قضايا وآراء

وقفات على المفارق مع نيران دُومَة الفلسطينيّة

فلسطين المحتلة – سعيد نفاع : 

الوقفة الأولى: حتى لا يصير عليّ نَصّاً أدبيّاً وبياناً سياسيّاً
الرضيع عليّ الدوابشة ليس أول مآسينا وهذا ما نعرفه، ولا آخرها وهذا ما يجب أن نعرفه، وسيجد عليّ في حِلّه وأينما حلّ، وكلّ حسب إيمانه، كثيراً من الأطفال كانوا قد سبقوه وسيستقبل كثيراً منهم سيلحقونه، وأينما وكيفما كان حِلّهم فلن يقرأ عليّ حين يشبّ لأولئك، النصوص قصائد كانت أو منثورات أو بيانات أو مقالات وإن وُلدت من رحم النار التي لم تتعب البتّة عندما التهمت صراخه، لأن النصوص أصلاً لم تصل إليه ولأنها ليست ذي بال حيث يحبو اليوم.
عليّ ومن سبقه ومن سيلحقه من الأطفال سينشغلون في أوقات قيلولتهم وبعد أن يشبّوا قليلاً، بأسئلة لو كانت منحتهم الحياة أجلاً أطول لكانت تساؤلات: لماذا لم تحمونا؟ ألم يكن بإمكانكم أن تحمونا؟ وهل كنتم أصلاً قادرين على حمايتنا؟ وهل ستحمون مَن بعدنا أم إن علينا أن نوسع لهم ساحات لعبنا؟
حرق عليّ هو ليس القضيّة هو نتيجة للقضيّة، فأصلاً ما كان يمكن أن يُحرق عليّ لو لم يكن مَن حرقه موجوداً في دُومَة أو حولها، ووجوده هنالك ما كان يمكن أن يكون لو أن هنالك من كان قادراً على منع وجوده، والوجود في سياقنا هو ليس وجود أداة الحرق وإنما وجود من أوجدها وحمّلها الفتيل.
جاء الوقت لنقولها وعالياً، إن هذا ناتج عن عجز في أمّة بكاملها نحن وعليّ الدُّوماويّ جزء منها، وعندما تعجز أمة فلا يلومنَّ أحد الضحيّة على عجزها وعجز مسيّري شؤونها بما تبقّى لهم من قوّة العاجز، كما هو حاصل اليوم، وقد أفقدتهم أمتهم بشقيها العربيّ والإسلاميّ، كل مقوّمات الوجود، فكيف لفاقد مقوّمات الوجود أن يحفظ هذا الوجود نظيفاً من وجود الغرباء وأدوات نيرانهم؟

الوقفة الثانية: مع الاعتقال الإداري
الاعتقال الإداري وليد أنظمة الطوارئ الانتدابيّة التي تبنتها إسرائيل بعد قيامها أداة لضرب العرب، وبعد حربها العدوانيّة في الـ1967 طورتها وكان وما زال ضحيتها المئات إن لم يكن الآلاف من الفلسطينيّين أبناء الـ67.
اليوم وعلى خلفيّة حرق عليّ تستل المؤسسة الإسرائيليّة هذه الأنظمة في وجه بعض الأدوات التي «تعتقد» أنها وراء الحرق. فلا يُفرحنّ أحد منّا هذا الإجراء حتى لو كانت «ضحيّته» أدوات الحرق تلك أو من «يُعتقد» أنه صانع تلك الأدوات، فكم بالحريّ إذا كان هذا الإجراء تغطية على فضيحة خروج المخلوق على خالقه.
الاعتقال الإداري في سياقنا هو إجراء في «العلاقات العامّة» ليس إلا، ولا نجدّد حين نقول إنه لو أرادت المؤسسة الإسرائيليّة بأجهزتها المخابراتيّة أن تكون جادة في منع هذه المحارق لمنعتها، وغداً عند أول احتجاج لنا على اعتقال إداريّ سنرى المؤسسة والناطقين باسمها تواجهنا «استعملنا هذا على يهود». يجب أن نرفض الاعتقال الإداري حتى لو كان على هؤلاء، فبهذا الموقف نقوّي موقفنا في حربنا على هذا الإجراء التعسفيّ الذي لم يُحافَظ عليه حيّاً إلا ليُستعمَل علينا.

الوقفة الثالثة: مع التسويغ
رغم أن عند «أبناء عمومتنا» مقولة تقول «حتى الشيطان لم يخلق انتقاماً بدم طفل»، لكن ستكون بينهم أوساط واسعة تسوغ المحرقة قولاً أو صمتاً، وتكون أخرى بينهم تستنكرها علناً وتتفهمها ضمناً، وأيضاً سيكون بينهم من يقول لنا: «لا تعظموها فإخوتكم كلّ يوم يحرقون مئات الأطفال في سوريّة والعراق واليمن».
لعمري إنهم في هذه الأخيرة لصادقون تجاه بعضنا، فلا حقّ لأي كان ممن سوغ محارق داعش والنصرة في العراق وسوريّة والتحالف السعودي في اليمن وأيّاً كان تسويغه، بأن يرفع عقيرته محتجّاً على محرقة دومة الفلسطينيّة، وإن رفعها فهو كاذب دجّال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن