قضايا وآراء

سورية وعمق الأزمة

| مازن بلال

ينتهي ملف الجنوب خارج كل التوقعات، في وقت تبدو فيه منطقة الشمال الشرقي لسورية في دائرة التسويات، وسواء دخلت تلك المنطقة إلى مظلة الدولة سريعاً أم انتظرت لمرحلة لاحقة، فإن الواقع الميداني يؤشر إلى تقلص مساحة الحرب، واقتراب الأزمة السورية من مفترق البحث عن حلول واقعية للاشتباك السياسي بين دمشق والعديد من عواصم العالم، ورغم أن موسكو مرتاحة لسير الملف السوري باتجاه التبريد، إلا أن الاستحقاق السياسي مازال يتسم ببعض التعقيد، فبالنسبة للحكومة السورية يبقى الموضوع الجوهري هو عودة الدور الإقليمي، فعبر هذا الدور يمكن لدمشق ترتيب الملفات الأخرى من إعادة الإعمار إلى عودة النازحين وصولاً إلى الصيغ السياسية الداخلية.
عملياً فإن أولى بوابة الدور الإقليمي هي في العلاقة مع «إسرائيل»، فالعودة لاتفاقية فصل القوات الموقعة عام 1974 تبدو منطقية بالنسبة للواقع الدولي، لكنها وبعد سبع سنوات حرب لم تعد قادرة على تأمين التوازن، فالواقع الميداني يوضح أن تكوين الجيش السوري في المرحلة القادمة لن يكون بالآلية نفسها في فترة ما قبل 2011، وهو في المقابل سيتعامل مع مواضيع الأمن بأسلوب مختلف نتيجة تجربته طوال سبع سنوات، وهذا الأمر سيفرض على «إسرائيل» ردعاً إستراتيجياً مختلفاً لا يعتمد فقط على تمركز القوات وإيجاد مناطق عازلة، فهذه الإجراءات لم تعد كافية لضمان التعامل مع جيش قاد حرباً متحركة لأبعد الحدود وتعامل مع جبهات مرنة على طول الجغرافية السورية.
سياسياً فإن اتفاقية الفصل لم تعد تتناسب مع إستراتيجية التسوية المعتمدة من الولايات المتحدة، وهو ما اصطلح على تسميته بـ«صفقة القرن»، فبقاء جبهة الجولان معلقة سيعرقل إنهاء الواقع العسكري ويشجع باقي الأطراف على عدم الدخول في السياق الذي رسمته واشنطن، ومن جانب آخر فإن واقع علاقة الصراع بين سورية و«إسرائيل» يرسم محوراً لا يتناسب مع أي شكل مستقبلي لأمن «إسرائيل»، فهو بوابة النفوذ الإيراني إضافة لكونه نقطة استقطاب لنموذج تمثله هذه الدول، فالأزمة السورية بدأت أساساً من بوابة تفكيك «المنظومة» الإقليمية القائمة، وهي تقف اليوم عند حدود تحديد الأدوار داخل هذه المنظومة.
النقطة الأساسية في الدور السوري إقليمياً تظهر في المحيط العام، فمهما بالغنا في الحديث عن سقوط منظومة العمل العربي المشترك، إلا أنها لم تترك بديلاً جديداً، ومن ثم خلقت فراغاً لتجمعات سياسية غير قادرة على ترتيب الملفات في المنطقة عموما، وإذا كانت الجامعة العربية الحل الأكثر ديمومة منذ منتصف القرن الماضي، فإن واقعها اليوم ربما يحتاج لصياغة تحالفات جديدة بعد أن أصبح التناقض بين الدول المؤسسة للجامعة العربية صادما، ومحركا لصراعات أسست عملياً لكل أحداث ما يسمى الربيع العربي، ومن هذه الزاوية فإن دمشق لا تبحث عن دور إقليمي من دون النظر إلى طبيعة الفوضى التي خلفها تنحي الجامعة العربية، وانهيار العلاقات داخلها.
بدأت الأزمة السورية بحالة اضطراب إقليمي، ورغم كل المساحات التي ظهرت على أنها مسائل سياسية داخلية لكن قاعدتها الإقليمية كانت أكثر من واضحة، وترتيب العلاقات في شرقي المتوسط يشكل عمق الأزمة بعد انحسار الصراع المسلح، وبالتأكيد فإن مثل هذا الأمر لم يتم حسمه في مفاوضات جنيف وإنما بدور سياسي فاعل لدمشق في كل ملفات المنطقة، وهذا الأمر سيكون الاستحقاق الأصعب خلال السنوات القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن