ثقافة وفن

واللـه تليق بك الشهادة يا شام…سورية حامية حمى ثقافة المقاومة وثقافة الاستشهاد لمن آمن بالإبداع مقاومة وبالكلمة سلاحاً

شمس الدين العجلاني : 

00 حين أقول الشام أعني سورية بحدودها الطبيعية، وحين أقول سورية أعني دمشق وحين أقول دمشق أعني العرب والعروبة000 أعني دمشق التي تتوضأ بالعروبة خمس مرات في اليوم، دمشق التي يتقن أهلها صناعة واحدة فقط هي صناعة العروبة، وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا على يديها0
دمشق المرأة المولودة من عبق الياسمين، وتغتسل بماء الورد.. المرأة الوحيدة في الدنيا التي تفتح ذراعيها لتضم آلاف العشاق وملايين الهائمين.. هي الأرض الطاهرة التقية النقية موطئ قدم كل محب وتضم لصدرها كل هائم على وجه الأرض…

الشهيد
(الشهيد).. اسم من أسماء اللـه الحسنى، والشهداء ليسوا أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، والشهيد يشهد ويشاهد مكانته في الجنة في ذات اللحظة التي تنبثق من جسده أول قطرة من الدماء!.. للشهيد عند اللـه ست خصال: يغفر له أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويحُلَّى حُلّة الإيمان، ويُشفَّع في سبعين إِنسان من أقاربه.
والشهيد حسب رواية الرسول ( ص): «ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من كرامة الله».
والمقاومة والشهادة توءمان، لا يفترقان وخيار المقاومة بالدم الاستشهادي، ومن خلال العمل الاستشهادي لحماية الوطن والدفاع عن الدين والعرض والمال والبنون. والقتال بالسلاح والكلمة والكاميرا دفاعاً عن الشام حق مشروع وواجب مفروض على كل أبناء الوطن.
المقاومة بالكلمة والبندقية لا ترتبط بلحظة عابرة، ولكنها روح تسري، وتترسخ فينا، فتتحوّل إلى ثقافة تنعكس على سلوكنا وأفعالنا.
الدفاع عن وطننا ومقاومة الإرهاب يجمعان الناس على اختلاف مذاهبهم وإثنياتهم وانتمائهم.
المقاومة بالكلمة فعل تغيير وعامل من عوامل تغيّر الكتابة العربيّة وتغييرها. و‏التحرّر من هيمنة الخارج جزء من مهام المقاومة بالكلمة.
كما نحن بحاجة ماسة إلى بندقية الجندي، نحن أيضاً بحاجة أكثر إلى إبداع المقاوم بالكلمة لأن المقاومة بالكلمة هي أمضى وأقوى، ولها دورها الفعال على الصعد كافة، وهكذا آمن الشهيد ثائر العجلاني، وأدرك سر الكلمة المقاومة في وجه كل طغيانهم، وابتدع تعابير جديدة وأفكاراً جديدة وشهر كاميرته وآمن بقول السيد المسيح: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللـه» فقاتل الثائر بكاميرته وكلمته قتالاً يوازي ويفوق قتال البندقية..
آمن ثائر العجلاني بثقافة المقاومة والشهادة وأنها ثقافة لا تخضع لمجموعة من القوانين والقواعد، ولا يمكن ضبطها بقاعدة وخطوط حمراء، وإنما هي تعبير حر عن أحاسيس ومشاعر وحالات إنسانية ووجدانية وإبداعية.
وعمل الثائر بكل ما يملك من حس إبداعي وقوة جسدية وفكرية للمحافظة على الهوية الوطنية، فوضع لنفسه رؤية وخطة إستراتيجية موجهة وليست ارتجالية أو آنية، ترتكز على مقومات الصمود والحفاظ على تاريخنا النضالي وإرثنا الحضاري بكل الطرق والإمكانات والسبل المتاحة بالصورة والكلمة، من أجل مجابهة المخططات لاقتلاعنا من جذورنا ومحو هويتنا.
إرث ثقافي وطني كبير يعبق في ثنايا الشهيد ثائر مفاده، من أراد أن يقرأ التاريخ فهو محكوم أن يقف أمام سورية، ولا بد له أن يسمع وطء أقدام سورية على صفحات التاريخ من الخليقة الأولى حتى أيامنا هذه.

المقاومة ثقافة
المقاومة والدفاع عن الوطن ضد الإرهاب العالمي القادم إلينا على أجنحة بعض العرب وأميركا ومن لف حولهما ليسا بالسلاح وحده، فتلك وظيفة الجيش والمقاومة الشعبية… بل المقاومة أيضاً بالفكر والثقافة.
سعت الإدارة الأميركية والدول الحليفة لها ومنها بعض الدول العربية إلى نشر ثقافة الخنوع والاستسلام، وبذلت جهوداً مضنية لتحقيق هذا الهدف، وقد أعلنت وزيرة خارجية أميركا في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عن إقامة شرق أوسط جديد، أي إقامة دويلات صغيرة تعتمد على الدين في تركيبتها، وبالتالي تتجزأ المنطقة لتصبح أكثر ضعفاً وخنوعاً واستسلاماً… وما يقلق هذه الإدارة ثقافة المقاومة، ثقافة المقاومة التي منبتها سورية.
وجاءت الفرصة لها عندما اخترعوا الربيع العربي وسُمّي هذا التحرك الإرهابي في سورية أنه «ثورة»، وتدفقت أموال النفط العربي على ما اصطلح تسميته «الربيع العربي»، وتم استيراد المرتزقة من جميع بقاع الدنيا لتحقيق حلمهم بالإطاحة برأس سورية، ما حصل في بعض الدول العربية كان جُلّ اهتمامها أن ينتقل ذلك إلى سورية، مهد ثقافة المقاومة، والبلد الذي تمتع بالاستقرار والأمان لسنوات طوال، والبلد الذي يعتمد على ذاته، ولديه نوع من الاكتفاء الذاتي على الصعيد الاقتصادي، ولا يترتب على شعبه أي مديونية خارجية.
وكانت سورية بالمرصاد لكل ذلك، رغم أن الإدارة الأميركية قامت بتحريحك رموزها داخل الساحة السورية، بعدما دمّرت العراق واليمن وليبيا، والدول الأخرى على الطريق.
ورغم مرور قرابة السنوات الخمس على هذا العدوان الإرهابي على سورية، إلا أنها لم تغيّر من مواقفها الوطنية والعروبية الأصيلة، ولم تتنازل عن ثقافة المقاومة، بل واصلت دعمها للمقاومة، ودافعت عنها، ورفضت كلّ الإغراءات مقابل هذا التنازل.
المقاومة بالفكر والثقافة، والمقاومة بالسلاح ضرورتان متلازمتان ومتكاملتان، فالأولى بذرة الثانية، والثانية ثمرة الأولى، علينا واجب تسخير جهودنا وإنجازاتنا وتعزيز حضورنا لنخوض معركتنا أيضاً بسلاح الثقافة الوطنية. فلا بد من استخدام سلاح الكلمة من فن ومقالة كحقل داعم معرفي وإنتاجي من أجل خدمة الدفاع عن الوطن، وثقافة المقاومة، هي ثقافتنا فكراً وممارسة.
لقد آن الأوان للمثقفين والمبدعين أن ينتجوا لنا لوناً آخر وثقافة أخرى، يبعدوننا بها عن الخطاب «المبستر» الذي أبعد الكثير منا عن إعلامنا، آن الأوان للمثقفين والمبدعين أن ينتجوا لنا قصة ورواية ومسرحية ومسلسلاً تلفزيونياً وقصيدة وأغنية ورقصة ولوحة منحوتة تستند إلى تراث سوريتنا وأديانها وثقافاتها وتعزز روح الانتماء والاعتزاز بالهوية.
ثقافة المقاومة جزء بل أكثر من المقاومة بالبندقية، ولا بد لخطابنا الوطني أن يمارس فعله الثقافي وينغمس أكثر فأكثر في مواجهة التحدي الذي يجتاحنا في كل مفاصل حياتنا.

سورية والمقاومة
سورية ليست داعمة وحاضنة لثقافة المقاومة والشهادة، بل هي نبع للفكر المقاوم، وأرض الشهداء الأبرار، هي الحصن المنيع للمقاومة والحصن المنيع بدماء أبنائها لرد الغزاة والطغاة، هي مهد الثقافة المقاومة ومهد الشهداء على مرّ القرون والتاريخ، وكانت عاصمتها دمشق صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في التصدّي لكلّ المؤامرات والغزوات، واجهت كلّ الطغاة والطامعين واللصوص والرعاع.. وسقط شهداء كثيرون وهم يتصدّون ويدافعون عن الشام..
سورية صاحبة مبدأ ثابت وصلب، ولا تخشى من أحد، سورية حامية حمى ثقافة المقاومة وثقافة الاستشهاد، وتدفع سورية ثمناً باهظاً ولكنها في النهاية هي المنتصرة، لأن الحق، ومهما طال الزمن ورغم كلّ التضحيات الكبيرة في الدفاع عنه، سينتصر.

لماذا عشقنا الشهادة يا شام
عشقنا الشام والشهادة على تراب الشام لأن أرضك يا شام.. أرض الديانات انطلق منها العلماء والفلاسفة والقادة ورجال الدين والأدباء والشعراء…. أنت يا شام من ضممت بين ذراعيك بولص الرسول ومن أرضك انطلق للعالم أجمع يدق ناقوس السلام والمحبة، من أرضكِ يا شام شد الرحال إلى أصقاع الدنيا لإقامة أول دولة عربية جبارة، وفي الأندلس سطرت إلياذتك الخالدة في العبقرية والحضارة والحب الإلهي..
من أرضك فاح عطر الياسمين ليعشش في كل أرجاء الدنيا.. وفي أرضك أنتِ أرض الديانات تداخلت العبقرية والأسطورة والخيال لتصنع سيفك الذي جاب الدنيا ودافع عن العرب والعروبة، والإسلام والمسيحية وصنع الحضارة وسطر التاريخ وحير الدنيا وكان سراً من أسراركِ.. أنتِ سر وأسرار سفر مفتوح له بداية وليس له نهاية..
عشقنا الشام والشهادة على تراب دمشق، لأن اسمها مشتق من الناقة الدمشق، لأن اسمها مشتق من اسم بانيها دماشق بن قاني، لأن اسمها مشتق من المسك المضاعف، لأن اسمها مشتق من البطل الأسطوري (دمسكوس) ابن الإله (هرمس)،… لأن الآراميين سموها درمسق، لأنها مدينة العازر، لأنها مدينة النعمان السرياني، لأنها بيت الإله رامون، لأنها جلق وجيرون، لأنها دمشق الشام، دمشق التاريخ، دمشق العرب، وإرم ذات العماد وحضارة الروم وحصن الشام وباب الكعبة وفسطاط المسلمين والعذراء وقاعدة وادي سورية والفيحاء والغنّاء، لأنها ملتقى المسيحية والإسلام، لأنها جنة اللـه في الأرض.
لأنها الأميرة الآرامية الآشورية.. الأموية العباسية الفاطمية.. التي مر على أرضها الكنعانيون، الحيثيون، البابليون، الفرس، الإغريق، الرومان، النبطيون، البيزنطيون، العثمانيون، الفرنسيون…

وتليق بك الشهادة يا شام
يخوض الآن صحفيو بلدنا حرباً ضروساً على الغربان والعربان، على إرهاب الأجنبي والأعراب، ويواجهون أكثر من 400 وسيلة إعلامية تعمل أبواقاً سامةً في وجه عروبة وحضارة سورية، يدعمها بترودولار الخليج..
قضى من قضى من صحفيي سورية شهيداً خلال الأعوام الماضيات وقدمت الصحافة السورية قافلة من الشهداء الذين حملوا أرواحهم ودماءهم على أكفهم رخيصة في سبيل الوطن.. ولم يزل القلم السوري يقاتل ويقاتل… ولم يزل الصحفي السوري يستمر في تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه في الدفاع عن الوطن.
وابني ثائر هو واحد من هؤلاء الصحفيين الذي ارتقوا بقلمهم إلى جنان الخلد، كان يقاوم بسلاح الكلمة فكان يقض مضاجعهم خوفاً وهلعاً..
يا شام تليق بك الشهادة وما دامت السماء تمطر والأرض تبرعم والشمس تشرق فلا بد لنا أن ننتصر، وسيأتي السحاب وينزل المطر، ويأتي الربيع الحقيقي في بلادنا.
نحن الآن في زمن الانكسار والإحباط، في زمن الاعتلال والاختلال والعبث، نحن الآن في زمن الشهادة..
أيها القلم قاوم… أيها الحبر لا تجف بين أيدينا، الوطن بحاجة إليك… ونحن قادمون… مقاومون… منتصرون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن