ثقافة وفن

عندما صممنا على صناعة الأغنية السورية أخفقنا … رضوان نصري لـ«الوطن»: الموسيقا شديدة التأثر بالأحداث العامة.. وحقوق الموسيقيين مهدورة

| سوسن صيداوي

معشوقته وحيدة، اختارها من قمة هرم، منحها من كلّ الروح، لأنها فعلا الروح العابرة في النفوس، أسرته، وتمكّنت من استحواذه، فاعتنق حبها نهجا حياتيا، يسير دؤوباً وبكل جهد من دون كلل أو ملل كي يحقق الوصل. نعم أنها موسيقاه ومن خلال عهده لها، يبذل يوميا ما لا يقل عن ثماني ساعات، كي تبادله العطاء بمنحه نوتات عذبة، ساحرة، شكلّها برفق وعناية كي يكوّنا أعذب الأغاني والمقطوعات. إنه الموسيقار الشاب رضوان نصري، فمن عمق الوجع والألم وبعد نزاع داخلي حارق، فارق شامه التي عانق عبق ياسمينها ثيابه ولم يفارقه، كي يعود بعدها مجدداً وعداً لا يمكن أن ينكثه، ناثراً لدمشق أعذب الألحان وأكثرها شجنا، فلقد استطاع نصري من عمق الأحزان وبعد طول انتظار، أن يبوح بما يؤرق روحه لشامه عبر أغنية «ويمر بي طيفها» والتي اختارها عشاق الياسمين الدمشقي وكل محبي سورية لتكون نشيداً وطنياً، يصوغ مدى حبهم لبلدهم الذي سيبقى نابضاً مهما اختلفت الآراء أو المواقف. مبدع الموسيقا التصويرية الدرامية، في البدء كان لاعباً محترفاً لكرة القدم في فريق الجيش، وكانت الموسيقا مجرد هواية، لكن شاءت الأقدار فأصبحت محبوبة، ومن خلال آلته البيانو أطلق موسيقات تصويرية لقائمة تطول وحازت العديد من الجوائز العربية والعالمية، البداية كانت بفيلم سينمائي مع المخرج نبيل المالح، إضافة إلى فيلم إيمائي بطولة بسام كوسا بعنوان «فلاش»، ثم اتجه إلى الأعمال الكوميدية مع المخرج هشام شربتجي، بعدها تحول إلى التراجيديا، ولكن النقلة النوعية في مشواره بالدراما السورية من خلال مسلسل «نزار قباني» الذي حقق شهرة عربية وعالمية وسوقت موسيقاه عالميا، من أعماله والقائمة تطول: أسرار المدينة، رجال تحت الطربوش، أنشودة المطر، عائد إلى حيفا، وشاء الهوى، أبو زيد الهلالي، عناية مشدد، العراب، خاتون، صدر الباز، الأخوة، الأميمي، قلوب صغيرة، حريم الشاويش، هارون الرشيد، وردة شامية، إضافة إلى أعمال مصرية كـ: أدهم الشرقاوي، جمال عبد الناصر، كاريوكا.
التقينا الموسيقار رضوان نصري وتوقفنا معه عند الكثير من المفاصل المهمة وإليكم الحوار:

في الآونة الأخيرة شاهدنا عملين في الموسم الرمضاني من تأليفك الموسيقي، الأول «وردة شامية» من إخراج تامر إسحاق وإنتاج شركة «غولدن لاين»، حدثنا عن ظروفه الموسيقية؟
بالنسبة لمسلسل وردة شامية، الأسلوب الموسيقي فيه كان بعيداً تماماً عن البيئة الشامية، فلأول مرة تُستخدم موسيقا الرعب والموسيقا التشويقيّة الغربيّة بمسلسل بيئة شامية، وجرت العادة أن يكون اللعب على الموسيقا التراثية القريبة والمناسبة لهذه البيئة سواء من حيث الآلات أو الأجواء، على حين ما أنا قدمته من موسيقا تصويرية خلال المسلسل ليس له علاقة بالبيئة بتاتا، فالأحداث بمحيطها بواد والموسيقا بوادٍ أخر، ولكنها على الرغم من غرابتها فهي مناسبة، والأمر الطبيعي بأن يستغربها الجمهور بداية، ولكنه مع المتابعة أحبها، وبعدها ارتبطت الموسيقا بالمسلسل وأصبح من غير الممكن أن يرى الجمهور المشهد من دون الموسيقا، وبالنتيجة فإنه لأول مرة حققت ما أسميّه مسلسل «تشويقي شامي» أو«تشويقي بيئي». وأضيف هنا إنني سعيد بهذه التجربة لأنها خلقت تحدّياً ولاقت استحسان الجمهور وحصد المسلسل متابعة كبيرة.

مشاركتك الثانية لهذا الموسم بمسلسل«هارون الرشيد» وهو من إنتاج الشركة ذاتها.. السؤال: معروف عن المسلسلات التاريخية بجمودها، وفي العادة موسيقاها تقتصر على آلات محددة.. ولكن هنا لم يكن الطرح تقليديا.. حدثنا أكثر عن العمل؟
بصراحة بسبب كثافة الأعمال التاريخية لم يعد للجمهور أي حافر لمشاهدة أي منها، ومن البداية كانت رؤية كل من المخرج والشركة المنتجة أن يكون مسلسل «هارون الرشيد» مقدماً بطريقة مختلفة وجديدة، والذي تمّ العمل عليه مثلاً وعلى سبيل اختيار الشخصيات، لم يُخيّل للمشاهد أن من يجسّد شخصية هارون هو الفنان قصي خولي، لأن النص يتطلب شخصاً حاد الملامح بعكس الفنان خولي الذي ملامحه عصرية بشكل كبير، ولكن تمّ العمل على هذه التركيبة لجذب المشاهد، إذا أصبح هناك لغة جديدة للمسلسلات التاريخية لاستدراك نقطة مهمة جداً وهي أن الأجيال تغيرت، فالذي كان يتابع هذه النوعية من المسلسلات وهو في التسعينيات والثمانينيات لم يعد هو نفسه أو بالعقلية نفسها، ومن جهة أخرى حتى الجيل الذي يتابع اليوم عقليته مختلفة، والأخير يتوجه دائماً ويجذبه ما يمكننا تسميته بأسلوب العرض والظهور الـ«show»، ولن يقبل بالتاريخي القديم الكلاسيكي، ما تطلّب منا البحث عن عناصر جاذبة له، ومن ثم حاولت أن أطور ما تم طرحه في السابق من حيث الآلات وغيره، ما تطلب مني-و قبل البدء بالعمل-أن أقوم بمتابعة العديد من الأعمال العالمية للسنوات الخمس الأخيرة، كي اكتشف اللغة الجديدة المستخدمة في هوليود، فهم ناجحون باستخدام آلات عصرية توظيفها بشكل صحيح في الأعمال التاريخية، ومن خلال متابعتي لأعمالهم سعيت كي أستفيد من تجاربهم، وحاولت أن أقدم ما يخاطب العصر، وفي الوقت نفسه أن يكون الأسلوب الموسيقي جميلاً، وفي النهاية من خلال بحثي ودراستي استطعت العمل بطريقتهم المعاصرة نفسها، وتمكنت من خلق لغة جديدة بالموسيقا التصويرية للمسلسل، وتم تنفيذ الموسيقا بطريقة عالمية من خلال العزف بطريقة الأوركسترا أو الـ«live»، كما تتماشى تماماً مع الرؤية الجديدة التي تحدثت عنها أعلاه.

إلى أي حدّ تدخل شركة الإنتاج أو المخرج في عملك؟
بالطبع لا يتدخلون إلا في إطار أو حدّ معين، فأنا لدي رؤية وخاصة للعمل من خلالها، وإلا فلماذا أنا موجود معهم إن لم أحقق الرؤية الموسيقية الإخراجية الخاصة بي، وهنا أحب أن ألفت النظر إلى أن الموسيقا التصويرية سُميت كذلك، لأن لها دوراً كبيراً في الرؤية الإخراجية للعمل، وإذا غابت عن المشهد فلن يكون له أي طعم أو تأثير مهما كان المخرج بارع باللعب على الأحداث وإخراج المشهد. وبالعودة للسؤال.. إذا كان هناك تدخل من المخرج أو شركة الإنتاج، فيجب عليهم أن يحضروا شخصاً اسمه «منفذ موسيقي» كي يعمل وفق ما يروه، وبالنسبة لي يكون دائماً هناك اتفاق بيني وبين المخرج ومن قبل المباشرة بالعمل على الرؤية أو الصيغة، وفي النهاية لكل موسيقي لون كما أنه يعمل وفق مدرسة معينة، ومن ثم هم يعرفون أسلوبه الموسيقي وما يريدونه، وبالنتيجة تكون كل هذه الأمور محلولة.

كيف تتعامل مع الضغط النفسي من حيث ضرورة الإنجاز في وقت محدد؟
بصراحة هذا الموسم كنت أعمل على العديد من الأعمال ولم تُعرض كلّها، فهناك أعمال مؤجلة، حيث عملت على أربعة أعمال ولكنها تأجلت، وتم عرض عملين، «وردة شامية» الذي كان منجزا ولم يُعرض للعديد من الأسباب التي أصحبت معروفة للكثيرين، وقبل رمضان الماضي عدّلنا بعض الأمور وجهّزنا المسلسل للعرض، وقررنا الظهور بالطريقة التي تحدثت عنها سابقا. وبالعودة لموضوع الضغط، لقد أصبح جزءا مني، وأصبحت مبرمجا بأنني قبل رمضان بثلاثة أو أربعة شهور أدخل بحالة من الاستنفار أو بحالة عصبية يجب ضبطها، وحتى جسمي أخذ يتغير ليتماشى مع طريقة تفكيري في هذه الفترة، بل أشعر بأنني أصبحت رجلاً خارفاً وعلي تحمّل كل الأعباء، وأن أنجح، إذا أصبحت قادراً على برمجة هذه الحالة.

الملاحظ أنك من خلال الدراما تقوم بواجب التعريف بالأصوات السورية الشابة أمثال: عادل جراح ونيرمين شوقي ونيرمين ملوحي، ما تعقيبك؟
لقد أصبحت الدراما النافذة الوحيدة لمعظم الفنانين الذين يعملون بالغناء، بل أصبح العازفون والموسيقيون معروفين لدى الجمهور من خلال الدراما، هذا طبعا لأن تبني الأغنية في سورية متوقف ومعطل لأنه لا يوجد لدينا شركات إنتاج، ما دفع أغلبية المطربين للتوجه إلى الدراما التي من الممكن أن تقدم لهم النجاح والانتشار. وبالنسبة للأصوات التي ذكرتها، أنا دائماً أبحث عن خامات شابة كي أستفيد منها والعكس صحيح، والمفاجئ أن لدينا خيارات تكاد تنافس الأصوات التي تعمل عالمياً، ولكن للأسف أصواتنا الشابة مغمورة وغير معروفة، فصرت أقول لنفسي: لماذا لا تكون هذه الخامات معروفة لكل الناس. وبالفعل من خلال أغاني المسلسلات أصبح الجمهور يعرف نيرمين شوقي وعادل جراح ونيرمين ملوحي، إضافة إلى أسماء كثيرة تعاملت معها، حتى إنني قمت بتصوير الحالة الموسيقية-غير الشارة-نفسها، على طريقة الفيديو كليب كي يشاهدها الجمهور، الأخير الذي يستمتع ويشاهد المسلسل البالغ ثلاثين حلقة من دون أن يتعرف على كمية الجهد المبذول أو على مقدار الصعوبة التي نواجهها في الأعمال، أو أن يعرف من الجنود المجهولون الذين يعملون بكد كبير؟

في مرة سألت السؤال التالي نفسه وأحب أن أسمع إجابتك: هل أنت راض عن شركات الإنتاج… بمعنى هل العقد ضامن لحق الموسيقي؟
السؤال يثير قضية مهمة، وهي أن العقد بيننا وبين شركات الإنتاج غير موثق بطريقة تجعل الحقوق المدرجة مضمونة، وبالفعل نحن نعمل على أساس الثقة، ومن الممكن ألا تلتزم الشركة بالعقد، والأمر الآخر الذي يضر بالموسيقي هو أن يدخل في قضايا ومحاكم قد تأخذ وقتا طويلا جدا، ويمكن في النهاية ألا يستوفي حقه. هذا وإذا أرادت شركة الإنتاج أن تهضم حقي فهي قادرة، فالوضع خطير لكنه متأرجح ووارد بطبيعة الحال. وبالنتيجة نحن في هذه المواضيع بحاجة إلى الحماية الفكرية التي تحمي كل هذه الأمور، فمثلا أنا كموسيقي أحمي عملي في الخارج، عن طريق-ولو بمقابل مادي-إرسال أعمالي إلى شركة اليوتيوب المتعاقد معها، أو إلى بعض نوافذ التواصل الاجتماعي، وبالمقابل أنا مرتاح لأن أعمالي محمية من السرقة من أي جهة عالمية، حيث باستطاعتهم وفي أي بلد في العالم أن يوقفوا السارق وتتم محاسبته.

إذاً كلامك يتطابق مع الجملة التي قلتها مرة: الكثير من الموسيقيين حقهم مهدور… السؤال: هل ما زالوا كذلك؟
بالطبع نحن الموسيقيين في بلادنا حقنا مهدور من حيث تقييم الموسيقا ماديا، لأنا نتعب كثيراً مع شركة الإنتاج بالوصول إلى صيغة تفاهم ومن ثم اتفاق حول المستوى الموسيقي المطلوب وتكلفته المقدّرة من رأس المال، وأننا غير قادرين على العمل تحت حد معين. وما أحب توضيحه هنا أن أسلوب عملنا يقوم على ما يمكنني أن أسميه «إيجار الموسيقا»، بمعنى في الغرب يدفعون بالفعل ثمن الموسيقا، على حين نحن نقوم بتأجيرها، هذا الفرق بين المفاهيم عالمياً ولدينا، وللتوضيح أكثر مثلا عند شراء مسلسل تركي، هم لا يبيعوننا العمل بيعاً قطعياً، بمعنى الشركة المنتجة تقوم بتأجيرنا العمل لمدة مثلا خمس سنوات، ولكن بعدها تعود ملكية المسلسل للشركة، لأننا ببساطة لا نستطيع دفع تكاليفه التي تصل للمليارات، وخاصة أن المسلسل قد يمتد إلى مئتي حلقة، وتكلفته تشمل فنيين وممثلين ولوكيشينات وموسيقا… إلخ. الأمر يمتد إلى كل الأعمال الأميركية والمكسيكية وغيرها من الأعمال ذات المستوى.

مرة قلت: حكمتي التي أنتهجها في حياتي الموسيقية، أنني عربي أعشق شرقيتي فمهما تغربت جملتي أعد بها إلى أصالتي»… في بداية سني الحرب كنت اعتكفت عن العمل.. اليوم ما نظرتك لسورية وللحرب… وماذا تقول؟
صحيح. حتى إنني في أول عامي الأزمة انقطعت عن العمل تماما، وكنت أقف بين نزاع في قرار بين السفر أو البقاء، في الفترة الأولى كنت مقيما في مصر، وأعمل في بعض الأعمال هناك، وقررت أن أبقى فترة، وقتها كانت الأجواء المصرية تعاني من عدم الاستقرار كما كلنا تابعنا الأحداث، ولكن نزاع الأشخاص مختلف عن نزاع الحروب، وفي بلدنا سورية كان النزاع مختلفا عن مصر، وعزّ عليّ كثيراً أن أرى ما آلت إليه الأحوال في سورية، فالموسيقي شديد التأثر، فأغلب أعماله ونوتاته مأخوذة من مشاهداته المحيطة للناس وحركاتهم وسهراتهم وهكذا، وأنا من هنا استقطب موسيقاي، وهذه الحالة فقدتها في سورية، واعتكفت وبقيت في المنزل، وفقدت الروحانية، فضاقت المسافة عليّ والأفق اضمحل وصرت أشعرت بالاختناق، فقررت بأول عامي الأزمة التوقف، حتى إنني فكرت بأن أغير مهنتي، لأنني شعرت بضياع كبير ولم أعد أجد ما يشبهني، بقيت حالي هكذا إلى أن أحد المخرجين والدائمي التواصل معي استجرني كي أعمل معه، فعدت إلى سورية الوطن على أساس أن أعمل هذا العمل ومن ثم أتوقف وأعود إلى مصر، ولكنني علقت. وهنا اكتشفت حالة ثانية للبلد، وشعرت بأنني أستطيع أن أعمل أمرا كان غائبا عني وقد آن أوانه، والأمر هو أن أقدم الأغنية الوطنية التي فيها شجن، فبرأيي الموسيقا تتفوق على السياسة والاقتصاد وعلى كلّ الأمور لأن الموسيقا أصبحت مادة يومية لا يمكن الاستغناء عنها بتاتا، إذا وجدت أن الموسيقا يمكنها العمل والتوفيق بين الكثيرين من الأطراف، بالطبع استغرق العمل مني وقتاً طويلاً، وكان عُرض علي الكثير من النصوص، ولكنني لم أشعر بأنها مناسبة، ومن ثم جاءني نص أغنية «ويمر بي طيفها» لمسلسل عناية مشددة، فشعرت بأن هذه «اللقطة» هي التي يمكن أن أعمل عليها واستمر، وهي نفسها التي يمكن أن تقدم إلى كل سوري وحتى عربي وعندما يسمعها يشعر بالحنين إلى سورية والشام، وأنه من الممكن أن يعم الوفاق من جديد، فعلا آمنت بها، وتحقق إيماني، فأي سوري بالمهجر وحتى اللحظة عندما نسأله عن هذه الأغنية يقول بأنها لن تفارقه في حياته، وتحولت إلى نشيد وطني لكل السوريين.
أهذا لأنك ربما منحت نص الأغنية الكثير من روحك وألمك ووجعك مما تشاهده من معاناة الأزمة السورية؟
بالفعل.. بقيت نحو ثلاث سنوات حتى تمكنت من إظهار ما يدور في خلدي وقلبي من خلال هذا النص، وكنت دائماً أتعرض للانتقادات، ولكن كان ردي عليهم بأن هناك وجعاً ما ومن خلال طرحه ستتغير تركيبة الناس أو طريقة تفكيرهم، وبالفعل هذه الأغنية استطاعت أن تغيير من تركيبة وذهنية بعض الناس، حتى إنني دائماً كنت أفكر بأن أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» أو أغنية «سورية يا حبيبتي» ما السر بهما وتذهب السنوات وتأتي وكل فنان يعيد تقديمها وتلقيان رواجا من الجمهور، وكل الناس تتمجد بهما، الأمر الذي دفعني إلى دراستها كي أستطيع أن أقدم مثلها ولكن بطريقة توافق العصر، فكانت أغنية «ويمر بي طيفها».

إذاً من خلال أغنية أنت تؤكد مدى قدرة الموسيقا في مداواة جرح أو خلق الإنسان وتوحيده… ما تعقيبك؟

بالطبع الموسيقا تتفوق على كل الثقافات، فهي رأس الهرم الفني، وجاءت من الطبيعة من لحظة وجود أول إنسان على الأرض، فدّبة قدمه وخطواته هي بحد ذاتها موسيقا، وعندما اخترع الكلام والمنادات للغير، وحتى الحيوان صوته يختلف في حالاته بين اللعب واللّهو والخوف، فمن هنا قرر الإنسان أن يشكل موسيقا، وبعدها قلّد الأصوات وترياً أو عبر آلات.

إذاً علينا أن نستغل الموسيقا أكثر في تهذيب الأطفال وبناء الإنسان؟
هذا مؤكد.. ولقد كان متبعا في فترة من الفترات في الثمانينيات أو التسعينيات، ففي تلك المرحلة ظهرت مجموعة من أغاني الأطفال مثل ريمي بندلي وماجدة الرومي وبعض الفنانين المصريين، كانت أغاني الأطفال مادة مهمة جدا، وحتى نشاطاتنا في منظمة الطلائع والشبيبة انطلقت من أغاني مهمة وكانت عالقة في ذهنية الكثير من الأطفال والأهالي ولكنها اليوم وللأسف اختفت تماما، على الرغم من أنها مادة تهذيبية وتربوية، قادرة على منحه العاطفة والتفكير الحسن، ولهذا نلاحظ أن جيل عشر السنوات السابقة هو جيل ميكانيكي أكثر، وفقير العاطفة، والأمر الأخطر بأن الطفل أخذ يرفض الاستماع إلى أغنية الطفولة، بل اهتمامات توجهت إلى أغاني الكبار، وأصبح يستهوي نوعية من الأغاني هي بحد ذاتها فعلها كالسم المدسوس والمقصود كي يتم توجيهه بطريقة مغايرة لما تربينا عليه، ويمكنني هنا ذكر حادثة حول تأثير الموسيقا فينا، في مرة كان يصعب على أصدقائي حفظ بعض المواد الدراسية فقمت بتلحينها لهم، والأمر الجميل بأنهم سرعان ما حفظوها، وللأسف اليوم فاتتنا الكثير من الأمور وعلينا اللحاق بسرعة لاستدراك ما فاتنا.

هل يمكننا أن نراك بمشروع للأطفال؟
الأمر وارد وكنا ننادي به كثيرا، ولكن وللأسف قلة اهتمام المؤسسات بأن تقوم برصد ريع أو حتى خطة تدفعني للتراجع عن الفكرة، فالاهتمام قل، وفي السابق كان هناك مقاطع ملحنة يسمعها الطفل ويحفظها، لكن في المنهاج الدراسي الحالي اختفى ذلك، فلو أن وزارة التربية تسعى أن يكون لكل منهاج موسيقي «سيديه» مرفق معه كي ننشر الوعي الموسيقي بشكل أكبر. ومن جهة ثانية حتى الإعلام المحلي والتلفزيون مقل جداً في حصة الأطفال، والاكتفاء بنوعية محددة من البرامج الكرتونية، مستغنين عن البرامج التفاعلية مع الطفل القائمة على المسابقات والأغاني والهوايات هكذا، وللأسف أصبح طفلنا السوري يتوجه نحو المحطات العربية ويتابع برامج الهواة مثل«the voice kids» والتي هي غربية بالأساس ومسيّسة وهم مخططون ومن البداية من سيستحق اللقب، فهذه البرامج مؤذية لعاطفة الطفل، وتسبب له الاكتئاب بما تخلقه بالنفوس من أمور سلبية محزنة.
وأحب أن أشدد على ضرورة أن يكون التلفزيون المحلي أكثر فاعلية في هذا الموضوع، بتقديم برامج مدروسة وهادفة، وبفرد مساحة جيدة، فهذا سينعكس على المؤسسات الأخرى التي ستهتم أيضاً بالأطفال لأن التلفزيون بدأ يستقطب، فمن خلال برنامج ناجح سيتحقق الأمر كالدراما تماما، عندما نجحت عدة مسلسلات، أصبحت كل المؤسسات تتراكض نحو الإنتاج، وهذا الأمر طور الدراما.

في موضوع آخر لماذا الأغنية السورية لا تنجّح محلياً… فالشاعر ناجح وكذلك الملحن والمغني ولكن ليس في سورية؟
هذا السؤال مهم وخطير، في مصر لم يعملوا على تسمية الأغنية المصرية بل كانوا يسمّونها الأغنية العربية. لا يوجد شيء اسمه أغنية سورية أو أغنية مصرية أو… إلخ، وبرأيي عندما صممنا على العمل على شيء اسمه الأغنية السورية فشلنا، لأنه عندما يتم العمل على نطاق أدوات بسيطة يختلف الأمر عما إذا عملنا على نطاق أدوات عربية واسعة، فالأمر الأخير مُغني أكثر، ولهذا الأمر أصبحت الأغنية السورية فقيرة أو ربما ماتت، فالمطرب السوري إذا أراد أن يعمل أمرا مهما على الأقل يذهب إلى لبنان أو إلى مصر، لأن الأدوات هناك عربية، على حين نحن أدواتنا بقيت بسيطة، والأمر يشمل الأغنية الشعبية السورية، التي لاقت رواجا في سورية وفي بعض مناطق لبنان فقط، ولا يمكننا القول إنها لاقت رواجا في مصر أو الخليج أو المغرب، إذاً الأغنية التي تُغنّى وتنتشر هي الأغنية العالمية.

هل سنشهد لك عروضاً موسيقية مسرحية في المستقبل؟
هذا الأمر أتوقف عنده كثيرا، أنا لست برجل متطلب ولكن الانطلاق بمشروع كهذا يحتاج إلى التفكير ودراسة كل الإمكانات، وخاصة أنه عليّ أن أقدم نفسي بطريقة تليق بي وبفني ورسالتي، فمثلاً أنا لا أستطيع أن أقدم عرضا مسرحيا والأجهزة الصوتية غير مكتملة، أو المهندسون ليسوا على قدر من الكفاءة، لأننا سنصادف أثناء العرض المباشر العديد من المشاكل والمطبات الصوتية، أنا ذكرت هذا كمثال فقط، وما بالنا بالأمور الأخرى. الأمر ليس بسيطاً بل يحتاج إلى ميزانية، وهنا أحب أن أطرح سؤالا: لماذا في البلدان العربية المجاورة متفوقون علينا من حيث الصوت والإضاءة وبناء المسرح وفي كل التفاصيل؟. يجب أن نفكر بطريقة مختلفة وأن نقدم أنفسنا بطريقة لائقة، وربما إذا قمنا بمشاركة المال الخاص من خلال الشركات الخاصة، سيتم تقديم ميزانيات مناسبة قادرة على تخديم العروض بشكل جيد، وفي النهاية إن تحسنت الأحوال وكانت المبادرات بالفعل جادة فسأكون مهتماً جداً ومن أول الأشخاص المبادرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن