ثقافة وفن

«خيبات» يضم 21 خيبة للقاص زهير جبور … حملوني أثقالاً من ممنوعات.. أجول بها البلاد وأجتاز حدودها.. أقبض أثمانها أعطيها لهم مقابل القليل

| سارة سلامة

لأن الوقت ضيق، فسوف أنتظر حضور أخيك. قررت الاحتمال حتى اللحظة الأخيرة، وبعدها ستطرده بشكل علني، وتطلب إليه عدم العودة.
قال: سأقدر انشغالك بزميلاتك والتبولة، وسوف أتزوجك بشكل تقليدي، ولن ترفضي، أعلمي أفراد أسرتك بالموضوع، وقد أعجبت بقهوتكم التي تقدمونها للعابرين، وسأعود غداً لأشربها من دون هال، انتظري قدومي حتى لو أغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى بيتكم بسبب الثلج.
كانت تحدق به، صامتة، منفعلة، ثائرة. وكان ثلج الخارج يتساقط غزيراً ولم يحضر أخوها.
«خيبات» مجموعة تضم مجموعة من القصص للأديب زهير جبور من إصدارات وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، وتقع في 143 صفحة من القطع الصغير، وسبق أن صدر للقاص جبّور عدة مؤلفات منها: «الوردة الآن والسكين»، و«موسيقا الرقاد»، و«حصار الزمن الآخر»، و«أزرار مقطوعة».
وتضم المجموعة 21 «خيبة» على حسب قول المؤلف وهي ترمي بظلالها على واقعنا وتلامس خيباتنا وتوقظ فينا روح التأمل، أما الإهداء فكان لحفيديه غزل وزهير الصغير: «بعيداً عن الخيبات غزل وزهير الصغير ربيع لم أعرفه قبلكما عشته بعد أن لامستم الحياة فبدّل كثيراً من اصفرار عمري».
فتش عن المصير

وفي الخيبة التي اختار لها اسم «المصير» يذهب الكاتب إلى العلاقة الأبوية التي تفرض ذيولها علينا ومسألة الخضوع ربما للمسلمات في هذا المجتمع الأبوي حيث يقول: «إنه الحزن.. أنا الآن حزين وبداخلي شظايا حطامي.
-لن تحقق أسطورتك. ولا وهجك سيشع.. فامض بالعيش يا بني، وفتش عن المصير.
مضيت.. حملوني أثقالاً من ممنوعات، أجول بها البلاد وأجتاز حدودها، أقبض أثمانها، أعطيها لهم مقابل القليل جداً، يصفقون لي.
– أحسنت أيها المحترم.
إذاً أنا محترم فيعجبني ذلك، لكن ما معناه؟!
حاصرني (بمسدس) صوَّب فوهته باتجاه قلبي:
-أنت محاصر لا تقاوم.
لا تقاوم، لم أفهم ماذا يريد، استسلمت له، فخاف من بساطة استسلامي، وطوقي يطوقني.
أعلن استفاقتي من الرحيل.
وفي خيبة «لا ظلال لشمسي» تحدث عن الواقع الاجتماعي الحب والعلاقات السائدة التي تفتقد المعنى الحقيقي للحب ووقع الحرب التي دمرتنا من الداخل وشوهت أرواحنا وقال:
عندما أجري بطيئاً، مغتسلاً بعرق وشمس، لن تخلو ليلتي من مغص باطني، سيشل مقدرتي على الاستيعاب، وينهي طاقة حركتي اللاإرادية، وسأقرر أن أفسح لبصري نافذة على جسدها، وقد بهرني بالظلام، وأعلن استفاقتي من الرحيل، لن أصعق كوني أعيش، وسأصرخ:
-جميلة هي الحياة إن صاغوها على مقاس أمانينا، وقد هشموها، وليسقط الوقار، وأنفاسه، وسأرفع راية للساق، وأدخل سباقاً للخيل مع نبضاتي، وسأعزف على وتر نمنماتها، وقد غطست بمرمر البراعة، والإجلال، والكبرياء، وسأنصت لخطابها المحلق في سكون انهياري، وكأننا نحيي ذكرى شهيد في طقس ما بعد الرصاص، وقد تصدرت القصائد، القصص، المسرحيات، الروايات.

نرتوي من رحيق اللحظة
وفي «جزيرة البياض» يروي قصة خيبة لاثنين اجتمعوا مصادفة بعد زواج فاشل لكل منهما ويقول: جميل هذا التنسيق.. ما أخبار البلاد؟ أتابعها عبر الفضائية.. يا الله كم أنا متلهفة إليها، أتذكر..؟
وعند الذكرى توقفت وابتسمت.. «أنسيت كي أذكر؟ هل غابت عني مواعيد الحديقة، سندويش الفلافل؟ العيران، السينما، حميمية عناق الأصابع، مظاهرات المطالبة بعودة الوحدة، والسعي لتحقيق الاشتراكية.. والحلم.. وابنتنا القادمة، هكذا خططنا واختلفنا على الاسم.. سميتها (عناق) أو (قبلة) رفضت.. سيقولون امنحينا قبلة يا قبلة، ضاعت قبلة بين تفاصيل زمن هو شاء أن نكون وألّا نكون.
أأنسى؟.. المشاجرات الصغيرة. متابعة نظراتي التي كنت أطلقها خلسة على المكورات النافرة. التحريض الآلي الطبيعي. فلسفة التواصل بين الحذاء والقدم. اعتيادنا على الأشياء. وكتب (جان بول سارتر)، وتمثيل (إينوك إيميه)، وذاك الخريف الذي لفنا في شوارع المدينة، وكانت خطانا موسيقا يطرب لها قلبانا، وكنا نعجن الأمل نرتوي من رحيق اللحظة، ونبني البيت من طين وقش، أو من خشب الصنوبر، ونهتف للعصافير لتغرد لنا، وفوق رأسينا تتساقط ورقات صفر، وكنا نحيا حتى الثمالة، وهي ما تزال مبتسمة، وأنا أسترجعها حمامة تطير فوق رأسي وتلحمني بالحياة».

لا تستهنّ بأنفسكن
وفي «السياج» يحكي فيها عن المرأة العربية عبر التاريخ وقصة بطولاتها وتصديها لكل عدو محتل حيث قال: العدو شرس يقتل يشرد والمرأة العربية قاومته عبر التاريخ، ومنه عرفنا خولة، والخنساء، وبوحيرد. ولكل واحدة منكن دورها الاستبسالي. فأنتن حفيدات هؤلاء، زرعن في عروقكن بذرة الكفاح وهي تزهر، وتنمو بنفوسكن، ولا تستهنّ بأنفسكن، ففيها من قوة وعنفوان ما يحقق نصركن على العدو الشرس القاتل، الذي يشرد شعبنا.
كان يتحدث بحماسة مملوءة بالإيمان والعزيمة والإرادة، وقد جعل لنبرات صوته رنة مميزة جذبت الجالسات، فجأة وبحركة ممسرحة، بدت عفوية ضمن الجو، أشار إليها متسائلاً:
-أنت.. من؟
اضطربت الفتاة التي لم تكن مهيأة للسؤال، وقد خرجت من فضاء تخيلها بغتة، فسيطرت على نفسها، وأجابت:
-حفيدة خولة، والخنساء، وبوحيرد.
وجدت نفسها تقفز، تزحف، تنهض واقفة مسددة طلقات بندقيتها، والأعداء من أمامها يتساقطون، ويفرون هلعاً.
أيتها الحفيدة «قالها بصوت تاريخي له عمقه وإجلاله».
كما هي حملت السيف. أنت أيضاً باستطاعتك حمل السلاح. وقيادة دبابة. والاستشهاد حق الوطن علينا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن