قضايا وآراء

«حماس» والمحور الآخر.. ومصير غزة!

مأمون الحسيني : 

تحت وابل من ديماغوجيا الشعارات الإعلامية المتعلقة بضرورة الرد على جرائم المحتلين والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس التي تجاوزت كل ما هو معقول ومنطقي وإنساني، بما في ذلك قتل وإحراق الفلسطينيين، واستباحة المسجد الأقصى بشكل يومي والتحضير لبناء كنيس يهودي في ساحة البراق، وواجب مغادرة مواقع الارتباك والعجز والانتظار التي تراوح فيها فصائل العمل الوطني الفلسطيني، تواصل حركة «حماس» هندسة تموضعها في المحور المناهض والمعادي لقوى الممانعة والمقاومة في المنطقة، واستكمال وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ما يسمى «تهدئة طويلة الأمد» بين الحركة والعدو الإسرائيلي بعد أن اعترف الناطق باسم «حماس»، وبعد طول إنكار، أن عدة محادثات غير مباشرة جرت بهذا الشأن بين الجانبين بقيادة مبعوث الرباعية الدولية السابق توني بلير، وبعد تسريب مضمون الصفقة لوسائل الإعلام التي ألمحت إلى موافقة قيادة «حماس» عليها.
المعطيات التي تدب على الأرض، وبالأخص ما رشح عن زيارتي رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل لكل من الرياض وأنقرة، تفيد بأن قيادة «حماس» التي لم تتورع عن المشاركة المسلحة إلى جانب قوى الإرهاب في كل من سورية ومصر، والتي أيَد طيف واسع منها، وبشكل علني، عدوان «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن. قررت، فيما يبدو، الاصطفاف، سياسياً ومذهبياً، إلى جانب المحور السعودي- التركي- القطري، بعد إذابة الجليد ما بين الرياض وحركة «الإخوان المسلمين» والمساهمة، تالياً، في تسعير حدة الصراعات الطائفية والإثنية المفتعلة في العالم العربي على حساب القضية الفلسطينية التي لم تتحول فقط إلى مسألة ثانوية في الحسابات الإقليمية لهذا المحور، وإنما إلى كبش الفداء الذي يجب التضحية به لمصلحة خرائط التقسيم الجديدة التي يجري رسمها في منطقة المشرق العربي بالدم والنار والدمار.
في إطار هذا الاصطفاف الذي يبدو أنه لن يمر بسلاسة، على المستوى الحركي ولا الوطني والقومي والإقليمي، يمكن وضع صفقة اتفاق الهدنة الطويلة التي تديرها أنقرة، كوكيل عن «حماس»، مع حكومة نتانياهو التي سبق أن اعتبرت أن أي اتفاق تهدئة في غزة سيخدم سياستها. ولعل ما يثير الخشية والخوف من هذا الانحراف الكارثي لفرع «الإخوان المسلمين» الفلسطيني، يتجاوز العنوان العريض والعام حول تهدئة طويلة الأمد في مقابل فك الحصار وإعادة إعمار غزة، إلى محاولة فصل القطاع عن إطاره الوطني الفلسطيني، والتبرع بمصيره ومستقبله ومصلحة أبنائه لحكومة نتانياهو التي تعيش كوابيس الاتفاق النووي الإيراني، وسلطان أنقرة الذي يبحث عن أي إنجاز يعينه على استعادة أصوات الناخبين التي خسرها في انتخابات البرلمان الأخيرة الموءودة. إذ إن الهدنة المقترحة، وفق تسريبات الصحافة العربية، تتراوح بين 7- 10 سنوات، فيما يكون كسر الحصار على شكل موافقة إسرائيلية على تدشين ممر مائي يصل غزة بقبرص، وليس من خلال فتح ميناء غزة. والحديث هنا هو عن «قبرص التركية» لا اليونانية.
بكلام آخر، وباختصار شديد، في مقابل حفنة من الدولارات، وتحت وطأة ضلال ما يسمى مشروع «الإخوان المسلمين»، وهواجس البقاء في غزة، وإمكانية مدَ بساط سلطة الأمر الواقع على حساب سيناء أو الضفة أو البحر، وتحقيق أكبر قدر من الثروة الممكنة، يحاول قادة «حماس» أخذ الفلسطينيين إلى الموقع المضاد لقضيتهم وحقوقهم الوطنية، ودفعهم، بالتالي، إلى أتون الحرب الداخلية، وإلقاء قطاع غزة في بازار المساومات الإسرائيلية- التركية حول غاز البحر المتوسط الذي يشمل حقوقاً فلسطينية وسورية ولبنانية وقبرصية، ويذهبون به، تحت ذريعة اتفاق فك الحصار والهدنة الذي يمكن لإسرائيل نسفه في أي لحظة، إلى مصير مشابه لحالة قبرص التركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن