قضايا وآراء

الحجز على شركات عابرة للأوطان لإعمار سورية

| تييري ميسان

كانت 114 دولة أعضاء في تجمع «أصدقاء سورية» لتمويل تدمير سورية عن طريق الجهاديين، وها هي بعد فشلها الذريع، تتملص من دفع أي شيء لإعادة إعمار ما دمرته، بل تتمنى إملاء جيوبهم، وهم متخفون وراء أقنعة جرائمهم، أملاً بالحصول على عقود إعادة الإعمار.
قدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «إسكوا»، التي انعقدت في بيروت يومي 7 و8 آب الجاري، تكلفة إعادة الإعمار بحدودها الدنيا في سورية، بمبلغ 388 مليار دولار، ومن المتوقع أن تٌقدم تقريراً مفصلاً بهذا الخصوص في شهر أيلول القادم.
ولأنها أدركت أخيراً أن ما مر على البلد، لا علاقة له من قريب أو من بعيد بـ«الحرب الأهلية»، بل بعدوان خارجي، لذلك أعلنت عن عنوان تقريرها: «سورية، 7 سنوات في حرب، وليس 7 سنوات حرب».
وهاهي الولايات المتحدة، التي خططت للحرب منذ عام 2004، لا ترغب الآن بتقديم مليم واحد، لأنه وفقاً لإدارة دونالد ترامب، فقد صُممت هذه الحرب إبان إدارة جورج بوش الابن، ونفذتها إدارة باراك أوباما، وبناء على ذلك، لم تكن هاتان الإدارتان تخدمان مصالح الشعب الأميركي، بل مصالح الطبقة المالية العابرة للأوطان.
صحيح أن تلك الإدارتين قد تسببتا بدمار هائل في سورية، لكنهما قوضتا الاقتصاد الأميركي أيضاً، لذلك لا ترى واشنطن الآن أنه يجب عليها أن تدفع، بل ينبغي على أولئك الأشخاص، والشركات العابرة للأوطان، المتورطة مباشرة في الحرب، أن يدفعوا.
نذكر على سبيل المثال وليس الحصر، صندوق الاستثمار «كي. كي. آر» الذي يملكه هنري كرافيس، وقيمته السوقية 150 مليار دولار، يعمل فيه حالياً الجنرال ديفيد بترايوس. كان يقدم المال وينقل الأسلحة إلى تنظيمي القاعدة، وداعش، أو شركة تويوتا اليابانية لصناعة السيارات، والقيمة السوقية لها 170 مليار دولار، والتي كانت تمد داعش بسيارات الدفع الرباعي الحديثة، أو الشركة المصنعة لمعدات البناء كاتربيلر والقيمة السوقية لها 76 مليار دولار، والتي قدمت للجهاديين آلات حفر الأنفاق اللازمة لبناء شبكات تحت الأرض، ناهيك عن مُصًنع الإسمنت الفرنسي السويسري لافارج هولسيم، وقيمته السوقية 40 مليار دولار، الذي أنتج 6 ملايين طن من الأسمنت لبناء مخابئ للجهاديين، إلخ.
لعله من الواضح الآن أن التزام هذه الشركات بتنفيذ خطة الأدميرال آرثر سيبروفسكي، الرامية إلى تدمير دول ومجتمعات الشرق الأوسط الموسع، يرجع، ربما، إلى يقين هؤلاء بإمكانية وصولهم إلى الموارد الطبيعية في المنطقة، تحت حماية الجيوش الغربية.
هذا يعني أيضاً، أن إجبار هذه الشركات المتعددة الجنسيات، العابرة للأوطان على أن تدفع ما عليها، لا يعفي بعض الدول من الدفع، كالسعودية، والكويت، وقطر، أو تركيا، التي ساهمت هي، أو بعض مواطنيها، بتمويل الجهاديين بشكل علني.
إذا نجحت الجمهورية العربية السورية في جمع الأدلة التي تثبت دور تلك الشركات المتعددة الجنسيات خلال الحرب، فسيكون من حقها رفع دعاوى قضائية أمام محاكم بلدان مقرات تلك الشركات، وإذا استندت سورية إلى حجة الرئيس ترامب في ادعائها، فسيمكنها ذلك من الاعتماد على دعم الإدارة الأميركية الجديدة في مسعاها.
لذلك من الممكن، حتى لو لم يكن بمقدور أحد إجبار تلك الدول على الدفع، جمع مبلغ 388 مليار دولار الذي ذكرته لجنة «إسكوا».
في نهاية كل الحروب التي أدت إلى دفع تعويضات، كان يجري إلقاء الحجز على الشركات الوطنية المتورطة، أما ما هو جديد هذه المرة، فسيكون باستخلاص النتائج من العولمة الاقتصادية، والإقدام على إلقاء الحجز على الشركات العابرة للأوطان المتورطة بالحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن