قضايا وآراء

المعارضة والخروج عن المألوف

مازن بلال : 

ستواجه المعارضة السورية مسألتين أساسيتين في موسكو أولاهما واقعية التعامل، فقادة الكرملين لا يتمتعون بخيال «هوليوود» الذي يدفع أحياناً الطموح السياسي بعيداً، والمسألة الثانية عدم وجود سيناريو مسبق يتم من خلاله تقاسم الأدوار، وربما على العكس هناك قواعد ربما تحد من أي آلية تحول سياسي، وعلى طيف المعارضة السورية بناء «السيناريو» الذي يوفر محاربة الإرهاب وخلق توافق للدخول في الحل السياسي.
وفق التصور الروسي فإن البناء السياسي لسورية ليست وظيفة المفاوضات التي تجري، فهناك مساحة واسعة على المعارضة أن تتحرك فيها كي تجد التوافقات المطلوبة، وهذا الأمر يعاكس كل المراحل السابقة التي كانت الطرق فيها موجودة مسبقا، ويبقى ترتيب الأوليات وربما اقتسام الأدوار، وفي اللحظات التي كانت المعارضة تتعامل مع ملفاتها الداخلية كانت الأمور تتضح أكثر، فتتصاعد الخلافات ويتم البحث عن «مرجعية» لحل الخلافات، وهذا ما فعله «روبرت فورد»، السفير الأميركي السابق في سورية، على الأخص في التعامل مع قوى «الائتلاف السوري المعارض».
عمليا فإن موسكو لا تريد أن تلعب دور المرجعية للمعارضة ولا للسلطة، فاللقاءات التي تمت حتى اللحظة يمكن فهمها كنوع من «كشف النوايا» قبل الإعلان عن «موسكو3»، وهذا المسار التفاوضي لا يخلق اختراقات مبنية على الضغط المباشر، بل يحاول كسر الوهم بحلول «مطلقة» اعتمادا على سيناريو جاهز، فهل يمكن للمعارضة وللحكومة الدخول في هذا المسار؟ وهل موسكو قادرة على الاستمرار في هذا الدور رغم الخلافات الإقليمية التي تؤثر مباشرة في أطراف النزاع؟
من المؤكد أن الخارجية الروسية لا تطمح سوى بجعل الأطراف السورية تواجه الواقع، وهو ما سيؤدي برأيها إلى إيجاد «سياق» من العمل وليس مفاوضات من أجل المواجهة كما حدث في جنيف2، وهناك مؤشرات إلى أن «الصيغة» الروسية في التعامل تستند إلى أمرين:
– الأول: إن هناك مهام أساسية يُبنى عليها التفاوض، وهي تهدد حالياً الطرفين، فالإرهاب لم يعد حالة عابرة بل هو استوطن سورية ويقتنص من أدوار الجميع، ومن سيجلس على طاولة المفاوضات فعليه إدراك أن مهمته ستحدد أهمية دوره، وذلك بغض النظر عن كل المواقف الدولية التي تدعم طرفاً سورياً ضد آخر.
– الثاني: إن مهمة «المرحلة الانتقالية» لا تشكل انتزاعا لسلطات الدولة وتوزيعها على الأطراف، بل تعزيز الدولة بمواقف الأطراف كافة من أجل بناء العملية السياسية، وهذا الأمر لا يبدو مفهوما بالنسبة لطيف واسع من المعارضة، فمسائل «المحاصصة» السياسية هو أمر تقره أو ترفضه العملية السياسية، أما المرحلة الانتقالية وفق «جنيف1» فمهمتها تدعيم مؤسسات الدولة في ظل الحرب القائمة.
وفود المعارضة التي زارت موسكو لم تقدم تصريحات جديدة، وآلية روسيا تبدو في بعض الأحيان «محبطة» لكنها في المقابل لا ترسم ممرا إجباريا لحل الأزمة السورية، وهو أمر يبدو خارجاً عن المألوف بالنسبة لطيف واسع من المعارضة، لأنهم تسلحوا بسيناريو مدعوم دوليا وإقليميا ومضوا فيه طوال أربع سنوات، في حين اليوم أمام واقعية سياسية مختلفة كليا، وربما على الجميع التعامل معها لحل الأزمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن