ثقافة وفن

كأس العالم يسحب البساط من الدراما … المشاهد لا يلام إن ترك المسلسلات لأجل المباريات لأن معظمها تدور في الفلك نفسه

| وائل العدس

لا نعرف أيهما أسوأ حظاً، الدراما أم كرة القدم؟ فالشهر الكريم حمل معه عشرات المسلسلات المتنوعة، وفي الوقت نفسه جاء إلينا بيومه الأخير ببطولة كبيرة لا تأتي إلا مرة واحدة كل أربع سنوات.
لكن من حسن حظ صناع الدراما هذا الموسم، أن انطلاق المونديال ترافق مع عرض الحلقات الأخيرة، ومن سوء حظهم أن معظم المتابعين فضلوا متابعة جنون الكرة في البطولة على متابعة نهايات الأعمال الدرامية، وخاصة أن كثيراً منها امتد لأكثر من ثلاثين حلقة.
واعتادت الدراما سنوياً حشد العائلة أمام التلفزيون لمتابعة أحداث مسلسلاتها خلال الموسم الرمضاني، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهي مراكب منتجي الدراما، في ظل عرضها مع المونديال مسبباً بذلك إرباكاً واضحاً ظهر جلياً على مواقع التواصل الاجتماعي.
الجزء الثاني من مسلسل «عطر الشام» امتد سبعاً وثلاثين حلقة، وتألف «حريم الشاويش» من 24 حلقة، أما «رائحة الروح» و«وردة شامية» فتألفا من 33 حلقة، على حين تألف «هارون الرشيد» و«فوضى» و«الغريب» و«وهم» من 32 حلقة.
الدراما ستتأثر بشكل أو بآخر بسبب أي بطولة كروية، لأن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى، ويعشقها الصغار والكبار، لكن تكرار المسلسلات طوال العام جعل المشاهد في حالة ارتياح لتأكده من مشاهدته للعمل نفسه أكثر من مرة، أما إقامة كأس العالم كل أربع سنوات فقد جعل المشاهد يرتبط بها.

إغراءات للجمهور
إذاً، شهد اليوم الأخير من شهر رمضان المبارك صراعاً محتدماً بين فريقين قويين، الأول فريق الدراما الذي ينتظر عاماً كاملاً حتى يحين موعد الموسم الدرامي، والثاني فريق الكرة الذي يتأهب لمتابعة سحر المستديرة في بطولة تضم نخبة المنتخبات في العالم، ولستُ أدري أي الفريقين ظفر بنسبة عالية من المشاهدة، وإن كنت أرى أن لا مفر أمام الفضائيات وشركات الإنتاج الدرامية من تلقي بطاقة حمراء ضريبة تشابكها مع السباق الكروي.
وعادة ما تأتي الآراء متفقة إلى حد ما على أن كأس العالم يتفوق على الدراما، لما تحمله الكرة المستديرة من إغراءات للجمهور، ولاسيما أن مواقيت عرض المباريات يمتد من العصر حتى الليل الذي يعد وقت الذروة بالنسبة للقنوات الفضائية التي اعتادت تخصيصه لأعمال درامية قوية، تمتلك مقومات جذب المعلن.
عدوى المنافسة انتقلت إلى الشاشات بين مشاهد يتحمس ليشجع فريقه ولاعبه المفضل، وبين آخر يتسمر لرؤية ممثله ومسلسله المفضل، وعندها بدا التنافس حاداً في البيت الواحد.
وأمام الكم الكبير من الأعمال الدرامية التي تزدحم بها القنوات التلفزيونية تأبى اللعبة الأكثر شعبية في العالم إلا أن تمد عنقها على المشاهدين لتقسمهم إلى قسمين، قسم يخفق قلبه إثر كل تمريرة لكرة أو تسديدة، وقسم يدق قلبه توجساً لنهاية غير متوقعة لبطله المفضل، وهنا تبدأ المشكلة ولاسيما إذا كان ذلك البيت لا يتوافر إلا على «ريموت كونترول» واحد، يبدأ الصراع غير الودي ولاسيما بين الأنثى والذكر، فالأولى تريد أن تشاهد أبطالها المفضلين في لعبة الدراما لتكمل مسلسلها إلى آخر حلقة، أما الثاني فلا يمكن أن يتنازل عن مشاهدة بطله المفضل في لعبة الكرة ليكمل مشوار منتخبه وبطله إلى صافرة النهاية.

ميزة الإعادة
أصبحت الدراما تحظى بميزة «الإعادة» التي تعتمدها القنوات الفضائية، سواء خلال الموسم الرمضاني نفسه، أو في الأيام التي تليه، ولذلك أعتقد أن إعادة المسلسلات ستعطي الجميع فرصة متابعتها، وإن كانت خارج إطار رمضان، ولذلك ربما لا تؤثر في المباريات، ذلك يعني أن الجمهور قادر على متابعة المونديال والدراما في آن واحد، في ظل انخفاض كمية الإنتاج الدرامي العربي لهذا العام، مقارنة مع السنوات الماضية.
ربما يكون جمهور كرة القدم مختلفاً تماماً عن جمهور المسلسلات وإن كانت هناك شريحة قليلة من هذه النوعية تحب الكرة أيضاً، لكن الإيجابية في الموضوع أن المسلسلات تعاد في اليوم مرتين وأكثر، كما أن المسلسل الواحد يعرض على أكثر من قناة، منها مثلاً عمل يعرض على أكثر من عشر قنوات في عشرة تواقيت مختلفة، ما يفسح للمشاهد خيارات متعددة في اختيار التوقيت المناسب.
وبالتأكيد فإن المسلسلات غير الحصرية هي التي نجت من التأثر، لأنها تعاد أكثر من مرة على أكثر من قناة، وهذا بالتأكيد يخفف من وطأة الخوف من التأثير، لكن في النهاية لا أحد يستطيع إنكار أن هناك تأثيراً حدث بسبب مباريات كرة القدم.
ولكن إن اضطر المشاهد دعم كفة الكرة، فإنه يستطيع متابعة مسلسله المفضل عبر شبكة الإنترنت، وتحديداً عبر موقع اليوتيوب الشهير الذي يمثل ذاكرة أخرى للدراما، على حين لا يمكن لعاشق ولهان للكرة أن يتابع مباراة ما بالإعادة بعدما عرف النتيجة، لأنه فقد بذلك عناصر المفاجأة والتشويق والحماسة والمتعة.

المرتبة الثانية
ولم تحظ الدراما هذا العام بموقع الصدارة كما كان سابقاً، في ظل وجود مباريات كأس العالم، التي أخذت حيزاً كبيراً من الجمهور الذي ينتظرها كل أربع سنوات، وخاصة أن طبيعة توقيت بث المباريات لعب دوراً في سحب البساط من تحت أقدام الدراما.
وأتت الدراما في المرتبة الثانية، ولاسيما أن معظم الأعمال تعاد مجدداً إما في رمضان، أو بعده، ولا ألوم المشاهد إن ترك الدراما لأجل المباريات، لأن معظم الأعمال الدرامية باتت تدور في الفلك نفسه، من حيث تناولها للقضايا المطروحة، ولم يعد فيها شيء جديد.

وأخيراً
يجب أن تكون لدينا دراما خارج رمضان، لستُ ضد أن تعرض دراما انتقائية في هذا الشهر ولكن من الظلم حشوه بعشرات المسلسلات، بغض النظر إن صادف بطولة كروية أم لا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن