ثقافة وفن

الفتى السوري غريب!

| إسماعيل مروة

في كل مفصل من مفاصل حياتنا نجد أن السوري يظلم داخلاً وخارجاً فهو الذي يؤمن بالقومية العربية دون العرب، وهو الذي أشبعته قيادته لأكثر من ستين عاماً الأفكار القومية العروبية، وهو إن قال شعراً أو كتب قصة أو قدّم فناً، فإن الروح العروبية هي التي تحركه، والأمر عند السوري المواطن ليس شعاراً، بل هو تنفس لا يقدر أن يتخلص منه، ولا أقول إنه إيمان، فالأمر تجاوز الإيمان ليصبح حياة وقناعات!
ولكن السوري كان دوماً يدفع ضريبة هذا التنفس، ففي خارج سورية، وفي كل الدول العربية عدا مصر، هو قومي وبعثي، وربما لم يكن كذلك، وربما كان مناقضاً للحزب في سورية، ولكن ما أسبغته الدول العربية على الفكر القومي والحزب من صفات تم تعميمه على السوري مهما كان انتماؤه، ومهما كان يحمل من آراء وأفكار، فالسوري قومي وبعثي، وهو محلّ شبهة في أي دولة عربية، ويتم التعامل معه على هذا الأساس! ومع ذلك فهو يعمل ويكدح ويتابع ولا يكترث لأي شيء، وقد شهدت في أثناء رحلة اغترابي عدداً من السوريين الذين لم يكونوا من القوميين، ولا من البعثيين، بل إن بعضهم كان على خلاف شديد مع بعثيين فاعلين، لكنه إن اقترب أحدهم للنيل من سورية ورموزها تحول إلى شخص آخر، وكأنه هو من ولّد القومية والحزب، وربما دفع بعضهم ثمن مواقفه التي ليست له أصلاً، لكن تنفسه للعروبة والوطنية جعله منافحاً ومدافعاً، وحين دفع الثمن لم يأته شكر، ولم يكترث له أحد، وربما عاد إلى سورية ولم يجد عملاً، وهو يعلم علم اليقين بأنه لو تصرف غير ما تصرف –وهو لن يفعل- فإن أخباره ستصل قبله!
وربما حضر إلى سورية خصم عنيد لم يترك نقيصة لم يلصقها بها، واحتفل به، واستقبل استقبال الفاتحين! ومنذ مدة جاء أحدهم، ومواقفه حادة من سورية وجادة، وكان له ما لا يحظى به السوري، وردد مستضيفوه: هذا دليل على تغيير نظرته من سورية! لا .. يا..
يفعل ما لا يحتمل، ونعدّ تفضله بالحديث معنا إنجازاً، استحوا يا ناس، فالسوري أكثر وعياً وأكثر ثقافة وأكثر تحضراً، والمبدع السوري إن عطس فإبداعه أهم من قارة، والصحفي السوري إن كتب لا يقف أمامه أنصاف الصحفيين الذين تفتحون لهم الأبواب!
دوماً نشيد بالكاتب الفلاني والشاعر الفلاني والصحفي الفلاني، وكلهم بالطبع ليسوا سوريين، ولا نقف عند مناقشة حقيقية، فما نقدمه لهم نحن لا نقدمه لمبدعينا، وما نضعه بين أيديهم لا نضعه بين أيدي أبنائنا، وما نجود لهم به لا نجود به لأنفسنا! وشرط الحرية الذي نعطيهم فوق التخيل.
والتسامح الذي نمنحهم أكبر من تسامحنا مع أولادنا.
ناهيك عن الشرط المادي، فكل واحد منهم يتقاضى من مؤسسة ما يكفي قافلة من الذين يتفوقون عليه من السوريين، وكبارنا يسعون إلى لقائه وتدليله وتكريمه بكل السبل، ويبقى السوري في الداخل مترقباً، ولكنني شهدت بأن السوري العادي لا يخدع ولا ينخدع، والأمر لا يتجاوز فئة من الناس الذين يحبون هذا الصنف ويروجون له.
الحرب على سورية اليوم في خواتيمها، والسوري الحقيقي، وأصرّ على وصفه بالحقيقي، مواطناً وفناناً ومبدعاً وصحفياً، لم يغادر لا طوعاً ولا كرهاً، وغادر بعض المتفوقين، وكثير من المتواضعين والمبتدئين، فالذين غادروا صاروا في مكانة بعيدة شهرة ومالاً وسفراً واطّلاعاً، والسوري المتفوق الذي بقي استمر على فكرة الواجب الوطني ويتقاضى ما يعادل يوماً لذاك في شهر.. اليوم في خواتيم الحرب، وقد يعود كثيرون ممن خرجوا في إطار المصالحات، وحق كل سوري أن يفكر في العودة، وتخيل معي أنك ستكون مضطراً لتحيا أن تمتدح من كان تلميذك! أو أن تجري حواراً مع أحدهم، ولم تكن من قبل تقبل جملة يكتبها!
حمل السوري الفكر العروبي ودفع ثمنه
وحمل السوري الحقيقي الفكر الوطني وسيدفع ثمنه
نعم سيدفع، وخاصة عندما يأتي المتمولون الذين أحرقوا البلاد، على أقل تقدير بالكلام! السوري بحاجة ماسة إلى تقديره.
من العيب أن يتداعى سادة القوم للاحتفاء بأي قادم من الخارج، ويتم إهمال الناس الحقيقيين، الحرب أفرزت لنا طبقة طفت على السطح، ليست هي سورية، وليست هي كل السوريين، وركب موجة الحرب في سورية طبقة من العرب الذين يريدون تعليم السوري، وأي سوري؟ السوري الباقي في سورية، يريدون تعليمه آليات حب سورية، ويجب أن يقف تلميذاً ليتعلم حب سورية على أيديهم!
الفتى السوري في سورية غريب الوجه واليد واللسان، عذراً من غريب المتنبي، ومن غريب كامو..
لنحتفِ بالقادم إلينا، لكن ليس على حساب الأصيل منا.
كلهم، وبلا استثناء كانوا يفكرون في طرق خلاص متعددة.
إلا السوري الذي بقي في سورية الذي اختار البقاء تجذراً أو موتاً.
السوري في كل بقعة قومي يخشى من آرائه، ابتداء من لبنان الشقيق، ومن قبل الحرب، هو شخص غير مرغوب فيه، وصولاً إلى الخليج العربي، وانتهاء بالمغرب العربي الذي لا يتمكن السوري من زيارته، وقبل الحرب بكثير، إلا بشق الأنفس.
واليوم تكتمل الدائرة على السوري الغريب، فأصبح الجميع معززين مكرمين في سورية، وهو يرقب ويتأمل ويألم.. حتى في الحرب السورية ضرع يعطي غذاء، هم من يأخذونه والسوري يرقب، ويريدون تعليمه والسوري يصمت!
السوري مبدع، ولا يحتاج إلى تصنيف
قومي لا يمكن لأحد أن يضاهيه أو يقترب منه
تذبحه القومية، فيصبح نسرها المدافع عن سكينها التي تذبحه
يظلمه وطنه، ووحده يجد المسوغات التي تغفر وتسامح
يأخذ مكانته الآخرون، فتجده يحدثك بالضيافة وضرورة الاستقبال..
كل القادمين إليه أهله، ولهم صدر البيت
وإن خرج عاملاً فهو وافد
وإن خرج مظلوماً فهو لاجئ
وشتان ما بين وبين..
ويبقى السوري للزمن القادم.. وبعد القادم
والمسؤولون شغوفون بما يملكون من مزايا! وهذه المزايا تبقى مع بقاء السوري غريباً!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن