الصفحة الأخيرة

في انتظار فرح قد يأتي!

| عصام داري

ينكسر الوقت وتهرب الدقائق من ساعاتنا، ويصمت الكلام، وتهجم الظلمة من دون استئذان، ماذا بعد الظلمة سوى ضوء شحيح منكسر على بوابة مدينة أتعبها التعب والوجع والسفر في مكان ليس كالأمكنة، وزمان ليس مثل الأزمنة؟ وهل بعد الصحراء صحارى لا حدود لها من دون أمل حتى بحلم من سراب؟ كلنا في سفر أبدي وكلنا أصدقاء الوجع ورشفة أمل وحزمة ضوء.. وكثير من العتم.
نكتشف متأخرين أن عجلة الزمن طحنتنا على مدى سنوات عجاف، وأننا تهنا في زواريب الحياة، ولم نلتقط أنفاسنا ولو لحظة واحدة، ولم نتأمل وندرس تجربتنا في هذه الحياة لنصحح مسيرتنا.
كل موعد ضاع في زحمة الأيام والأحزان، ترك جراحاً في القلوب، وشطب أياماً من دفاتر حياتنا الضائعة أصلاً في روتين الزمن، وعقارب الساعة مازالت تلدغ عمرنا، و.. فجأة نجد أنفسنا وقد تجاوزنا منتصف الطريق، ونكاد نبلغ نهايته من دون أن نتزود بذخيرة من حب وفرح وسعادة، ونكتشف، أننا أضعنا أعمارنا في كهوف من الابتعاد، وصرفنا من بنوك حياتنا سنوات على توافه الأمور، وأهملنا قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، فأهملتنا وسلمتنا للنسيان.
اليوم.. نقف على الأطلال آملين أن نستدرك ما فاتنا، ولكن يبدو بعد فوات الأوان، فعلى من مازال يمتلك الوقت والعزيمة أن يصحح ماضيه بحاضر جميل يملؤه بالحب والفرح من أجل مستقبل أحلى وأفضل، فالعمر أقصر كثيراً مما تتخيلون، وهو رحلة في قطار سريع تنتهي بشكل مفاجئ ومن غير استئذان، وعجلة الزمن لا تتوقف، والحياة مستمرة على هذه الأرض.
نبحث عن فردوسنا المفقود، نبدأ من ذواتنا، من أنفسنا، نبحث عمن سرق منا الأحلام وصادر حقنا حتى في أن نحلم!!. نفتش عن حب ذبلت أزاهيره فلا نحصد إلا الأشواك والمرارة في زمن هجمت فيه الكراهية على المحبة، وطغى السواد على كل ألوان الحياة، وصار الجمال محبوساً في أقفاص من ذهب، لكن صبرنا وإيماننا بالغد الآتي على فرس وردية يوفران لنا العبور الآمن للمستقبل الذي يكاد يشبه الفردوس، وربما أحلى وأكثر بهجة وإشراقاً.
ستتفتح أزاهير الحب من جديد والشمس ستعاود إشراقتها كل صباح، والقمر سيرسل نوره ليضيء دروب العشاق، رغم موجات الحقد الأسود وقتلة العصافير والأحلام، وتجار الحروب والدمار والدماء.
لم تعد تكفينا لحظة تأمل لنقرأ ما جرى لنا عبر سنوات الجمر والضياع، أصبحنا بحاجة إلى دهور من التأمل والغوص في أعماق المشاكل التي اعترضت حياتنا والتي صنعنا بعضها بأنفسنا ذات تاريخ مضى بحسن النية بالآخرين، واكتشفنا بعد فوات الأوان فداحة الخسارة، والغوص في أعماق أنفسنا وأرواحنا التي صارت على جناح فراشة.
نحتاج إلى عمر آخر جديد كي نكفّر عن أخطائنا بحق أنفسنا أولاً، وحق الآخرين ثانياً، وعندها قد نجد ساعة هاربة من الزمن نمضيها في سعادة حقيقية لم تمر سابقا في تاريخنا الذي تحده من الشمال الأحزان، ومن الشرق البؤس، ومن الغرب الفوضى والجريمة والرذيلة، ومن الجنوب الفقر،
ستأتي في تلك الساعة الفرحة لا محالة، لكن توقيت سفرها إلى عالمنا في عالم الغيب، وعلينا الانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن