قضايا وآراء

خريطة الطريق المعقدة

| مازن بلال

ضمن معارك الجنوب السوري اختبار جديد للعلاقات التي شكلتها الحرب، فالحفاظ على مناطق «خفض التصعيد» لا تعني في النهاية تثبيت واقع العلاقة الأميركية الروسية، بل محاولة لـ«تفكيك» أشكال التحالفات التي رسمتها سنوات الصراع على سورية، ووضع كل التفاهمات التي أوجدتها لقاءات أستانا ضمن استحقاق صعب، حيث تبدو منطقة حوران البعيدة عملياً عن كل الترتيبات التي أنتجتها أستانا ضمن محور يعيد «الدول الضامنة» نحو تفكيك الخرائط المعقدة، والتحالفات التي بدت مؤقتة ولكنها أثبتت أنها أكثر قدرة على التأثير في الحرب السورية.
كانت أولى نتائج ما يثار بشأن الجنوب السوري ترتبط بالموقع الإيراني في الشرق الأوسط، وبدا واضحاً أن العقدة الإيرانية تشكل بحد ذاتها مواجهة دبلوماسية بين موسكو وعدد من عواصم العالم، ولكن الحديث عن «النفوذ الإيراني» امتد أبعد من اتفاق الجنوب السوري، وشكل بالنسبة «للدول الضامنة» تحديا سياسيا واضحا، وكانت التصريحات الروسية توحي بأن الاستحقاق السوري يمر بمرحلة حرجة، لكن الأمر في عمقه انعكاس لمسألتين أساسيتين:
– الأولى هو تحول الدول الضامنة من مرحلة ترتيب الاتفاقيات العسكرية إلى تنفيذ مقررات مؤتمر سوتشي وتفعيل اللجنة الدستورية، فالزوبعة بشأن إيران لم تؤثر في دورها في اجتماعات جنيف بشأن الدستور.
إثارة القضية الإيرانية ظهرت كتفصيل في مسألة إنهاء الوجود المسلح في حوران والجولان، لكنه في المقابل أخفق في تعطيل المسار الجديد لـ«أستانا» الذي بدأ يضغط على المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بشأن التفاوض السياسي والسير نحو جولات جديدة بين الأطراف السورية، وبعد لقاءات جنيف بين الدول الضامنة ودي ميستورا بشأن الدستور أصبح الحديث عن الجنوب السوري مختلفا، فالعامل الإيراني لم يغب كليا لكن تسليط الضوء نحو الحكومة السورية، والحديث يدور عن «الحشود» الموجودة على تخوم مدينة درعا.
– المسألة الثانية مرتبطة بالتعقيد في العلاقات داخل الأزمة السورية بذاتها، فالحديث عن إيران في الجنوب تزامن مع ترطيب الأجواء بين تركيا والولايات المتحدة بشأن منطقة منبج في الشمال السوري، وفي كلتا الحالتين بقيت أنقرة وطهران ضمن المساحة نفسها داخل الأزمة في سورية.
عمليا فإن الاضطراب الذي شهدته العلاقات تجاه إيران وتركيا خلال الشهر الماضي لم يؤد إلى تحولات عميقة، وبقي التوازن في التحالفات كما هو مع هامش ضيق للتأثير يخص الأكراد تحديدا، فالاتفاق الأميركي التركي بشأن منبج يشكل في أحد مستوياته صراعا روسيا أميركيا داخل التحالفات التي رسمتها الأزمة السورية، ولكنه بالتأكيد لن يقود نحو عودة تركيا إلى الدور نفسه الذي لعبته منذ عام 2011، وبالنسبة لإيران فإن زوبعة الجنوب السوري كانت ضمن حلقات الضغوط المرافقة لإلغاء الرئيس الأميركي التزاماته بشأن الاتفاق النووي.
كل الاختبارات السابقة على مستوى العلاقات داخل الأزمة السورية لا تقود إلى نتيجة نهائية، فهي تحركات ضمن حالة العجز عن إنتاج حلول نهائية، ورغم أن موازين القوى باتت أكثر وضوحا مع انحسار الوجود المسلح باتجاه مناطق «محصورة» في الشمال والجنوب، فإن رسم خريطة طريق لنهاية الأزمة مازال يتسم بالتعقيد وبعدم القدرة على استيعاب «سورية المستقبل» داخل ميزان الشرق الأوسط كله، فمحاولة «شطبها» من المعادلات لم تنجح، وفي الوقت نفسه هناك تخوفات من أي دور يمكن أن تشكله رغم الحرب والإنهاك المستمرين حتى الآن، فخريطة الخروج من الحرب مازالت عالقة داخل صراعات دولية لا تملك تصورات لأي نظام شرق أوسطي جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن