الأولى

الجنوب.. معركة بأبعاد كثيرة

| بيروت – محمد عبيد

سقطت كل التهديدات الإسرائيلية بمنع الجيش العربي السوري وحلفائه من قوى محور المقاومة خوض معركة تحرير جنوب سورية، كما تراجعت معها كل التحذيرات الأميركية بخلط أوراق الميدان وفتح مسارب التحرك لفلول «داعش» وتمكينها من العودة لتهديد أطراف هذا الجنوب.
فمعركة التحرير على وشك الانطلاق بكامل طاقاتها، والتوقعات الميدانية تشير إلى إمكانية حسمها في فترة زمنية غير بعيدة. ذلك أن الغطاء السياسي والدعم اللوجستي الذي وفره العدو الإسرائيلي للمجموعات الإرهابية طوال سنوات الأزمة في سورية، صار اليوم عبئاً ثقيلاً على هذا العدو نتيجة إخفاق هذه المجموعات في تعزيز مساحة انتشارها على أطراف الجولان المحتل وبالتالي تثبيت الشريط العازل الذي ينقل المواجهة مع كيان العدو من تحرير الجولان إلى استعادة هذا الشريط، بعدما تم ترحيل قوات الأمم المتحدة «الأندوف» التي كانت تشكل الخط الفاصل مع قوات الاحتلال الإسرائيلية. لذلك سارعت حكومة العدو إلى استباق معركة تحرير الجنوب السوري باتصالات مكثقة مع الجانبين الروسي والأميركي وأيضاً مع الأمم المتحدة بهدف إعادة الأوضاع في تلك المنطقة إلى ما كانت عليها قبل العام 2011، ما يعني التسليم المسبق بهزيمة مشروعها بإنشاء وتكريس الشريط العازل والأهم التراجع عن شروطها بضرورة إبعاد حلفاء الجيش العربي السوري من قوى المقاومة مسافات محددة عن مناطق انتشار جيشها المحتل. مع الإشارة إلى أن إستراتيجية «الصواريخ» التي اعتمدتها قوى المقاومة وتحديداً منها حزب اللـه في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية أسقطت الحاجة إلى تماسٍ مباشر مع جيش العدو إلا في حال فَكَّر في اجتياح أي أراض عربية تتحرك فيها المقاومة، وعندئذ تسقط كل الاعتبارات التي تمنع المشاركة المباشرة لقوى المقاومة في صد مثل هذا الاجتياح.
من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى الاستثمار السياسي في معركة الجنوب السوري من خلال الإعلان عن عدم رغبتها في الاستمرار في دعم المجموعات الإرهابية في هذه المعركة، وبالتالي الإيحاء بأنها تريد التخلص من هذه المجموعات لمصلحة التركيز على تعزيز المدخل الممكن للمشاركة في الحراك السياسي حول الأزمة في سورية وهو تمتين وجود قواتها وإمساكها ببعض المفاصل الحدودية بين العراق وسورية.
تعلم واشنطن أن رعايتها ودعمها المباشر وبالوساطة عبر حلفائها وأتباعها في المنطقة للمجموعات الإرهابية على اختلاف توجهاتها وتسمياتها، إضافة إلى إشرافها على تكوين حالات عرقية أو مناطقية في المجتمع السوري ومحاولة تحويل كل هذه الحيثيات الزائفة والظرفية إلى وقائع ثابتة ودائمة بهدف ابتزاز القيادة السورية وحلفائها، كل ذلك لم ولن يمكنها من حجز موقع متقدم لها في الحل السياسي المفترض إذا لم تقدم تنازلات في أكثر من موقع إقليمي ودولي ولأكثر من طرف شارك في معركة إلحاق الهزيمة بالحرب الكونية على سورية.
ولا تقتصر تداعيات معركة تحرير الجنوب السوري بامتداداته الغربية والشرقية على الأميركيين والإسرائيليين والإرهابيين، بل ستطول أطرافاً أخرى بحكم الواقع الجغرافي كالأردن الذي راوح على حَدِ التورط الإجباري في الأزمة في سورية حيناً والانكفاء الحذر عنها حيناً آخر.
لاشك أن الخوف من انفلات الداخل الأردني كان أهم العوامل التي دفعت بنظام الملك عبد الله إلى الوقوف على هذا الحد واتباع سياسة الترقب وانتظار النتائج النهائية للحرب على سورية ليبني عليها سياساته المستقبلية وليؤسس لتموضع مختلف يتناسب مع مقتضيات صمود سورية. لكن الأهم والأبرز أن النظام الأردني يحتاج أكثر من غيره إلى نصر ساحق للجيش العربي السوري وحلفائه تكون أحد تداعياته إسقاط مشروع «صفقة القرن» الذي من المحتمل أن يستهدفه قبل غيره.
المهم أن المحاولات الأميركية-الإسرائيلية لم تفلح في ثني القيادة السورية وحلفائها عن قرارها الحاسم تحرير الجنوب السوري، كما أنها لم تنجح في إيجاد شرخ بين القوى الدولية والإقليمية الحليفة لسورية أو حتى إظهار أي تباين بينها يمكن أن يؤخر أو يؤجل عملية التحرير هذه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن