قضايا وآراء

التصريحات «الكردية» والرهان على الدولة

| سيلفا رزوق

بصورة متدحرجة توالت التصريحات القادمة من الشمال من قبل أفرقاء سوريين راهنوا طويلاً على واشنطن وغيرها للوصول صوب إنجاز مشروعات وأحلام تقسيمية لا تخدم سوى أطراف معادية للشعب السوري ولهؤلاء الفرقاء أنفسهم.
مؤشرات من العيار الوطني الثقيل خرجت عن بعض القوى والقيادات الكردية تدعو فيها للحوار مع دمشق ودون شروط مسبقة، وتقدم تصورات جمعية غابت عن أدبيات هذه القوى طوال السنوات السبع الماضية، والحديث عن العلم الوطني والدولة الواحدة والتدخل الخارجي، بدا كافياً لإعطاء مؤشرات إيجابية حول أي حوار مستقبلي محتمل مع الحكومة السورية.
توالت التصريحات الكردية وإن بدا في ظاهره أنه جاء عقب حديث للرئيس بشار الأسد ألمح فيه إلى احتمال استخدام القوة مع من ارتأى لنفسه أن يكون أحد أوراق أميركا في المنطقة، غير أن متابعة دقيقة لمجريات الأمور كانت ستقودنا وبصورة لا تحتاج إلى كثير من التمحيص والفهم للوصول نحو أن الولايات المتحدة هي الراعي والمخطط لكل ما يجري في سورية منذ سنوات.
أميركا وعلى طريقة الكاوبوي المعتادة اختارت بصورة مفاجئة الهرولة صوب حليفتها الأطلسية تركيا، لترسم معها خريطة طريق للسيطرة المشتركة على مدينة منبج، والتي شكلت على الدوام أحد أبرز مطامع أنقرة التوسعية في الأراضي السورية.
خطوة واشنطن غير المفاجئة للعارفين والقارئين لتاريخ حركة المصالح الأميركية التي اعتادت بيع حلفائها الأقل الأهمية بالنسبة لها عند أول مفترق طرق قد يؤثر على مصالحها، شكلت دون أدنى شك المحرك الأساسي لموجة التصريحات الكردية المؤيدة لخيار الدولة.
المحاولة الأميركية التركية البائسة لطمأنة حلفاء كل منهما بدت مكشوفة وبطريقة سخيفة، حيث لم ينفع تذكر وزير لخارجية التركي جاويش أوغلو أن ما جرى في منبج ليس بديلاً عن أستانا أو جنيف بل داعم لهما، في طمأنة شركائه بالضامنة إلى الثمن المطلوب أميركياً لإدخال أنقرة على خط منبج وغيرها من المناطق المنتظرة، كما لم تنفع أيضاً التصريحات الأميركية عن تعقيدات الاتفاق والمدد الزمنية التي سيحتاجها في طمأنة حلفاء الضرورة من قوات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» وغيرها حول المآلات المنتظرة أمامهم بعد هذا الاتفاق.
التصريحات «الكردية» المطالبة بالحوار مع دمشق جاءت إذاً ضمن السياق المنطقي لتتالي الأحداث الإقليمية، غير أن اللافت كان صمت دمشق حتى اللحظة عن الإدلاء بأي رد فعل تجاه ما يجري، والاكتفاء بالمتابعة والمراقبة، رغم وضوح الموقف تجاه الخطوة الأميركية التركية العدائية الجديدة، والتذكير الذي جاء على لسان وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم بأن ما يجري باطل والقوى المتفقة هي قوى احتلال سيأتي يوم لمواجهتها وفقاً لأولويات الجيش والقيادة.
المتابع لسياق تحرك الدولة خلال عمليات تحرير المناطق السورية واستعادتها من جديد، يدرك بكل تأكيد أن الخيار الأول الذي اختارته الحكومة على الدوام كان خيار التفاوض، وعليه فإن الصمت المستمر حتى الآن لا يعني بالتأكيد عدم الموافقة على الذهاب نحو هذا الخيار الذي بدأت تطرحه الأطراف الكردية، لكنه قد يعني حاجة لمتابعة مدى إقناع هذه القوى وبصورة نهائية بخيار الدولة وعدم الانقلاب عليه عند أي انفتاح أميركي مستجد، لاسيما أن «قسد» لازالت حتى اللحظة تقاتل جنباً إلى جنب مع القوات الأميركية، التي لا تزال بدورها ترتكب المجزرة تلو الأخرى في ريف الحسكة وغيرها، كذلك لا تزال هذه القوات تسيطر على مناطق حيوية عديدة من حقول نفط وغاز وتمنع محاولات الجيش السوري للوصول إليها واستعادتها من جديد.
طريق التفاوض أو الحوار إن صح التعبير لا يبدو سهلاً على النحو الذي ترسمه كل تلك التصريحات، وهو لا يزال يحتاج لخطوات عملية داعمة لها كي تمنحها جدية أكثر لدى الحكومة السورية، لكن هذا الطريق ليس بالصعوبة التي يتوقعها البعض، لأن الأطراف التي تريد الحوار هي أطراف سورية، تجمعها الهوية نفسها والمصير ذاته، وهو حاجة وطنية جامعة للوصول نحو خيارات الدولة السيدة المستقلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن