ثقافة وفن

هل تغني القراءة الالكترونية عن الكتب؟ … القراءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي .. نافذة جديدة لطرح موضوعات مهمة

| هبة اللـه الغلاييني

القراءة ثقافة معرفية وفكرية وأساس بناء الأمم والحضارات، وهي الوسيلة الأولى التي اعتمدت عليها البشرية من دون شك، ولكن اتضح مؤخراً أن نسبة القراء باتت تتراجع إلى الوراء، حيث يعزو البعض سبب ذلك إلى وجود مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون إلى أسباب أخرى. منهم من يرى أن هذه الوسائل أسهمت في تقديم معلومات ومحتوى رقمي بشكل ملخص ومختصر مقارنة بالكتب الورقية، لذا يرون أنها وسيلة في غاية السهولة والبساطة ولا تكلف أي أعباء، إضافة إلى سرعة تلقي الأخبار والمعلومات. من جهة أخرى يرى آخرون أن القراءة الحقيقية، تكمن في الكتب بما تحمله من دقة في الوصف وتفاصيل عميقة وتأثيرات عقلية إيجابية يكتسبها الشخص في لحظة القراءة. فهل تقدم وسائل التواصل الاجتماعي كل تلك المزايا للقارئ؟ وهل فعلا كان ظهورها سببا في تراجع الناس عن القراءة والاكتفاء بتلك المواقع الالكترونية؟

تراجع القراءة

ترى الكاتبة مروة عبيد أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن سببا في تراجع القراءة، وتعلل ذلك بالقول: إن هذه الوسائل نافذة جديدة وبارزة لطرح مواضيع تهم القارئ بشكل مختصر ومفيد، ليسارع في البحث عن معلومات أكثر عمقا وتوسعا في الموضوع نفسه من خلال العودة لمراجع وكتب موثوق بها، فضلا عن دورها البارز والمهم في تسهيل عملية البحث عن عناوين كتب جديدة عربية وعالمية، كما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في الترويج للكتاب ومؤلفه، حيث أصبح العديد من روادها يعبرون عن آرائهم في الكتب التي قرؤوها بطريقة تفاعلية تسهم بالتعريف بهذه الكتب، وإدارة النقاش حولها لتشجيع الغير على قراءتها، إلى جانب إسهام مستخدمي هذه المواقع في ترشيح أفضل الكتب من خلال التطبيقات والحسابات المهتمة بالكتب لغيرهم من المتابعين والمهتمين بالثقافة والقراءة.
وعن دور القراءة وتأثيرها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تقول مروة: لاشك في أن القراءة عبر هذه الوسائل باتت وسيلة مهمة جداً لإثراء العقل بالمعارف والعلوم وتبادل المعلومات والآراء وطرح أفكار جديدة مع الآخرين بسهولة وسرعة، لما فيها من مواضيع مختصرة تكسب القراء معلومة مفيدة، وهي منافذ غير تقليدية لبيع الكتب وتبادلها، وأصبحت ملتقى للمثقفين للاطلاع ومناقشة مختلف الكتب والمواضيع المهمة والمتداولة أو الساخنة في الوقت الحاضر. أما الكتب الورقية فهي مهمة جداً للارتقاء بالفكر والذات والتعمق بالمعلومات التي تهم القارئ.
وفيما يتعلق بالطرق والوسائل التي من شأنها تعزيز ثقافة القراءة تقول عبيد: إن تعزيز ثقافة القراءة بين أفراد المجتمع بجميع فئاته، بات أمراً ضرورياً وملحاً في عصرنا هذا، إذ تسهم القراءة في نقلهم نحو عوالم جديدة وفتح المجال أمامهم للتعرف إلى ثقافات وعادات مجتمعات أخرى. وهناك العديد من الطرق التي تسهم في تعزيز القراءة في المجتمع، ومن أبرزها الحملات التوعوية عن أهمية القراءة بين الأطفال واليافعين وأولياء الأمور، وإنشاء العديد من المشاريع الثقافية التي تستهدف جميع الفئات والقطاعات المجتمعة الداعمة لنشر عادة القراءة بين جميع أفراد المجتمع.

سرعة المعلومات

يرى الكاتب الكاتب وليد طاهر (رسام ومؤلف قصص أطفال) أن شكل ونمط القراءة باتا مختلفين عما كانا عليه، إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت البديل الآخر، موضحاً ذلك بقوله: (لا شك في أن القراءة تأثرت بعد أن ظهرت هذه الوسائل التي أسهمت في تسريع عملية الإيقاع وتداول المعلومات بسطور بسيطة، حيث إنها تحقق غاية القراءة ولكن بشكل مختصر ومفيد).
ويوضح طاهر أن القراءة الالكترونية باتت وسيلة يفضلها الكثيرون، ولكن ما زال هناك شق آخر من القراء متمسكا بالكتب الورقية، إذ يقول: إن القراءة عبر الانترنت وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الوسيلة التي يعتمد عليها بعض القراء، ولكن هناك في المقابل من يتمسك بالكتاب الورقي الذي اعتاده منذ سنوات، فالمسألة تعتمد على خيارات الناس والأفضلية.
ويؤكد طاهر أن القراءة أساس المعرفة والفكر والحضارات، لذا يجب أن تقوم الجهات المختصة بتكثيف جهودها لإطلاق برامج ونقاشات بشأن هذا الأمر، معقباً: أعتقد أن جلسات النقاشات الحوارية لها دور كبير بالتأثير في أفراد المجتمع للارتقاء بمستوى فكري وتعليمي عال، وأن تكون تلك المنصات النقاشية في المدارس والجامعات أو الإعلام بشكل عام، وهو الأمر الذي سيجعل الكتاب أكثر تفاعلاً في تناول المسائل التي من شأنها خدمة الحقلين الثقافي والأدبي ومواكبة عجلة التقدم والتغيير باستمرارية.
من جانب آخر تبدي الكاتبة سحر محفوظ مؤلفة كتب أطفال رأيها بهذا الشأن قائلة: لا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي وما تبعها من تطبيقات تأخذ عقل الصغار والكبار، وأثرت في البعض منهم، فهي تعتمد جميعها على سرعة الخبر ونشر المعلومات التي تكون في معظمها مغلوطة، مما يسمح للشباب نشر أفكارهم ومتابعة أفكار غيرهم وطريقة معيشتهم. ربما نفعت الناس في التقارب ومعرفة مختلف الحضارات، ولكنها أدخلت حتما عادات سيئة في المجتمع.
وتضيف سحر: بعض هذه المواقع مخصصة لمحبي القراءة والكتب والمعلومات المفيدة، وهي دون شك تلبي حاجة الشباب بالتزامن مع وتيرة حياتهم السريعة، ولكنها لا تثري العقل بالشكل الكافي، ولا تلبي احتياجاته من الفهم والتركيز والاستيعاب، فإنها لن تغني وتثري العقل والذات كالكتب الورقية.

تعزيز ثقافة القراءة

وفي حديثها عن كيفية تعزيز القراءة للأجيال الناشئة تؤكد سحر أن: تعزيز ثقافة القراءة لدى الناس تبدأ منذ الصغر، في مراحل التطور الأولى للعقل والعادات الشخصية، فالطفل عندما يعتاد قراءة قصة قصيرة ومحدودة ثم يطور نوعية وكم القصص، فهو يعتاد طريقة وأسلوب حياة يعتمد فيهما على الكتاب كوسيلة مهمة من وسائل المعرفة والترفيه على حد سواء، ربما يأتي هنا دور الأهل في تشجيع أطفالهم على اقتناء القصص التي تنمي مخيلتهم وتشد اهتمامهم، فتصبح عند الطفل عادة البحث عن القصص التي يرغب في الاطلاع عليها، وبذلك نساعد في تعزيز ثقافة القراءة.

ليست ظاهرة حقيقية

يؤكد الكاتب زيد عوض أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت سببا في تراجع الناس عن القراءة، إذ يبرر ذلك بالقول: أعتقد أن ظاهرة تراجع الناس عن القراءة سواء على المستوى العربي أم العالمي، ليست ظاهرة حقيقية من الممكن أن تستند إلى ظهور هذه الوسائل. ولكن في الواقع المسألة بدأت في التطور في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات مع ظهور قنوات تواصل جديدة للأجيال التي صعدت آنذاك، فمع توافر أجهزة الكمبيوتر في كل بيت أولاً، ثم انتشار قنوات الأقمار الصناعية على التلفاز، أصبحت الوسائل البصرية المباشرة تطغى على رغبة القراء في نسج ما يقرؤونه على صفحات الكتاب في مخيلتهم.
ويتابع زيد: (إذا تطرقنا للحديث عن تأثير هذه المواقع، فهي أسهمت بأكثر من طريقة في تراجع رغبة القراءة عند الأجيال الجديدة، وأهمها أن طبيعة هذه الوسائل تحتم سرعة نشر وانتقال المعلومات، ما يؤدي إلى تشتت في انتباه المستخدم، وبما أن الكتب الورقية تفرض التركيز، فالنتيجة النهائية هي أن جيلاً جديداً نشأ مع جميع المعطيات الخاطئة لاحترام القراءة الصحيحة).

ويضيف زيد: إن هذه الوسائل سلاح ذو حدين وعملة ذات وجهين، لربما تثري العقل بالمعلومات المهمة أو تؤثر فيهم بشكل سلبي عبر المستنقعات المزيفة والوهمية بعيداً عن الحقيقة.
ويوضح قائلاً: يمكن أن يكون لهذه المواقع الدور في إثراء العقل بأمور عامة ومهمة في آن واحد، لكونها وسيلة تتميز بسرعة توفير المحتوى وبالمعطيات كافة ولكن في المقابل يمكن أن تؤثر هذه الوسيلة في المستخدمين بصورة سلبية، وذلك بما يتداول من شائعات ومعلومات مزيفة، مما يقلل من انتباه القراء ونشأة جيل يفتقد موهبة التفكير الانتقادي، حيث أصبحنا في زمن نفتقر فيه إلى سبل التمييز بين الصحيح والخطأ. وعلى الصعيد العلمي فإن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن القراءة عبر الكتب الورقية لها مميزاتها الخاصة، منها المساعدة على الحفاظ على الذاكرة والقدرة على التركيز واستيعاب المحتويات.
وفيما يتعلق بآلية تعزيز القراءة يؤكد زيد: إن مسألة تعزيز ثقافة القراءة يجب أن تبدأ من المنازل والمدارس أولا بزرع حب القراءة منذ الصغر من خلال اقتناء مجموعة كبيرة من الكتب التي تساعد على إنماء وتوسيع مخيلة الأطفال، مستمرين بعد ذلك في اقتناء الكتب المناسبة لكل مرحلة من العمر، وتعزيز ذلك بالحديث عما تمت قراءته بالتحدث عنه وتحليله. أما على الصعيد الأكاديمي، فعلى المدارس أن تتخلى عن مبدأ التعليم الذي يعتمد التلقين والحفظ البحت لجميع المناهج، والذي يخلق شعورا لدى الأطفال بأن القراءة ومعطياتها عبء عليهم، وتشجيع الزيارات إلى المكتبات العامة والخاصة برفقة المدرسين أو بمفردهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن