ثقافة وفن

أنظمة تصنيف الجامعات نعمة أم نقمة؟ … لماذا انزلقت الجامعات السورية بما فيها جامعة دمشق في عملية التصنيف العالمي هذا المنزلق الخطر؟

أ. د. وائل معلا

صدر في الآونة الأخيرة تصنيف ويبومتريكس للجامعات العالمية، وقد أحدثت نتائج هذا التصنيف صدمة كبيرة في الأوساط الجامعية السورية حيث نالت الجامعات السورية بما فيها جامعة دمشق العريقة بتاريخها مراتب متدنية جداً في عملية التصنيف متراجعة تراجعاً خطيراً بأكثر من أربع آلاف مرتبة لتصبح في المرتبة 10902 عالميا، و325عربيا. فهل هذا الانزلاق مبرر في ظل الظروف الاستثنائية التي شهدتها سورية خلال السنوات السبع الماضية؟ وهل تقيّم هذه الأنظمة الواقع الحقيقي للجامعات من حيث جودة العملية التعليمية، وإنتاجها من البحث العلمي، والخدمة التي تؤديها للمجتمع، أم إنها بعيدة كل البعد عن الواقع؟ وهل يجب علينا أن نولي هذه التصنيفات أي أهمية ونراعي المؤشرات التي تبنى عليها عملية التصنيف، أم نتجاهلها ونضرب بها وبنتائجها عرض الحائط وفق ما يدعو إليه البعض؟

لقد أصبحت أنظمة تصنيف الجامعات العالمية التي تصدُر بشكلٍ دوري عن بعض الجامعات، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، ومؤسسات الاعتماد، ووسائل الإعلام، في الآونة الأخيرة صناعة كبيرة احتلت مكانةً مهمة لدى العاملين في المؤسسات المعنية بالتعليم العالي. وأشهر هذه الأنظمة العالمية: تصنيف تايمز للتعليم العالي Times Higher Education World University Rankings الذي تصدِره مجلة التايمز الإنجليزية للتعليم العالي لأفضل مئتي جامعة في العالم، وتصنيف كيو إس QS world Ranking الذي تصدره مؤسسة Quacquarelli Symonds الإنكليزية، وتصنيف شانغهاي جياو تونغ Shanghai Jiao Tong لأفضل خمسمئة جامعة في العالم الذي تصدره منذ عام 2003 جامعة شانغهاي جياو تونغ في الصين والذي أصبح فيما بعد أشهر الأنظمة العالمية لتصنيف الجامعات.
ويُنظر بشكل عام إلى أنظمة تصنيف الجامعات كأداة مساعدة للطلاب في عملية اختيار الجامعة المناسبة لدراستهم، ولأرباب العمل في عملية انتقاء الخريجين وتوظيفهم، ولأساتذة الجامعات والباحثين في اختيار شركاء للتعاون معهم في برامج تعليمية مشتركة أو برامج بحثية مشتركة، وللمسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات في تقييم جودة مؤسسات التعليم العالي ومستواها العالمي، وللقائمين على مؤسسات التعليم العالي في تحديد أداء مؤسساتهم مقارنة بباقي المؤسسات المحلية والعالمية.
وقد اكتسبت هذه الأنظمة دفعا جديداً من بعض دول العالم التي اعتمدت على نتائجها التصنيفية في عمليات إيفاد الطلاب في منح دراسية، حيث اشترطت على الموفدين أن يدرسوا في جامعة ذات تصنيف متقدم Top Ranked University كشرط أساسي للاستفادة من هذه المنح. واشترطت بعض الدول الأخرى على جامعاتها عدم إقامة علاقات تعاون علمي أو شراكات إلا مع جامعات عالمية ذات تصنيف متقدم وفق أنظمة التصنيف الشهيرة. كذلك اشترطت بعض الدول الأخرى عدم اختيار ممتحنين خارجيين لأطروحات الدكتوراه إلا من بين أفضل جامعات العالم وفق أنظمة تصنيف الجامعات الشهيرة، وذلك بغية رفع مستوى شهادات الدكتوراه التي تمنحها.
كذلك فقد بدأت بعض الحكومات في العالم منذ مدة باستخدام هذه الأنظمة لأغراض غير أكاديمية، فاستندت إليها لضبط عمليات الهجرة على سبيل المثال، وحصرت هجرة العمالة إليها فقط بالعمالة المؤهلة تأهيلا عاليا، لا بل اشترطت أن يكون من يهاجر إليها متخرّجاً في أفضل جامعات العالم وفق أنظمة التصنيف العالمية، وفرضت هذا الأمر شرطاً أساسيا للهجرة إليها، وقد وصِف الأشخاص الذين يحققون هذه المعايير بأنهم أشخاص عالي التأهيل.
كذلك فقد تم اعتماد تصنيف الجامعات العالمية للمرة الأولى كهدف كمي في الخطة الأساسية الخامسة للعلوم والتكنولوجيا في اليابان التي تشكل جوهر سياسات العلوم والتكنولوجيا للسنوات الخمس من ٢٠١٦ لغاية ٢٠٢٠. ومن ضمن أهداف هذه الإستراتيجية التي وضعها مجلس التنافسية الصناعية «ألا يقل عدد الجامعات اليابانية التي هي من بين أفضل مئة جامعة في التصنيف العالمي للجامعات عن عشر جامعات». وعلى هذا الأساس أُدرج تصنيف الجامعات العالمية كأحد أهداف الخطط الوطنية وبرامج وسياسات تطوير الجامعات اليابانية.

معايير التصنيف…
بحث علمي أم تعليم وتعلم؟!
تستند التصنيفات العالمية الشهيرة كتصنيف شنغهاي، وتصنيف تايمز للتعليم العالي، وتصنيف كيو إس QS world Ranking، إما كليًا وإما بشكل كبير على الأبحاث العلمية، وهي موجّهة بشكل أساسي إلى الباحثين والإداريين وصانعي السياسات. وقد أصبح القائمون على هذه الأنظمة متمرسين جداً في قياس مخرجات الجامعات من البحث العلمي وجودة هذه البحوث.
لكن هناك بعض أنظمة التصنيف الوطنية الموجهة بشكل أساسي نحو الراغبين في الانتساب إلى الجامعات في المرحلة الجامعية الأولى، وتوصف هذه الأنظمة بأنها تتمحور حول الطالب student centered وتستند بشكل أساسي على مؤشرات محددة لقياس جودة العملية التعليمية، كنسبة الطلاب للأساتذة، ورضا الطلاب عن العملية التعليمية، وقابلية توظيف الخريجين، وغيرها، وليس على مخرجات الجامعة من البحث العلمي. ومن هذه الأنظمة النظام الذي يصدر عن دار النشر US News and World Report لأفضل الجامعات الأميركية، والنظام الذي يصدر عن صحيفة الغارديان لأفضل الجامعات البريطانية. وتعد هذه الأنظمة أداة مهمة ومساعدة للطلاب في عملية اختيار الجامعة المناسبة لدراستهم، وتوليها الجامعات الأميركية والبريطانية أهمية كبيرة حيث إنها تنعكس انعكاسا كبيراً على إقبال الطلاب على الانتساب إلى هذه الجامعة أو تلك.
نظام ويبومتريكس Webometrics يصدر نظام ويبومتريكس Webometrics العالمي لتصنيف الجامعات عن المجلس العالي للبحث العلمي في إسبانيا بشكل نصف سنوي، ويعد من أكبر نظم تقييم الجامعات العالمية حيث يغطي أكثر من عشرين ألف جامعة. ويهدف هذا النظام بشكل أساسي إلى تحسين وجود مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على شبكة الإنترنت، وتشجيع نشر المقالات العلمية المحكمة بطريقة الوصول المفتوح. ويعتمد نظام ويبومتريكس على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الإلكترونية وفق مجموعة من المعايير هي: حجم الموقع (ويقصد به حجم مجموعة الصفحات المرتبطة آلياً في موقع واحد)، والملفات الخاصة بالوثائق والمعلومات النصية التي تنتمي لموقع الجامعة، والأبحاث المحكّمة والتقارير والرسائل والملخّصات في مختلف المواضيع العلمية والمنشورة إلكترونياً تحت نطاق موقع الجامعة، والروابط التشعبية التي تقود الزائر إلى الموقع على الشابكة، وذلك عن طريق محركات البحث وظهور موقع الجامعة بهذه المحركات.

تصنيف الجامعات العربية
وعلى الرغم من أنه مشهود للجامعات العربية بإعداد خريجين ذوي كفاءة عالية في شتى الاختصاصات العلمية والأدبية، فإن أياً منها لم يكن ضمن أحسن مئتي جامعة في العالم وفق تصنيف تايمز للتعليم العالي لعام 2018، ولا وفق التصنيفات العالمية الشهيرة الأخرى كتصنيف شنغهاي أو كيو إس.
قد لا نتّفق بالضرورة مع نتائج أنظمة التصنيف تلك، ولا مع المعايير التي بنيت عليها عملية التصنيف التي تعطي ثقلا كبيراً لمخرجات الجامعة من البحث العلمي، ولا تعكس بدقة جودة العملية التعليمية في الجامعة، ولا تأخذ بالحسبان الخدمة التي تؤديها الجامعة للمجتمع ولا مدى اتساع القبول فيها والفرص التعليمية التي توفرها، لكن أنظمة تصنيف الجامعات في العالم باتت حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، وأصبح تأثيرها كبيراً في مختلف الجهات المعنية بالتعليم العالي من طلاب وأرباب عمل ومنظمات حكومية وخاصة، الأمر الذي يحتّم تحليلها ودراستها والتأقلم معها.
وبالعودة إلى التصنيف المتدني جداً الذي حصلت عليه جامعاتنا، وخاصة تراجع المرتبة التصنيفية لجامعة دمشق وفق نظام ويبومتريكس، فهو شيء يدعو للأسف حقاً، وليس هناك ما يبرره، نظراً لأن هذا التردي لم يحدث في ذروة الأزمة التي عصفت ببلدنا الحبيب، وإنما حدث حصراً خلال الأشهر القليلة الماضية. وبما أن نظام ويبومتريكس مبني على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الإلكترونية على شبكة الانترنت، فإن جامعاتنا لو اهتمت بتطوير مواقعها على الشابكة وعنيت بتحسين خدماتها عير الشبكة، كالتسجيل الالكتروني، ونشر جميع البحوث العلمية المقبولة في المجلات الجامعية على الانترنت – وهو ما كانت تقوم به جامعة دمشق سابقا-، وكذلك نشر جميع إصدارات الجامعات من الكتب العلمية على مواقعها الإلكترونية، والاستعاضة كليا عن طباعة النسخ الورقية التي تتكدس في المستودعات بنسخ إلكتروتية يستطيع الطالب طباعة ما يريد منها (وهو أمر كانت جامعة دمشق تخطط للقيام به)، ونشر المحاضرات العلمية، وغيرها، لما حدث هذا الهبوط الكبير في المرتبة التصنيفية العالمية لها.

إذا كانت جامعاتنا ترغب في أن تحتل موقعاً يليق بها على سلم التصنيف العالمي، وهو أمر بات من الضرورات المسلّم بها عالمياً، فلا بد لها، شأنها في ذلك شأن سائر جامعات العالم، من أن تضع في حسبانها المؤشرات التي تبنى على أساسها عمليات التصنيف وفق مختلف الأنظمة العالمية، وأن تولي البحث العلمي بشكل خاص اهتماماً كبيراً. وهنا لا بد من أن نؤكد على أنه في حال لم تحسّن جامعاتنا ترتيبها التصنيفي، فقد لا تتمكن في المستقبل من بناء شراكات مفيدة مع مؤسسات أكاديمية عالمية عريقة، وقد لا يتمكن خريجوها من الحصول على منح أو فرص للتخصص في الجامعات الخارجية، والأسوأ من هذا وذاك أنه قد نصل، لا قدّر الله، إلى مرحلة تصبح فيها الشهادات التي تمنحها جامعاتنا غير معترف بها.

لكنّ متابعة المعايير التي تبنى عليها عمليات التصنيف وفق مختلف الأنظمة العالمية يجب ألا تصرفنا عن تطبيق أنظمة ضمان الجودة الحقيقية لبرامجنا التعليمية الجامعية من خلال تطوير أنظمتنا الداخلية لضمان الجودة، وتقديم أفضل الخدمات التعليمية لطلابنا وطالباتنا.

وبعد، فإن العناية بأنظمة التصنيف العالمية لم تعد ترفاً كما قد يظن البعض، بل باتت من الضرورات ولا يجوز التهاون بها تحت أي ظرف كان لِما يترتب على نتائجها من انعكاسات خطيرة على المستويات كافة، بدءاً من الأفراد ومروراً بمؤسسات التعليم العالي وانتهاء بمنظومة التعليم العالي التي تشكّل رافعة التنمية الوطنية. لكن هذا لا يعني في أي حال من الأحوال أن تهمل الجامعات العناية بجودة مخرجاتها التعليمية والبحثية التي هي أساس جودة أدائها والهدف الذي وجدت من أجله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن