قضايا وآراء

النظام الرسمي العربي والاستغلال الإسرائيلي التوسعي

تحسين الحلبي : 

حين سقطت فلسطين بأيدي المنظمات الصهيونية بدعم بريطاني عسكري مباشر عام (1948) كان النظام الرسمي العربي يخضع مباشرة للحكم البريطاني في جميع أرجاء شبه الجزيرة العربية وفي مصر والسودان وللحكم الفرنسي في دول المغرب العربي وكانت إيران نفسها تحت سيطرة بريطانيا ولم يكن هناك سوى دولتين مستقلتين عن الاستعمار هما سورية ولبنان… وفي يومنا هذا وبعد التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم العربي بشكل خاص خلال أكثر من أربع سنوات يرى المحلل الإسرائيلي للشؤون الإستراتيجية للمنطقة (يعقوب غولدبيرغ) في موقع (جوكوبوست) بالعبرية في تحليل تحت عنوان: «إعادة رسم خريطة الفوضى في المنطقة» أن مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تكمن الآن في عودة كيانات المنطقة إلى ما كانت عليه قبل انقلاب عبد الناصر على النظام الملكي والنفوذ البريطاني في مصر وقبل الانقلاب على النظام الملكي في ليبيا والعراق وفي اليمن لأن الأنظمة الملكية المتحالفة مع الغرب هي التي حافظت على وجودها في السعودية والأردن والمغرب ودول الخليج وهي التي تقود الآن حركة تغيير أنظمة الحكم العربية القومية والوطنية في سورية والعراق ومصر والسودان وليبيا واليمن.
ويكشف الكاتب الإسرائيلي أن النظام الرسمي الذي تقوده الآن الممالك والأمراء العرب سيسعى أيضاً إلى إعادة نظام الشاه الإيراني في طهران ضمن خطة أميركية تسخر حلفاء واشنطن من الملوك والأمراء لهذا الغرض.
ويضيف (غولدبيرغ): إن إسرائيل موجودة في تفاصيل (النصف الملآن) من الكأس أي كل ما وفرته هذه التطورات في سورية وغيرها من الدول من إيجابيات تتدارس أهميتها مع بعض الأطراف العربية الحليفة للولايات المتحدة مثل السعودية وبعض دول الخليج بموجب معلوماته.
ويقول (غولدبيرغ) الذي كان مستشاراً سياسياً لبعض رؤساء الحكومات الإسرائيلية إن كل تعاون تقيمه دول عربية مع إسرائيل علناً أو بشكل سري يشكل اعترافاً من النظام الرسمي العربي بأن أحداً لا يستطيع تجاوز إسرائيل ومصالحها في أي مستقبل يراد رسمه للخريطة السياسية في الشرق الأوسط وخصوصاً تجاه سورية والعراق ولبنان وإيران واليمن وهي الدول التي يرى أنها أصبحت على جدول عمل مباشر يحتل أولوية من قبل السعودية، ويعترف غولدبيرغ أن كل نظام عربي يوجه اتهامات لإيران ويشن حرباً إعلامية عليها في أعقاب اتفاق طهران مع السداسية سيشكل قوة احتياطية توفر لإسرائيل التفاعل معها وخصوصاً إذا ما ازداد ارتباط هذه القوة بالدعم المالي والسياسي السعودي، لأن السعودية الآن كما يقول الكاتب الإسرائيلي تقود تحالفاً عسكرياً يضم دولاً عربية عديدة في الحرب على اليمن بحجة السعي إلى «إبعاد النفوذ الإيراني عنها».. ومن هذه البوابة التي تشبه بوابة الحرب التي تشنها واشنطن على سورية وتسخر لها النظام الرسمي العربي المتحالف معها يرى غولدبيرغ أن «الحرب غير المباشرة على إيران» ما تزال تشنها دول كثيرة في النظام الرسمي العربي وهذا ما يوفر لإسرائيل جدول عمل مفتوحاً مع كل طرف عربي يطالب بتغيير النظام في سورية وحرمان إيران من حليفها المركزي والتاريخي منذ ثورة الإمام الخميني.
ويضيف غولدبيرغ في ختام تحليله «إن التقاء المصالح المذكورة بين عدد من الدول العربية مع إسرائيل يوفر لنتنياهو آفاقاً جديدة ونادرة من أجل تأسيس علاقات تحقق هذه المصالح».
ورغم كل هذه الطموحات العلنية الإسرائيلية إلا أن المخططات الأميركية الإسرائيلية ستظل تصطدم بمجابهة بارزة وواضحة يشكلها صمود سورية واستمرار مقاومتها لجميع القوى التي تستهدف شعبها وقيادتها واستقلالها ضمن تحالف بدأت تزداد عوامل متانته في مجابهة الإرهاب التكفيري بين أطرافه المحلية العراقية واللبنانية والإيرانية، إضافة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية وكذلك بين أطرافه الدولية الممتدة إلى روسيا والصين ودول بريكس، وما جرى في عام 1948 لن يستكمل فصوله في هذه الظروف الحديثة التي تقف فيها دول كثيرة عربية وإسلامية إقليمية ضد المشروع الصهيوني وحلفائه في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن