الأولى

الحُديدة.. معركة مفصلية

| بيروت – محمد عبيد

خطف العدوان السعودي-الإماراتي المدعوم أميركياً على ميناء الحُديدة ومنطقتها في اليمن الأضواء عن كل ماعداه من الحروب المتنقلة في المنطقة العربية، ويعود السبب إلى إستراتيجية إعلامية تقصدتها أطراف هذا العدوان لإيهام الرأي العام العالمي والإقليمي وصُناع القرار في واشنطن تحديداً وعواصم غربية أخرى بقدرة ما يسمى «التحالف العربي» على حسم هذه المعركة بسرعة فائقة، ومن ثم الانتقال العاجل إلى فرض شروط تجعل من الحل السياسي المفترض صك استسلام توقعه حكومة الإنقاذ الوطني الممثلة للقوى السياسية الفاعلة إضافة إلى الجيش الوطني.
انطلاقاً من ذلك، عمدت ماكينة التحالف الإعلامية إلى افتراض النصر المسبق عبر تسمية العدوان المذكور بعملية «النصر الذهبي»، ومن ثم الترويج لنجاح العملية من خلال بث المعلومات الكاذبة والصور المفبركة حول مطار الحُديدة وليس ميناءها، والأهم تقديم هذه المعلومات والفبركات للمرجعيات الأممية باعتبارها دليلاً قاطعاً على إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر، والطلب إليها التحرك السريع للاستثمار السياسي الذي اصطدم بجدار الوقائع المثبتة التي قدمتها حكومة الإنقاذ لمبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث!
وهو الأسلوب ذاته الذي دأبت على اعتماده قوى العدوان الدولية والإقليمية وأدواتها الإرهابية على سورية خلال محاولاتها لجرّ القيادة السورية إلى تقديم تنازلات سياسية، بدءاً من فرضيتها إلحاق هزيمة وهمية ونهائية بالجيش العربي السوري وحلفائه منذ العام 2012 وصولاً إلى فبركة صور على أطراف مطارات مهجورة، إضافة إلى ادعاء السيطرة الكاملة على أكثر من ثلثي الأراضي السورية!
المهم أن معركة الحُديدة مفصلية لأنها صارت تختصر كل معارك محور المقاومة، والأهم أن محور واشنطن والحلفاء والأتباع يرى فيها تعويضاً عن كل الهزائم التي مُني بها في المنطقة وبالأخص في سورية والعراق ومن ثم فإن هزيمته الكاملة فيها ستكون مدوية، إلى جانب أنها ستندرج في إطار استكمال مسلسل تراجعاته العسكرية التي سيكون لها تداعيات سياسية تفرض على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب القبول بالوقائع التي ثَبَّتها محور المقاومة والحليف الروسي بعد سلسلة انتصاراته العسكرية واستثماراته السياسية فيها انطلاقاً من سورية.
والأكثر أهمية أن أسباب الاستهدافات للدول العربية والإسلامية المركزية أصبحت واضحة حتى للذين توهموا للحظة ما أننا نشهد ربيعاً «ديمقراطياً» عربياً يُبشِر بولادة أمةٍ موحدة في المفاهيم والمصالح، وأيضاً للذين حاولوا أن يصوروا الأمر على أننا نستعيد مجد «قادسية» عروبية غابرة. إذ إن الواقع يُثبِت أنه يتم إغراقنا في مستنقع من الكراهية البينية العربية والإسلامية المتبادلة خدمة للمشروع الصهيوني بإتمام السيطرة والاستحواذ على فلسطين، كذلك توطئة لتكريس النفوذ الأميركي الأحادي المطلق على سيادة هذه الدول وشعوبها ومقدراتها وثرواتها. ذلك أننا كلما انتقلنا إلى معركة مفصلية جديدة يتحرك باتجاه المنطقة الوفد الأميركي الذي يقوده جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب والموكل حصرياً من قبله بعلاقات الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منها رعاية المفاوضات بين كيان العدو الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
لذلك كله، فإن ما يجري اليوم في الحُديدة من صد واستيعاب للهجمات الأولى المتتالية لمرتزقة النظامين السعودي والإماراتي وأغلبيتهم من العناصر السلفيين التكفيريين ومعهم مجموعات من مقاتلي جنوب اليمن ومن ثم إفشال هذه الهجمات وإسقاط النصر الموعود، لم يكن ولن يكون حدثاً منفصلاً عن المسار العام الهادف إلى منع تجزئة جبهات المقاومة واستفراد كلٍ منها على حدة، إضافة إلى أنه يشكل دعماً مباشراً لصمود الفلسطينيين المقاومين خصوصاً وأن من يقود هذه الحرب على الشعب اليمني هو نفسه من يروج بالخفاء ويغطي مايسمى «صفقة القرن»!
ولكن يبدو أن ذلك لا يكفي كي يرعوي بعض الحكام الأعراب في ممالك ومشيخات الخليج ويقتنعوا بأن كلفة التسويات السياسية المباشرة مع الدول العربية والإسلامية الأخرى أقل بكثير من الثمن الذي يدفعونه للراعي الأميركي، والأخطر الأثمان التي تدفعها جميع شعوب الأمتين العربية والإسلامية على المستويات البشرية والاجتماعية والحضارية والاقتصادية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن