اقتصاد

«تتريك» في «ديار القاعدة»!!

علي هاشم : 

قرن مضى على اندحار النقد العثماني من الأرض السورية، وها هو اليوم يعود إلينا في جلباب القاعدة وسط مفارقة تدفع للتأمل بالفعل: فالعقيدة الوهابية التي اصطنعتها بريطانيا يوماً لطرد العثمانيين من نجد والحجاز، ها هي اليوم تتلهف لإعادتهم إلى ديارنا؟!
لم تولد فكرة «الاقتطاع النقدي» لشمال سورية ساعة أعلن «شورى القاعدة» في شمال حلب استبدال الليرة السورية بأخرى تركية، ومبادرته لصرف رواتب تكفيرييه بها الشهر الماضي، فـ«صنوه» داعش، سعى قبلاً لطرح ديناره في «دويلة الخلافة» بالرقة، قبل أن تظهر الأيام التالية حماقة الفكرة.. الأيام القادمة هي الأخرى ستثبت كم أن مبادرة القاعدة للاندماج مع «الأم التركية» لا تقل حماقة!
يبرر «طليعيو القاعدة» نزوعهم لليرة التركية بـ«تسريع انهيار اقتصاد النظام»، و«حفظ مكتنزات» سكان المناطق التي يسيطرون عليها، بينما وصفها «غير المرتاحين للفكرة» بـ«رد جميل غير مدروس التوقيت» لحكومة أردوغان التي عانت ليرتها تراجعا مطردا خلال الأشهر الماضية، وستعاني أكثر مع انقضاء مهل التشكيل الحكومي من دون اتفاق بين الأحزاب.
يتطلب الوقوف على منعكسات «التقسيم النقدي» تقييماً اختصاصياً، إلا أنه يسهل على «غير المختص» تلمس الكذب في كلا التبريرين السابقين، فـ«الالتحاق النقدي» لمناطق القاعدة بتركية، هو محض إذعان متجدد للأحلام العثمانية المعلنة بالسطو على أراض في شمال سورية، كان قد سبقه بزمن طويل «تتريك» آخر للتعليم في المخيمات التركية.
من حيث السكان، سيرتب الالتحاق بالنظام النقدي التركي تبعات كارثية عليهم، فسورية وحدة اقتصادية متكاملة سيتحمل القسم المجتزأ منها أكبر المترتبات لدى انفصاله عنها، كما أن الكثير من مواطنيه يعيشون على أموال تضخها الحكومة في مناطقهم «رواتب وخدمات وبنى أخرى..»، بينما السوق الرئيسية لمنتجاتهم «الزراعية في معظمها» ليس لها أسواق -ولن يكون لها- سوى بالداخل، ناهيك عن أن الارتباط بعملة أعلى قيمة من الليرة السورية -كما التركية- سيدفع التضخم نحو مستويات قياسية تبعا لافتقارها «للفكة» المناسبة للأسواق السورية.. باختصار شديد: سيعاني اقتصاد المناطق التي يسيطر عليها «القاعدة» متلازمة «الأمراض والأسعار التركية/ الإنتاج المحلي المنهار».
ولأن التراجع المتوقع في واردات الحكومة من القطع الأجنبي عبر تلك المناطق لا يتناسب مع الضرر الذي ستتكبده، تندفع التوقعات التلقائية بأن الخطوة لا تعدو كونها فاتورة مستحقة الدفع للداعم التركي، مطعمة بتنافس «الشرعيين» للهيمنة على قطاع الصرف، أو لربما تأسيسا لدفع المناطق التي يسيطرون عليها لإنتاج زراعي بديل أكثر مردودية: الكمون والمخدرات.. والأخيرة لطالما شكلت مصدر تمويل شرعي أمثل للتنظيم.
الهوس الالتحاقي لـ«ثوار القاعدة» بأي كان، أعلن عن نفسه منذ الأيام الأولى للحرب ساعة ارتفعت «الراية» معلنة الولاء لفرنسا، قبل أن يتحول اليوم لتحقيق الأحلام العثمانية، اللافت، أن بعض إستراتيجياتنا، ومن حيث لا ندري، تتجاوب مع أحلام العثمانيين في تقليص الانتشار السيادي لليرتنا كمعادل للقيمة في المناطق خارج سيطرة الدولة.. مواسم الحبوب إحداها!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن