ثقافة وفن

لا ينفع أن نكسر القيم والأخلاقيات تحت عنوان «حرية التعبير» … الدراما مطالبة بأن يكون لها دور مؤثر في إثراء الثقافة المجتمعية

| وائل العدس

يمثل الإنتاج الدرامي قطاعاً مهماً من الإنتاج الإعلامي الذي يهتم به قطاع عريض من فئات المجتمع المختلفة ولاسيما الشباب الذي تتعدد دوافعه لمشاهدة ومتابعة الدراما من حيث الترفيه والتعلم واكتساب المعرفة والتفاعل مع الآخرين وفهم قضايا اجتماعية، والتعرف على أنماط اجتماعية جديدة إلى جانب عنصري الترفيه والتسلية.
ووسط هذا الزخم الهائل من الإنتاج ربما نجد خللاً مجتمعياً من حيث التأثير، وزيادة الفجوة بين الأجيال، أو نرى انفصال الشباب عن مشكلاتهم الواقعية مما يعطل طرق العلاج والتنمية، أو نرى أعمالاً تعرض نماذج ساخرة من الشخصيات الإنسانية، وتقدم أشكالاً وقيماً سلبية أو جديدة لأفراد الأسرة الواحدة، ومن ثم نرى أن كل طرف يذهب في اتجاه مخالف، أو تتباين الاتجاهات، أو عدم الاتفاق حول المضمون أو المحتوى، وقد يسبب هذا الاختلاف شروخاً فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، خاصة أن كثيراً من الجمهور يجهل ثقافة الاختلاف، أو أن البعض من الشباب يتبنى كثيراً من الأفكار أو القيم الخاطئة ويعتبرها منهجاً له في الحياة.
الدراما الهادفة
يتأكد كل يوم الدور البالغ الخطورة الذي تلعبه الدراما التلفزيونية في تشكيل وعي الناس والتأثير في مواقفهم وسلوكياتهم، في الاعتقاد الفكري.
ويتأثر المجتمع بما تقدمه الدراما من موضوعات مختلفة تسهم في تغيير العديد من السلوكيات، كما أن الدراما بما تقدمه من موضوعات تسهم في غرس الكثير من السلبيات أو الإيجابيات في الأسرة والمجتمع.
إن الدراما الهادفة هي التي تغرس القيم الإنسانية النبيلة داخل المجتمع وتدعو للأمل والتفاؤل، غير أن السنوات الماضية شهدت تقديم عدد كبير من الأعمال الدرامية تناولت موضوعات العنف والبلطجة وغيرها من الموضوعات السلبية والمحبطة التي تأثر بالمجتمع، ولذلك بات التحذير ضرورياً من خطورة ما تنشره بعض الأعمال الدرامية التي تركز على الإسفاف والبذاءة.
ولأن الدراما الكلاسيكية متشابهة في الشكل والمضمون فإن المشاهد أصبح يبحث عن عمل درامي هادف ينقل العديد من الرسائل المهمة ويزرع الأمل والإصرار ويغرس الحب داخل أفراد الأسرة والمجتمع، وذلك نظراً لأن الأعمال الدرامية التي تم عرضها خلال السنوات الأخيرة مملوءة بالمضمون السلبي والمحبط، خاصة لفئة الشباب.

الأعمال الاجتماعية
إن المسلسلات الاجتماعية على كثرتها تتحدث عن العلاقات الأسرية، والعلاقة بين الزوج وزوجته وغيرها من الموضوعات المكررة، التي يغيب عنها التطوير.
هذا النوع من الدراما يعتبر من أنجح أنواع المسلسلات، ويحبها الجمهور، وتلقى رواجاً كبيراً وتعيش في وجدان الناس، لكن لم يعد هناك دراما اجتماعية بالمعنى الحقيقي، بسبب ما يشوبها من إسفاف وابتذال.
ما يُقدم الآن عبث، دراما غير صادقة لأنها لا تنقل صورة الواقع، وأصبحت وسيلة لهدم القيم والأخلاقيات؛ فالدراما الاجتماعية سلاح ذو حدين، إما أن توظف لخدمة قضايا المجتمع الحقيقية وإما دراما تدمر المجتمع، لا ينفع أن نكسر هذه القيم تحت عنوان «حرية التعبير»، علماً أن المجتمع في أشد الاحتياج للدراما الاجتماعية، التي تعيد بناء الإنسان السوري.

دور مؤثر
على الدراما أن تلتزم بعرض كل ما يعمل على حماية الهوية السورية من خلال إبراز ثراء المجتمع بالعادات والتقاليد المهمة والتعاون المستمر بين الجانب الأكاديمي والفني من خلال اللقاءات والندوات واللجان وورش العمل.
هذه الدراما مطالبة بأن يكون لها دور مؤثر في إثراء الثقافة المجتمعية للجمهور، لأنها تخرج من قلب الواقع وتؤثر بشكل حقيقي وليس مجازياً.
إن الدراما الحالية بشقيها المدبلجة والمحلية، تجعل من العلاقات غير المشروعة كوجود علاقات حميمة وحمل خارج إطار الزواج الشرعي أمراً مقبولاً بل مستساغاً بسبب طريقة معالجة الفكرة، وفي الفترة الأخيرة عالجت هذه المسلسلات قضايا الخيانة الزوجية بطريقة تجعل المشاهدين يتعاطفون ويدافعون ويبررون للبطلة التي تقوم بفعل الخيانات، الأمر الذي يؤدي إلى ضرب قدسية الحياة الزوجية.

الرقابة
هناك دور أساسي ومهم للرقابة على المسلسلات قبل البدء بعرضها، حيث تتحمل المسؤولية الاجتماعية.
وعلى الضفة الأخرى هناك دور رقابي داخلي للأسرة والأهل، يتمحور حول مراقبة الأفكار والمفاهيم التي تبثها الدراما والعمل على مناقشتها معهم وتبيان خطر تبنيها.

الدراما المدبلجة
تجذب المسلسلات المدبلجة فئة المراهقات خاصةً، إذ تعتبر الفتيات أكثر متابعة ومن ثم أكثر تأثراً بهذه الأعمال خاصة الرومانسية منها.
وتؤثر هذه المسلسلات في تكوين الجوانب النفسية والاجتماعية في فترة المراهقة، وانعكاساتها على التفكير والسلوك.
وتعتمد هذه المسلسلات في أغلبها على إظهار قيمة الثراء الذي يجلب السعادة ويحقق الأحلام ويوهم المشاهد أن السعادة الحقيقة تكمن في الثراء.
كما تركز على المبالغة في الرومانسية وفيض المشاعر العاطفية الجياشة بين المحبين، ما يدفع النساء بالعموم وممن تعيش منهن حياة التصحر والجفاف العاطفي إلى التعلق بمسلسلات كهذه، كما تكثر فيها المقاربات الجذابة التي تدغدغ أحلام الفتيات بالشاب الجميل والحياة المترفة والسعادة المنتظرة.
كل ذلك يدفع المشاهد بطبيعته الإنسانية إلى أن يعشق أبطالها ويعشق ما يقومون به، ولكن من جهة أخرى، تمرر مجموعة من القيم الهدامة والمسيئة إلى الأسرة والمرأة، مثل الإفراط في العنف والمؤامرات والدسائس والخيانات التي تشكل علامة فارقة لهذه المسلسلات.
أما على صعيد العلاقات الاجتماعية فيلاحظ تفشي ظاهرة التفكك الأسري والعنف ضد المرأة والابتزاز العاطفي والجنسي.
وعلى صعيد الحياة الزوجية فتسودها الخيانة الزوجية من جهة وتمرد الزوجات من جهة أخرى فضلاً عن تسليط الضوء على ظاهرة الانتحار.
وهنالك شخصية العاشق المحبوب الذي يجسد الكثير من القيم العالية كالنبل والشجاعة والصبر التي هي محل إعجاب وتقدير من جميع الناس حتى يصبح قدوة ونموذجا يحتذى بكل ما يقوم به، ولكن تمرر عبره القيم الفاسدة بكل انعكاساتها وتأثيراتها الخطيرة في المجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن