العمل حكاية القهر الذي يعيش فينا، وأبواباً كثيرة مقفلة على الوجع، إنها الحرب بين من يمتلكون كل شيء ومن لا يمتلكون شيئاً، صراع القوّة والعدم، مع التمسك بتقديم «تشويق غير مجاني».

مشهد حقيقي
ظهرت الكبيرة منى واصف بدور «أم عمار» وهي والدة أحد مفقودي الحرب، انتظرت ابنها طويلاً قبل أن يزف إليها شهيداً، فخرجت تحمل نعشه ودفنته بيديها، فبدا المشهد حقيقياً ولم يكن مركباً أو مصطنعاً، فأبكى فريق العمل.

نموذج طاف
وتعد مشاركة ياخور ثانية تجاربه في الدراما العربية المشتركة بعد مسلسل «علاقات خاصة»، وتشكل شخصيته نموذجاً طفا على الحرب على سورية، عبر محامٍ يتخلى تدريجياً عن مهنته، ليتحول إلى أحد سماسرة الحرب الذين كانوا أفراداً عاديين جعلتهم الصراعات زعماء، بثروات مرعبة وكيانات مالية خارجة عن الطبيعة.
وتستند تركيبة الشخصية إلى أفعال تتراوح بين الخير والشر بلا إطلاق في أحدهما.
أما سابا فظهرت بشخصية المرأة المركبة والمعقدة نوعاً ما، لا تعرف ما إذا كانت محقة أو خاطئة، ربما لا تهتم بالأحكام، المشاهد يحدد ما إذا كانت مالت عن الصواب أو فعلته، بقدر شخصيتها أو ظروفها.
أما شخصية «هدى» التي تقدمها مرتجى فتمتاز بالتضحية بكل أشكالها كأم وزوجة وأخت، الظروف تفرض عليها القوة، وأن تُظهر الحياة بينما تُبطن الخذلان، وخاصة أن انكسارها يأتي في ظرف لا يمكنها فيه التخلي عن ابنتيها أو شقيقتها «هنادي» (كاريس بشار)، وتتسم الشخصية بأنها ذات عمق وجداني، وتحمل بعداً إنسانياً.
واستطاعت مرتجى أن تحقق عبر مشهد «العشاء» الذي يجمعها بابنتها أن تقدم تعبيراً حقيقياً وصادقاً عن الوجع، والظلم، والخيبة والقهر، وجع الأم التي تسعى إلى تأمين لقمة العيش لها ولأبنائها مشرّبةً بالدمع والغصة، والتي تقدم تضحيتها محتفظة بخذلانها من الحياة وممن حولها ومن نفسها أحياناً مقابل أن تبقى متماسكة أمام حلمها بسعادة ابنتيها.
وتتحدث شخصية «وفاء» (روبين عيسى) عن معاناة بعض النساء ممن تغلق بوجوههن الأبواب ويصبحن عرضة للاستغلال من بعض البشر الذين لا يمتون للإنسانية بصلة، كانت ضحية زوجها، وضحية المجتمع، إضافة إلى صراعها بين مبادئها وأخلاقها وبين الظرف الذي وجدت نفسها فيه.
وقدمت سحر فوزي شخصية «غيداء» وهي امرأة غنية ومتسلطة، تهتم بالمظاهر وتبتعد عن الجوانب الإنسانية، وهي الأم التي تقف بطريقة شرسة بوجه زوجة ابنها في محاولة منها للحصول على حضانة أحفادها.
وقدم علاء قاسم دور «إياد» الذي يشكل نقطة تحول في مسار حياة «هنادي» ضمن رحلة بحثها عن زوجها ومحاولة الوصول إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن