سورية

«مداد»: الحربُ في سورية والعراق كشفت تناقضات ظاهرة الدولة في المنطقة العربية

| الوطن

اعتبر «مركز دمشق للأبحاث والدراسات- مداد» أن الحربُ في سورية والعراق كشفت عن مؤشرات متناقضة أو متعاكسة حول ظاهرة الدولة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ما يُظهرُ ضعف الدولة وقوتها في آن، ويُبيّن التحوّل في طبيعة السياسة والدولة وفكرة الدولة وواقع الدولة، في المنطقة.
جاء ذلك في دراسة للمركز تلقت «الوطن» نسخة منها تحت عنوان «عودة المسألة الشرقية.. تحولات السياسة والدولة في الشرق الأوسط»، وأعدها رئيس القسم السياسي في المركز، عقيل محفوض، وتتقصّى أنماط أو ديناميات السياسة الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط منذ ما عُرِفَ بـ«المسألة الشرقية» أو منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، ولا تستعرض كل تلك الأنماط وإنما تركز على ما تعده خط التطور الرئيس.
ووفق الدراسة، فإن تعبير «المسألة الشرقية» يُحيل إلى السياسات الأوروبية تجاه السلطنة العثمانية، واستجابة الأخيرة لها، تحديداً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، وصولاً إلى انهيار السلطنة في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وأشارت الدراسة إلى أن الأوروبيين أطلقوا تعبير «المسألة الشرقية» على السياسات المتمحورة حول السلطنة العثمانية، كما أطلقوا تعبير «الرجل المريض» على السلطنة نفسها، ولا بد أن المقصود كان المشرق أو الشرق، اجتماعياً وثقافةً واقتصاداً أيضاً، وليس فقط السلطنة كدولة.
ورأت الدراسة أنه عندما يجري الحديث عن «إعادة إنتاج» ديناميات المسألة الشرقية، فهذا يشمل «إعادة إنتاج» للنزاعات وتفخيخ العلاقات والتفاعلات بين التكوينات الاجتماعية والثقافية والدينية وغيرها، كما بين الدول أو أشباه الدول القائمة، وبروز اتجاهات الهيمنة الإقليمية، وتأكيد طبيعة الدولة السلطانية أو الأميرية أو دول «المِلل والنِّحل»، وإجهاض إمكانية بروز دولة وطنية قوية ومستقرة، أو اتجاهات تعاون أو تضامن على مستوى الإقليم. ولفتت الدراسة إلى أن الدولة في الشرق الأوسط اتبعت مساراً قد يبدو معاكساً لمسارها في أوروبا، إذ تشكلت قانونياً وسلطوياً، ولم تتشكل مجتمعياً وثقافياً بعد، أو هي لم تتمم تشكلها الضروري هذا! ولكن هذا الانتشار للدولة أو تبنيها لم يكن بفعل إرادة التأثر والتلقي الذاتي، أي أنه لم يكن إرادياً بالأساس، حتى لو أصبح جزئياً كذلك فيما بعد.
ومن وجهة نظر الدراسة فإنه «إذا كانت الحرب العالمية الأولى ونهاية المسألة الشرقية أدّتا إلى قيام الدولة الحديثة أو ما يعرف بـ«دولة الاستعمار» في المنطقة، إلا أن طبيعة الدولة تغيرت طوال العقود التالية، وقد ظهرت «دولة ما بعد الاستعمار» أو «الدولة الوطنية»، وثم كانت «الدولة التسلطية» أو «المتضخمة»، ثم «الدولة الفاشلة» ومؤشرات انهيار الدولة، وبالمقابل مؤشرات بقاء الدولة وتعزيزها أو تأكيدها».
وأشارت الدراسة إلى التقديرات في الدراسات السياسية والاجتماعية التي تعتبر أن «الصراع في المنطقة العربية والشرق الأوسط، تحديداً ما يجري في سورية، هو بمثابة «خط الصدع» في السياسة الإقليمية والدولية، وأن مُخرجات ذلك الصراع سوف تُعبِّر إلى حد كبير عن طبيعة النظام الإقليمي والدولي في المرحلة القادمة».
وعرضت الدراسة لمصادر التهديد الرئيسية التي تشهدها المنطقة والمتمثلة بـ«اهتزاز وأحياناً انفجار الدولة وفكرة الدولة من جهة، وثباتها واستمراريتها من جهة أخرى، وبروز دور نشط للفواعل والشبكات من غير الدول، تحديداً التنظيمات الجهادية التكفيرية، والتدفقات الإعلامية والسياسية والثقافية، وتدفقات الأشخاص والموارد، وتزايد عوامل التغلغل والتأثير الخارجي، ومراجعة الجغرافيا السياسية والدولتية، وتغير فكرة الدولة والوطن والمواطنة والهوية، بما في ذلك تغيير الحدود أو إزالتها وتجاوزها من جهة وتثبيتها وتعزيزها من جهة أخرى، وارتفاع مستوى «المخاطرة» و«عدم اليقين» تجاه اللحظة الراهنة ومسارات الأمور في المستقبل».
واعتبرت الدراسة أنه وإن اتسمت السياسات في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية بالتحول والتغيير، إلا أن هناك بالمقابل مؤشرات كثيرة على استمرارية في ديناميات السياسة أيضاً؛ بل عودة إلى ديناميات صراع وتغلغل واختراق كانت سائدة قبل مئة عام وأكثر في مرحلة ما عرف باسم «المسألة الشرقية».
وختمت الدراسة بالقول: إنَّ ما يحدث في المنطقة ليس «عودة» للمسألة الشرقية أو «استعادتها» كما كانت في الماضي، وإنما «إعادة إنتاجها»، ذلك أن المنطقة لم تشهد تحولات يمكن أن تمثل قطيعة أو قطائع معرفية أو تاريخية أو سلوكية في طبيعة الدولة والنظم السياسية وديناميات التفاعل بين دول الإقليم أو التفاعل مع النظام الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن