الأولى

الأردن وفلسطين

| تييري ميسان

تَعرًض الأردن في أوائل شهر حزيران الجاري، لأسبوع من الاحتجاجات السلمية ضد مشروع قانون جديد للضرائب. وتحدث العديد من وسائل الإعلام عن إمكانية ظهور مرحلة جديدة من «الربيع العربي» التي شهدت صعود جماعة الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي.
لكن هذا الاحتمال صار ضئيلاً جداً.
لنتذكر جيداً إن الأردن كان دائماً يسيطر على جماعة الإخوان المسلمين لديه، نظراً لأن مرشدهم الفخري المحلي هو الأمير حسن، عم الملك الحالي.
بيد أنه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي قام بها الإخوان في سورية، وانتهت في عام 1982، فقد اضطر الأردن إلى تقديم اعتذار للرئيس الراحل حافظ الأسد عن تغاضيه عن استخدام أراضيه كقاعدة خلفية للإخوان.
لم تطالب جماعة الإخوان خلال هذا «الربيع العربي» «بسقوط النظام»، كما فعلت في كل مكان آخر، ولكن بحكومة ائتلاف تضم أعضاءها. وها هي المملكة الهاشمية تقيم اليوم، علاقات ممتازة مع حماس، الفرع الفلسطيني السابق للإخوان المسلمين.
قد تجد التظاهرات التي خرجت في بداية حزيران تبريراً محلياً لها، ما حتم عليها دعماً محدداً حتى تتحقق في بلد أصبح مرة أخرى استبدادياً.
وقد تكون مجرد ضغط على عمان قبل أن يعرض البيت الأبيض خطته للسلام في فلسطين.
لنتذكر أيضاً أن المملكة الهاشمية كانت دائماً تعتبر نفسها وطناً للفلسطينيين، وأن الملك عبد الله الثاني هو «حامي» الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، و«الوصي» على الأماكن المسيحية المقدسة، في المدينة المقدسة (وهو لقب اعترف به البابا يوحنا بولص الثاني في عام 2000).
كان الأردن حتى بداية تطبيق اتفاقات أوسلو يرعى شؤون الضفة الغربية من الناحية الإدارية، (على الرغم من احتلال إسرائيل لها إبان حرب الأيام الستة). وقد كان ياسر عرفات نفسه على وشك مبايعة النظام الملكي في ذلك الحين، نظراً لأن ثلاثة أرباع الأردنيين على الأقل، هم فلسطينيون، وأن السكان الأصليين، الذين هم من البدو، يشكلون ربع السكان فقط.
وبالمحصلة، يساوي عدد الفلسطينيين في الوقت الحالي في الأردن، أعداد الفلسطينيين نفسهم الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة مجتمعين تقريباً.
ومهما كانت طبيعة الخطة التي صممها جاريد كوشنر، فسوف يترتب على الأردن لعب دور ما. وقد بدأ العديد من الوثائق يخرج من المحفوظات بهذا الشأن، ويبدو أن مسألة إنشاء عاصمة لدولة مستقلة للفلسطينيين في أبوديس، قد أشبعت نقاشاً بالفعل.
ووفقاً لمخطط تقسيم فلسطين في عام 1947، يتضح أن أبوديس هو حي صغير في مدينة القدس.
فضلاً عن ذلك، فقد أيد محمود عباس، مساعد ياسر عرفات أثناء مفاوضات أوسلو، فكرة إقامة العاصمة الفلسطينية في ذلك الحي.
وعلاوة على كل ما سبق، لابد من الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية قد شرعت، منذ ذلك الحين، بتشييد مبنى برلمان الدولة المستقبلية. لكن مع تعثُّر «عملية السلام»، لم يتم التصديق على هذه «النقطة» أبداً، وتم بالتالي إيقاف العمل بكل شيء.
وبالعودة مؤخراً إلى مناقشة هذه «النقطة»، قام الإسرائيليون بعزل حي أبوديس عن باقي أحياء المدينة بجدار، بينما اعتبر الفلسطينيون أن هذا الحي لا يعدو عن كونه جزءاً صغيراً جداً من مدينة القدس، وطالبوا بالمقابل بمنحهم نصف المدينة.
في كل الأحوال، لم يعد من المستحيل، كما كان عليه الحال في السابق، أن يصبح الأردن دولة مستقلة للفلسطينيين بعاصمتين، عمان، وأبوديس.
لكن السؤال الذي سوف يطرح نفسه فوراً في هذه الحالة، ماعساه يكون شكل النظام المستقبلي: ملكياً أم جمهورياً؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن