قضايا وآراء

التهويد مشروع إسرائيلي أميركي

| د. يوسف جاد الحق

لقد أثبتت الأيام المتعاقبة، على مدى سبعين سنة، أن هذه «الإسرائيل» التي زرعت على أرضنا الفلسطينية العربية الكنعانية إن هي إلا واحدة من ولايات أميركا الخمسين، ولا ريب في أنها تحمل الرقم الأول أو الثاني بين هذه الولايات إذا ما أخذ في الحسبان مدى ما لها من نفوذ وتأثير في السياسة الأميركية، صنعاً أو توجيهاً، من خلال مؤسسة «اليهودية العالمية» هناك، وأخطبوطها المتشعب المُنتشر فيها بدءاً بما يعرف بالأيباك، وغيره من جمعيات تحت مسميات كثيرة مضللة، لكنها نشطة فاعلة في كل مجالات الحياة والنشاط الإنساني الذي يتجاوز في النهاية حدود «الدولة الأميركية» إلى غير مكان على رقعة الكرة الأرضية كلها، الفارق الوحيد بين هذه الولاية وغيرها من ولايات أميركا تلك هو الجغرافيا فقط.
من ثم رأينا هذا التواشج العضوي بين ساسة أميركا بدءاً من «هاري ترومان» مع نهاية الحرب العالمية الثانية حتى هذا الأخير دونالد ترامب، والتوافق التام في السياسة إزاء المجتمع الدولي على سائر الصعد، وإذا ظهرت بعض الاختلافات من حين لآخر في الممارسة أو الرؤية، فما ذلك إلا أحد أمرين، إما هو اختلاف ظاهري مصطنع للتغطية على الحقائق التي أسلفنا الإشارة إليها، وإما لأسباب تفصيلية، أو إعلامية وما إلى ذلك، بعيداً عن المساس بالجوهر والأصل.
ومن ثم ليس للعرب أو للفلسطينيين أن ينتظروا من أميركا موقفاً مختلفاً عما ألفوه منها طوال الأعوام المنصرمة، لن تنصف أميركا العرب على حساب ولايتها تلك، كما أنها لن تتخلف أو تتردد في دعمها بالمال والسلاح والوقوف معها في المحافل الدولية. جرائم «إسرائيل» الفظيعة اليوم على الفلسطينيين في الداخل، وعلى ملاحقة من هم في الخارج لهضم حقوق العموم الفلسطيني إلى حد إلغاء الوجود الفلسطيني نفسه، لو أمكنها ذلك. والموقف الأميركي الرسمي الثابت الدائم هو أن ذلك كله مجرد «دفاع عن النفس» ليس إلا..!
ويلتزم ما يسمى المجتمع الدولي الصمت حيال ما يقع على الفلسطينيين من عسف وظلم تحاشياً لإغضاب حماة «الولاية الأميركية» هذه القائمة بين ظهرانينا، طمعاً في «المال» حيناً، وخوفاً من «العقوبات» حيناً، وحملات «الإعلام» القاسية حيناً ثالثاً. ولكي تكتمل مأساة الشعب الفلسطيني ينضم اليوم عرب من أبناء جلدتهم إلى العدو معترفين باستيلائه على أرضهم العربية، حتى أن من بينهم من طلب إلى الفلسطينيين أن يتقبلوا إملاءات «إسرائيل» عليهم ووجودها بينهم وإلا «فليخرسوا!» ولا ندري بأي حق أو صفة يتكلم: هؤلاء في شأننا الفلسطيني؟ هل نصبهم أحد أولياء على فلسطين وشعبها.. أو كما يقول المثل «لا منك ولا كفاية شرك!».
ولا ينبغي لنا هنا أن نغفل الإشارة إلى تلك الزعامات والقيادات المتنطعة للعمل السياسي الفلسطيني، التي فرضت نفسها، أو سربتها أو قرضتها جهات ضالعة لصالح العدو من دول الغرب وساسته، فهؤلاء «الإخوة» سواء في السلطة، في الضفة أو في غزة، «كي لا يقال إننا مع أحد ضد أحد» إما أنهم ليسوا على قدّ المسؤولية، وإما أنهم موافقون على ما يجري، مسلّمون بضياع فلسطين، متخلّون عن فكرة تحريرها الكاملة، وعودتها إلى أصحابها وعودة أهلها إليها.
من هنا رأينا هؤلاء لا ينفكون في كل مناسبة، وبلا مناسبة أحياناً، عن الحديث عن عرقلة «مفاوضات السلام!» إزاء كل حادث يقتل فيه ويعتقل ويشرد فلسطينيون في غزة وفي القطاع، ويصرون برغم ذلك كله أيضاً، على مواصلة العمل بما يسمونه «التنسيق الأمني» مع العدو، الذي هو «تعاون» مطلق معه لا أكثر ولا أقل. كما يصرون على «عدم عسكرة» الانتفاضة إن قامت! وكذلك الأمر في مسألة ما يسمى «حل الدولتين» الذي يبدو أنهم فرحون به، منصوران أنه إنجاز ما بعده إنجاز، وهو الكارثة النهائية بعينها، إذ هم يقرون «بملكية» إسرائيل لخمسة وثمانين بالمئة من أرض فلسطين «إلى الأبد» حسب تصريح السيد «رئيس السلطة»، مكتفين لخمسة عشر مليون فلسطيني في الداخل والخارج، بفتات لا يتجاوز الخمسة عشر بالمئة تحفل بالمستوطنات التي تعمل اليهودية العالمية على ضمها إليها بوصفها «يهودا والسامرة!».
وها هي «صفقة العصر» تقف بالمرصاد قيد التنفيذ فور الإفراج عن مضمونها الذي تسربت بعض تفاصيله عمداً «لجس النبض»، ومن باب «التطبع» و«التمهيد» تهيئة للنفوس والعقول لقبوله، كي لا يأتي مباغتاً مولّداً لانفجار صاعق.
وتوطئة لذلك ها هم يصدرون ما يسمونه قانون «قومية الدولة اليهودية». ولكن لهذا حديثاً آخر وإن كنا نؤكد هنا أنه سوف يكون بمنزلة الضربة القاضية المجهزة على القضية الفلسطينية نهائياً لو قيض له التنفيذ والتحقق على أرض الواقع.
على أي حال، لم يبقَ لنا من أمل في إعادة الحياة إلى الروح المقاومة لاستعادة الأرض الفلسطينية، المقدسة مسيحياً وإسلامياً، غير قيام حرب شاملة تقضي على منطق المساومات والتسويات والتخاذل والاستسلام. ومن ثم المبادرة لإنجاز عملية التحرير «الكامل الشامل»، وما من أحد بقادر على ذلك سوى «حلف المقاومة بأطرافه المعروفة جميعاً»، المسألة برمتها لم تعد موضع تساؤل من أي نوع، المسألة الآن هي: متى؟ لقد بدأ العد التنازلي لاقتراب الموعد المحتوم للقضاء على المشروع الصهيوني التلمودي «يهودية فلسطين» نهائياً وإلى الأبد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن