قضايا وآراء

أردوغان ولعبة الأخطار المتراكمة

| تحسين الحلبي

هل يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يلعب لوحده لتحقيق مصالحه ويستمر بهذه اللعبة التي تتعارض قواعدها واتجاهاتها مع مصالح لاعبين في نفس الساحة؟
فأردوغان واللاعبون الرئيسيون في المنطقة يدركون أن تركيا اعتاد الغرب على استخدامها وتسخيرها ضمن إستراتيجيته منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتفاعلت كل حكوماتها مع هذا الدور فضمها إلى عضوية حلف الأطلسي في شباط 1952 ثم أصبحت عضواً مؤسساً لحلف بغداد عام 1953 ومن خلال هذين الحلفين تحدد اتجاهها السياسي ووظيفتها ومصالحها الناتجة عن هذه الوظيفة.
وبقي دور تركيا ضمن مواصفات عمل اللاعب التابع لقواعد لعبة الدول الغربية ومصالحها لا يحيد عنها على مستوى المنطقة والعالم إلى أن بدأنا نشهد في السنوات القليلة الماضية سياسة مثيرة للشكوك والجدل ينتهجها أردوغان في ساحة حلفاء تركيا ويوجه عن طريقها انتقادات سياسية بشكل علني للإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وهي الأطراف التي تحالفت تركيا معها تاريخياً والتي لم تتناقض مواقفها معه ضد سورية بشكل خاص وحلفائها بشكل عام منذ بداية الحرب على سورية.
يلاحظ أن سجل انتقادات أردوغان وردود أفعال دول الغرب عليها لا يدل على أن هذه الدول ضاقت به ذرعاً ولم تعد تهتم بقابلية استمراره في وظيفته داخل إستراتيجيتها رغم أنه تقارب في علاقاته مع موسكو وإيران في الآونة الأخيرة.
كما يلاحظ أيضاً أن سياسة أردوغان في الساحة بدأت تولد تناقضات بينه وبين دول من نفس نادي الدول الصديقة لحلفائه أو المتحالفة معها فهو متعارض الآن مع قبرص ومصر واليونان وإسرائيل في موضوع النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط ويريد حصة قبرص التركية وهو متعارض بشدة مع حليفي سورية موسكو وطهران في عدوانه على سورية ومع العراق بسبب تدخله العسكري في أراضيها ومتعارض مع السعودية والإمارات في موضوع قطر، وفي كل هذه السياسات لا يبدو على السطح أن هذه الأطراف من النادي نفسه الذي يضمه مع الغرب قد هددته بالقطيعة أو العقوبات بل ما تزال تحافظ على علاقات لم تلحق الضرر بسياسته هذه أو تدفعه إلى التراجع عنها.
أما ما يمكن تسميته بالأصدقاء الجدد حديثي العهد بنوع من التقارب معه مثل موسكو وطهران وهما العاصمتان المتعارضتان مع معظم أعضاء النادي الذي ينتمي إليه فلا أحد يضمن استمراره بالتمسك بهذا التقارب أو تطويره إلى مستوى متقدم لأن هذه العلاقات بين أردوغان وموسكو وطهران قابلة في أغلب الاحتمالات أن تكون مؤقتة وتنتقل إما إلى التراجع أو التقدم بنفس القدر من نسبة الاحتمالات لأن العامل الذي يتحكم بمستقبل استمرارها يتعلق بمدى تراجعه عن سياسته العدوانية على سورية وبالاتجاه النهائي الذي سيسلكه في سياسته الإقليمية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه الافتراضات أو الاحتمالات ما الذي يريد أردوغان تحقيقه وكيف ترى إسرائيل بالذات سياسة أردوغان وكيف تحكم عليها؟
يرى أورين نهاري في تحليل نشرته المجلة الإلكترونية الإسرائيلية «روتير» في الأول من آب الجاري، أن أردوغان «يعتقد أنه قادر على تحويل تركيا إلى قوة إقليمية كبرى تفرض مصالحها خلال سنوات قليلة وليس عشرين أو خمسين سنة على حساب سورية والعراق وموضوع الأكراد والتوسع على حساب هاتين الدولتين ليصبح «سلطاناً» جديداً ويضيف: «وبالنسبة لإسرائيل انخفض بموجب سياسة أردوغان مستوى الود الإستراتيجي معه رغم استمرار العلاقات الإسرائيلية الاقتصادية المزدهرة مع تركيا لكن الأجواء ستبقى رهناً بمزاج أردوغان في منطقة تثير القلق وتحكمها عقد إستراتيجية».
ويبدو بشكل عام أن الظروف الراهنة التي تدل على تضيقها من المناورة الإسرائيلية في هذه المنطقة قد تدفع بإسرائيل إلى محاولة تقاسم النفوذ والمصالح مع أردوغان طالما أنه يعمل على تحقيق توسع إقليمي على حساب سورية والعراق مستخدماً دور تركيا الوظيفي التاريخي مع الولايات المتحدة ولخدمة مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، فإسرائيل يهمها جداً تقسيم سورية والعراق وعزل إيران ودورها، وأردوغان لن يذرف الدموع إذا ما حققت إسرائيل وواشنطن له هذه الغاية وإن كان يدرك أن موسكو أصبحت تشكل عائقاً رئيساً أمام رغبته ورغبة إسرائيل وواشنطن كما أن الزمن المتبقي من المباراة النهائية في الساحة والتحولات المتتابعة لمصلحة تحالف موسكو وطهران ودمشق لن يخدم خطته ولذلك سيظل يلعب بنفس طريقته فيما تبقى من الزمن المستقطع دون أن يحصد سوى الخسارة المؤكدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن