قضايا وآراء

في السباق العالمي؛ الحصان الأحمر يتقدم

د. قحطان السيوفي : 

تحكم العلاقات الدولية بمكوناتها المختلفة؛ أنواع من المنافسة تأخذ أحياناً طابع السباق نحو أهداف واضحة، وقد تكون غير ذلك… في ثمانينيات القرن العشرين؛ احتل سباق التسلح أو ما سمي (حرب النجوم) بين الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفييتي… مكان الصدارة في المشهد الدولي وانعكس ذلك ضعفاً على اقتصاد الدولتين المتسابقتين، لدرجة أن ذلك اعُتبر أحدَ الأسباب الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفييتي… وانفردت واشنطن (حصان الكاوبوي) في حلبة السباق لقيادة العالم على امتداد ما تبقى من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين… إلى أن ظهرت مجموعة (بريكس) عام 2005 بزعامة الصين، وروسيا… لتُنهي حالة القطب الواحد… وليبدأ السباق العالمي بين الأقطاب…
وقد سبق للرئيس الأميركي أوباما، في أول خطاب له، أن حدد أولويات حكمه وفي مقدمتها شرق آسيا، وهو يعني بذلك مصالح الولايات المتحدة في تلك المنطقة، وخاصة العلاقات مع العملاق الصيني الصاعد… حيث استمرت العلاقات بينهما (الأصدقاء – الأعداء) في زمن تراجع الهيمنة الأميركية… وقد هرول حلفاء أميركا للانضمام للمؤسسات المالية للقطب الجديد، وخاصة إلى بنك التسوية الآسيوي للتنمية الصيني؛ مُتحَدين توجيهات الحليف الأميركي الأكبر… مؤخراً فاجأت الصين (ثاني أكبر اقتصاد، وأكبر دائن للولايات المتجدة) العالم بتخفيض قيمة عملتها الوطنية اليوان أو (الريمينبي الأحمر) بنحو (2%) بالنسبة للدولار.
وهو التخفيض الأكبر منذ عام 2005 ، منذ إنهاء ارتباط اليوان بالدولار، ليطلق شرارة ما يراه بعض المحللين حرب عملات تلوح في الأفق. ولامس سعر اليوان في المعاملات الدولية 6.5943 يوان أمام الدولار وهو أدنى مستوى له منذ أوائل 2011.
لكن البنك المركزي الصيني حرص على ألا يتحدث عن «خفض قيمة» العملة، بل أشار إلى «طريقة جديدة» في احتساب السعر الأساسي.. معتبراً ذلك إصلاحاً في سوق حرة، مؤكداً الرغبة في إعطاء السوق دورا متزايدا، ويعتمد بالكامل على العرض والطلب في سوق أسعار الصرف، من أجل أن يعكس بدقة أكبر القيمة الحقيقية لليوان.
تؤكد البيانات أن خفضا بنسبة 1 % لسعر الصرف الحقيقي للعملة الصينية يمكن أن يحفز نمو صادرات البلاد بنقطة مئوية واحدة.
الواقع أن الولايات المتحدة الأميركية حاولت على امتداد سنوات عديدة، الضغط على الصين لرفع قيمة عملتها الوطنية، للحد من صادراتها، لكنها فشلت….
وتتهم واشنطن بكين بأنها تحدد سعرا لعملتها دون قيمتها الفعلية. كما تتهمها بافتعال خفض سعر عملتها لتحفيز مبادلاتها التجارية… يبدو أن واشنطن تفضل ضبط النفس وتنتظر على الأرجح معرفة المزيد عن أبعاد القرار الصيني قبل دق ناقوس الخطر.
ومعرفة مدى تأثيره الفعلي في الصادرات الأميركية. ومن المتوقع أن يكون هذا التأثير محدوداً على المدى القصير لكن المستقبل سيكشف تقدم الصين على شركائها التجاريين الرئيسيين.
ولاسيما أن الولايات المتحدة تعاني عجزا كبيراً في مبادلاتها مع الصين حيث بلغت أكثر من 31 مليار دولار في حزيران (يونيو) 2015.
بالمقابل سيكون القرار الصيني السيادي حجة لمعارضي القوة الصينية الكثر في عالم السياسة الأميركية مع بدء الحملة للانتخابات الرئاسية الأميركية.
(دونالد ترامب) المرشح للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري صاحب التصريحات الاستفزازية، سارع إلى إدانة القرار الصيني، معتبراً إياه خفضاً كبيراً وسيكون مدمرا للاقتصاد الأميركي.
قال (إسوار براساد)، الرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي: « يجب أن تكون بكين حذرة من الضغوط السياسية من واشنطن، حيث التخفيض المتصور لقيمة الرينمينبي كان بمنزلة مصدر دائم للخلافات التجارية وتطمح بكين إلى توسيع استخدام عملتها خارج حدودها بإدراجها في حقوق السحب الخاصة، الوحدة الحسابية لصندوق النقد الدولي التي تتشكل حالياً من أربع عملات هي الدولار واليورو والجنيه والين. وسيساعد ذلك الدول النامية، ويقوي موقفها في المؤسسة الدولية….
المشهد الدولي يشير إلى أن اليوان (بلونه الأحمر) يعتبر رهانا على الحصان الأحمر، الرابح. في سباق دولي… وفي زمن ضعف (حصان الكاوبوي) وتراجع الهيمنة الأميركية…
أخيراً، فإن قرار بكين سيؤدي إلى دفع الاقتصاد الصيني قدماً إلى الأمام، ويساعد الدول النامية في صندوق النقد الدولي… وبشكل عام سيزداد القطب (الصيني – الروسي) قوة، ويكون ضمانة لدعم حقوق الشعوب… وقوة عالمية فاعلة لمحاربة التطرف والإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن