ثقافة وفن

المولوية بين الشيوخ والمريدين أسلوب فكر وحياة … ارتباط دوران المولوية بمنظومة الكون وإعراض عن التمسك بالدنيا

| منير كيال

تعتبر كلمة مولوي من أسماء الأضداد، وهي نسبة إلى مؤسس الطريقة المولوية جلال الدين الرومي المولوي الذي عُرف باسم مولانا، ومن ثم أطلقت التسمية على الطريقة الصوفية المعروفة باسم المولوية، كان لهذه الطريقة انتشار واسع بالدولة العثمانية حتى زاد عدد تكاياها عن 3600 تكية بهذه الدولة.
كان جلال الدين الرومي بارعاً بالعلوم العقلية والنقلية، ويؤم حلقة درسه العديد من الطلاب والمريدين، أخذ جلال علومه عن والده ثم أكمل دراسته بحضور حلقات الدرس بحلب ودمشق، ولما تعرف جلال الدين على الشيخ حسام الدين شلبي، بدأ جلال الدين فترة حاسمة بالتصوف والتأليف والتصنيف.

وقد ذكر لي الشيخ فائق المولوي شيخ الطريقة المولودية بدمشق عندما التقيت به عام 1965 م بمقر الطريقة بدمشق، أن بناء تكية السادة المولوية بدمشق يعود إلى الشيخ محمد قرطل دادا المولوي، الذي كان يتعبّد مع بعض الأتباع والمريدين في خربة صغيرة عند موقع بناء التكية المولوية الحالي، المقام عليه بهذه الأيام الجامع المسمى: جامع المولوية الواقع إلى الشمال الشرقي من بناء محطة القطارات التي كانت تربط مدينة دمشق بالمدينة المنورة، حيث تنطلق عربات القطار إلى الديار المقدسة حاملة الحجاج لأداء فريضة الحج بأمان.
ومما قال الشيخ فائق المولوي إنه ذات مرة، بينما كان مصطفى لالا باشا بطريقه إلى الحرب، جمح به حصانه لدى اقترابه من تلك الخربة، فلما استجلى مصطفى لا لا الخبر، وعرف أن بتلك الخربة زاهداً يتعبد الله مع عدد من المريدين، تقدم من الزاهد وطلب منه الدعاء بالنصر فأعطاه الزاهد قميصه وقال له: «اذهب على بركة الله، ولما عاد مصطفى لا لا منتصراً طلب إلى الزاهد أن يطلب منه ما يشاء، فكان أن طلب ذلك الزاهد من مصطفى لا لا، أن يجري للدراويش جراية (مبلغاً من المال)، وأن يبني للزاهد ومن معه مكانا يتعبدون به.
بذلك كانت نواة التكية المولوية بدمشق فلما كان زمن مشيخة الشيخ عطاء الله المولوي، قام بشراء الأراضي المجاورة للتكية القائمة، وجعلها وقفاً للدراويش بالطريقة، وفي زمن مشيخة الشيخ سعيد بن عطاء الله للطريقة، جرى إصلاح البناء، كما جرى تشييد بعض الأبنية المجاورة لدراويش الطريقة، ثم عمد الشيخ شمس الدين بن سعيد المولوي إلى هدم البناء القديم للتكية، وبنى بناء جديداً لا يزال قائماً إلى اليوم.
وقد انحصر تنصيب شيخ مولوية أي تكية مولوية بيد الشلبي سليل أسرة الشلبيان، وكان مركزه بقونية في الدولة العثمانية. فلما انسلخت بلاد الشام عن الدولة العثمانية إثر الحرب الكونية (العالمية) الأولى، أصبح هذا المركز بحلب.
وعندما يشغر منصب شيخ المولوية بأي تكية، يذهب ابنه الأكبر إلى مقر إقامة الشلبي، فينتظر ثلاثة أيام، ثم يقابله الشلبي ويحوله إلى الخدمة بالمطبخ مدة تتراوح بين تسعة أيام وتسعة أشهر، ومن ثم يقابله الشلبي، وبعد أن يستحم يلبس مراسم الاستقبال، ويحضر معه العمّة (الدستار) الخاصة لحفل التنصيب (التكريس)، ويكون هذا الحفل بميدان المولوية، فيتصدر الشلبي الحفل، ويحضره دراويش التكية، فيجثو المرشح بين يدي الشلبي على ركبتيه، فيتوج الشلبي المرشح شيخاً لتلك التكية بإلباسه المرشح العمة (الدستار) الخاصة بذلك، ويعلن الشلبي إجازته للمرشح شيخاً.
الانخراط بالطريقة

إذا رغب إنسان الانخراط بسلوك الطريقة المولوية، يطلب الإذن بذلك من شيخ التكية، فيسمح له بمتابعة حلقات الذكر التي تعقد ليلة الإثنين وليلة الجمعة من كل أسبوع، وخلال ذلك يعمد الميدانجي (الشاويش) والدراويش إلى التأكد من سلوك راغب الانخراط وسمعته وطويته، فإذا تأكد الشيخ من حسن ذلك، يسمح لذلك الراغب بالانخراط بصفوف المريدين، ويطلب إليه إحضار الجبة الخاصة بذلك (الخرقاية) وكذلك لباس الراس (الكلاة). وبعد فترة يُعلن الشيخ موعداً للاحتفال بقبول ذلك المريد بصفوف دراويش التكية المولوية، ثم يقلد الشيخ ذلك المرشح السكة (لباس الرأس) وبعد أيام يولم الدرويش الجديد لدراويش التكية بطعام يسمى ملح الطريقة (الممالحة) وبذلك يصبح ذلك الدرويش الجديد أخاً لجميع دراويش التكية، وكان لبعض دراويش التكية المولوية مهام ينفرد الواحد بها، ومن أهم هذه المهام.
– الميدانجي: وهو الشاويش المناط به التحري عمن يرغب في الانخراط بالطريقة.
– العشي باشي: ومهمته ضبط حركة الدراويش خلال الدوران.
– وهناك النياظان وهو عازف الناي.
– والقدوم خان وهو عازف النقارات للإيقاع خلال الدوران.
– وأخيراً النعت خانة، ويكلف بقراءة الدعاء.

لباس المولوية
وللمولوية لباس خاص بهم، وقد تعددت التفسيرات لهذه الملابس وإلى ما ترمز، فهناك: السكة أو الكلاة (القلنسوة) وهي مشابهة للطربوش لكنها أطول، ولونها بني فاتح، وهي من وبر الإبل أو اللباد، كما أنها ترمز خشونتها إلى شظف الحياة، ويلبس السكة الدراويش، أما الشيوخ فإنهم يلفون على هذه السكة عمامة خضراء يطلق عليها الدستار.
ومن هذه الملابس رداء قصير بلا أزرار، ويرمز إلى أن لباس الدنيا قصير، وهناك حزام على الوسط عريض يضبط التنورة من وسطها. أما التنورة، فهي لباس ضيق بين الكتفين حتى الوسط ثم يتسع فيصبح كالقمع، ويرمز إلى أن لباس الدنيا فضفاض، وهناك المست، وهو خف ينتعله الدرويش عند الدوران ومن هذه الملابس: الجبة، وهي رداء أسود ضيق يلبسه الدرويش فوق ملابسه، ويرمز هذا السواد إلى العزوف من ملذات الدنيا.
وأخيراً الخرقاية، وهي جبة عريضة الأكمام فضفاضة، تنم عن أن رداء الدنيا سريع الزوال، ويلبس هذه الخرقاية عادة الشيوخ والدراويش والداداوات قبل السماع والدوران.

مجلس المولوية
ينعقد مجلس المولوية ليلة الإثنين والجمعة من كل أسبوع، كما ينعقد بالمناسبات الدينية، ومنها ليلة الإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، وليلة المولد النبوي.. كما ينعقد هذا المجلس بالمناسبات التي تكون للأثرياء، ما كان منها للأفراح أو للأتراح.
ففي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، تسهم الطريقة المولوية مع الطرائق الصوفية الأخرى بدمشق بإحياء هذه الليلة، فيولم شيخ التكية للدراويش بطعام إفطار، ومن ثم ينعقد مجلس للمولوية بمقر التكية، فإذا انتهى ذلك المجلس (الذكر) يخرج شيخ التكية والعشي باشي والدراويش من التكية بموكب شعبي يرافقه جمهور كبير من المواطنين، والناس على جانبي الطريق للتحية والفرجة، فإذا وصل الجميع إلى دار التغلبي بمحلة السبع طوالع، يشارك دراويش المولوية ذكر آل التغلبي بالدوران، ثم يخرجون إلى دار آل اليافي بالقوّافين قرب الجامع الأموي، فيشاركونهم بالاحتفال والذكر على نحو مشاركتهم لآل التغلبي، ثم يتوجهون من دار آل اليافي إلى دار الشيخ غزال ثم إلى دار آل العيطة ومنها إلى دار القضماني في محلة ستي رابعة بالقيمرية للمشاركة بالاحتفال وبعد ذلك يتسحرون عندهم، وبعد السحور يتوجهون إلى المسجد الأموي للمساهمة بالاحتفال الرسمي تتويجاً للمشاركات التي أشرنا إليها، ويكون ذلك في دورتين من الدوران، تكون الدورة الأولى من الدوران من دون موسيقا ويطلقون عليها دورة السحر، أما الدورة الثانية فهي مع الموسيقا إلى حين دخول شيخ التكية الدوران.
ومن مجالس المولوية انعقاد مجلس إذا أتمّ شهر رمضان الثلاثين يوماً مع الطرائق الصوفية الأخرى، أكان ذلك بالذكر أم بالدوران، وذلك عصر يوم الثلاثين من شهر رمضان، كما يشاركون بتلاوة الأوراد والأذكار والتراتيل والتكبير والمدائح النبوية، والتوديع لشهر رمضان ولعل من المفيد أن نتوقف بهذا البحث عند مكنونات دوران المولوية بكون الدوران ثلاث دورات حول محيط قاعة الأذكار، وهذا ما يعرف بدورة سلطان ولد نسبة لابن جلال الدين الرومي، وتكون هذه الدورة على إيقاع الدف والناي، وبعد تحية الشيخ بالانحناء قليلاً، يعاود الدوران.
وهذا الدوران يرتبط بمنظومة دوران الكون فالقمر يدور حول الأرض والأرض تدور حول نفسها وحول الشمس، والمسلمون يدورون حول الكعبة، وهذا الدوران يكون من اليسار نحو اليمين.
وعند بدء الدرويش بالدوران تكون يداه على صدره حتى كتفيه، وأصابعه مفتوحة، وهذا تعبير عن أن الدرويش ممسك بالدنيا إلى صدره، ولكن يديه تنزلقان شيئاً فشيئاً، فتخرج الدنيا من صدره ويديه، ثم يمد الدرويش يديه بامتداد كتفيه، ويرفع يده اليمنى ويبسط كفه، وهذا كناية عن طلب المغفرة، من الله تعالى، فإذا جعل الدرويش يده اليسرى منخفضة قليلاً، وكفه نحو الأسفل، فإن المراد من ذلك الإعراض عن التعلق بالدنيا.
وتكون قدم الدرويش اليسرى ثابتة بالأرض، للدلالة على الثبات على الحق، والقدم اليسرى ترفع لاستمرار الدوران، حيث يستغرق الدرويش بمعرفة ذاته، وتلمس تهذيبها، أما وجه الدرويش أثناء الدوران، فهو يتجه نحو يده اليسرى للدلالة على الإصرار على عدم التعلق بالدنيا.
وإذا كان الدرويش وهو بحالة الدوران منسجماً مع نظام الكون، فإنه يحاول أن يعود إلى ذاته ويتعرف إليها، وهو في ذلك الدوران يتحرك بالبدء في محيط دائرة مركزها شيخ الطريقة، لكن هذه الدائرة سرعان ما تتحول إلى شكل إهليليجي، بحيث يكون الدرويش في دورانه منجذباً نحو الشيخ وإلى زميله الذي يدور إلى جانبه ليحافظ على المسافة بينهما.
ويكون الشيخ في بدء دورانه وسط الحلقة وهو يتحرك نحو اليمين أو اليسار بحيث لا يطأ خط الوسط الذي يرمز إلى الصراط المستقيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن