ثقافة وفن

في «اللون الثامن» فيلم لحضارة إنسان يعمّر منذ آلاف السنين … الفنان السوري كاظم خليل.. يرتشف القهوة فناً وإبداعاً ولوحاته تثير كل التساؤلات المحرجة

| سوسن صيداوي

«لدى كاظم الكثير من الصعوبات في حياته اليومية، لكنه في قرارة نفسه هو من اختار تلك العزلة، إذاً، إنه خيار مع كل ما يرافقه من صعوبات ومشكلات لا تكف عن تعزيز هذا الخيار، وهذا ما يميز تجربَة كاظم. إنسانٌ من دون تجارب ومن دون مصاعب ولا معاناة، سيكون أشبه بدمية». هكذا وصف الشاعر أدونيس الفنان التشكيلي العالمي كاظم خليل، الذي استطاع بأسلوبه وتقنياته أن يكون علامة سورية فارقة، فارداً لنفسه مكاناً واسعاً في المحافل التشكيلية الغربية، حاصداً منها أفضل الجوائز من خلال أعمال يعتبرها ضرورة ملحة لمتابعة حضارة سورية عريقة عمرها آلاف السنين. في هذه الفترة زار الفنان بلده سورية مشاركاً في ورشة-أقامها مركز ستيج أرت للفنون/ في المزة بدمشق- تجمّع فيها كل شباب طامح لتعلّم أساليب الفن التشكيلي باستخدام تقنيات مختلفة تميّز بها الفنان وهي الرسم بالقهوة وباستخدام الأصابع، كما تخلل الورشة عرض فيلم «اللون الثامن» للمخرج الإيطالي اليساندرو كارتوزيو.
«الوطن»حضرت الورشة التي تخللها عرض فيلم وثائقي عن الفنان إضافة إلى القيام بالرسم كما أسلفنا. وللمزيد نتوقف عند العديد من النقاط.

في اللون الثامن

خلال الورشة تم عرض فيلم حمل عنوان«اللون الثامن» للمخرج الإيطالي اليساندرو كارتوزيو، مدته أربعون دقيقة تقريباً، ظهر فيه مجموعة من ذوي أصحاب الكلمة في الأدب والفن التشكيلي هم: الشاعر أدونيس، ميشيل أرشيمبو ناشر ومؤرخ للفن المعاصر، دانييل لامبرور مُقتنية أعمال ومجموعات فنية، فايز مقدسي كاتب وشاعر، كريستيان بيرست صاحب صالة عرض، والكاتبة فاضلة هباج. كلهم قالوا كلمتهم الواصفة للفنان كاظم خليل بشخصه وأسلوب فنه، والأهم كيف تعرفوا عليه أو يقرؤون أعماله. فمثلاً في البداية تحدث الكاتب مقدسي عن اسم الفنان ومعناه قائلاً: «طالما نحن نتحدّث عن الخصوبة في أعمال كاظم، فإن اسمه خير مثال على ذلك، أنه يحب اسمه مع أنه ليس اسماً شائعاً. كاظم كلمة سومرية الأصل وتعني «الماء الجاري أو المطر الذي يهطل». ويضيف في مكان آخر «لدى كاظم، جبروت يخترق ويعبُر إلى كل ما هو إنساني، بما في ذلك، الآلة والتكنولوجيا».

صراع بين الحرب والحياة

في«اللون الثامن» تطرق الفيلم إلى العديد من جوانب شخص وأسلوب الفنان، ولكن هناك جانب مهم لا يمكن أبداً غض النظر عنه ويتحدث عن تأثر الفنان «خليل» بالأزمة السورية لكونه ابن البلد، فتم تسليط الضوء على أعمال الفنان التي عاصرت الأزمة في الوقت الذي أنتج به الفيلم، أي في السنة الرابعة للأزمة في بلدنا، فلوحات «كاظم» وعلى الرغم من بربرية الحرب وقساوتها، إلا أن الأعمال دائماً جسدت سورية الكبرى: سورية، لبنان، الأردن، العراق وقبرص…إلخ، وهناك في تاريخها لم تكن تعاني سورية من حرب، ويضيف هنا الكاتب والشاعر فايز مقدسي«عندما رأيت اللوحة الأخيرة لكاظم، وجدت فيها ما يعكس ذلك العنف وبربرية الحرب. رأيت ذلك في لوحاته، وحتى قبل نشوب الحرب في سورية، لقد بدأ كاظم في رسم رؤوس مقطوعة، كنت أرى الكثير من المجازر: رؤوساً وأجساداً وأشلاء آدميَّة، وأحزاناً مروّعة في عيون أشخاصه. لا أستطيع تأكيد ما إذا كان يعرف الذي سوف يحدث لاحقاً في وطنه الأم سورية، لكن أعتقد أنه كان يستشعر ذلك في أعماقه. فليس سوى الفنان وحدُه من يستطيع استشعار هذا النوع من الأحداث. لقد رأى تلك الحرب قبل أن تبدأ».
على حين اعتبر الشاعر أدونيس أن كاظم خليل كونه فنانا فهو يتمتع بحدس عالٍ قائلاً: «يمكننا القول إنه كان يملك شيئاً من الحدس لما سوف يحصل لاحقاً في الحياة اليومية لسورية والعالم العربي أيضاً، أو ما كنا نسميهم ذات يوم، عرباً. فلقد كان عنده ضرب من الحدس».

من جانبها تحدثت الكاتبة فاضلة هيباج عن هذا الجانب في أعمال الفنان التشكيلي وأيضاً من خلال الفيلم المعروض، مشيرة إلى أن لوحة الفنان قادرة على إثارة كل الاستفهامات والتساؤلات المحرجة، وعما يحدث في سورية «لقد ألف السلام هناك، في النهاية. ما الذي نفعله الآن؟. ما الذي يحصل؟». وتضيف في مكان آخر«كاظم يروي قصصاً في لوحاته؛ لكونه ضحية، وفي الحقيقة هو ضحية، لقد فَقدَ بعضاً من أهله في سورية. لقد رسم وجه أخته؛ وقد هالني أنها كانت تلك المرأة. بنظرتها المعبرة بقوةٍ عن الهلع. أظن أني بكيت حينها. إنها لوحة قوية حقاً».

عن علاقته بالقهوة

في الورشة وفي وقت انتظاره لمجموعة المشاركين من الشباب الطامحين والطلاب للفن التشكيلي حدثنا وهو يجهز قهوته-لا ليحستيها بل ليرسم بها مستمتعاً عبر أصابعه- لكونه كما يقول: «يحب أن يمزج المواد ببعضها». وعن علاقته بالقهوة قال: «لطالما كانت القهوة رفيقة قريبة مني في الوقت الذي كنت فيه مدخناً نهماً- اليوم لم أعد كذلك- لكن هذه العلاقة مع القهوة بقيت في داخلي كوننا من مجتمع في البداية القهوة هي المشروب الذي يدعو به بعضنا بعضاً كي نتبادل أثناء احتسائه الأحاديث والأخبار، بل يتجاوز اللقاء بين النساء في قراءة الفنجان في جو من التسلية والمرح، ولكنه في واقعه يحمل الكثير من الرمزية، لكون السيدات يقمن بفك الرموز في الساحة التجريدية التي يفردها الفنجان، ويحاولن قراءة المستقبل من خلال هذه الرموز. هذه الحالة كانت هاجساً لي ودفعتني للعمل على القهوة كمادة أرسم بها في الوقت الذي عملت على المادة كي لا يتضرر منها العمل من حيث تعرضها للعفونة أو لتغيير في اللون، فقمت بعلاجها واستعضت بها عن الحبر والمواد الأخرى، وبالطبع أحب أن أركز هنا بأنني أحب الطبيعة كثيراً وأردت أن يكون عملي طبيعياً وعضوياً. وخلال الورشة أنا أقوم بتحضير القهوة-كما ترين-كي نقوم بالرسم بها عبر الأصابع، وليرى الشباب المشاركون هذه التقنية ويقوموا بتجربتها».

تجدر الإشارة

الفنان التشكيلي كاظم خليل من مواليد اللاذقية 1965.
يقيم ويعمل في فرنسا منذ عام 2001 حيث جرت له العديد من المعارض.
عضو نقابة الفنانين المحترفين في فرنسا، وعضو جمعية الفنانين المحترفين (باريس)، وعضو الاتحاد الدولي للفنانين العالميين (اليونسكو).
أقام «خليل» عدداً كبيراً من المعارض الفردية والمشتركة في عدد من دول العالم.
حصل على الجائزة الأصلية (بري سينياتيور) التي تمنحها النقابة الوطنية للفنانين المحترفين، حدائق القصر الملكي/باريس.
حصل في عام2002 على جائزة البحث والتقنيات الحديثة في الرسم، صالون 73 للرسم والنحت والحفر(مينيتر) /آنجيه/ فرنسا.
حصل على الجائزة الأولى للفنانين المحترفين (مسابقة مون مارت بريوليه) عام 2004.
حصل على الجائزة الأولى (الاحترافية) للأعمال الفنية لتقنيات الرسم على الورق (سان لوب)/فرنسا عام2005.
حاصل على الجائزة الأولى لتجمع الفنانين الفرنسيين للرسم والعرض المباشر أمام الجمهور(سان مالو) /فرنسا في عام2006.
رُشِّحَ لجائزة الغراند باليه الكبرى Grands palaisلعامي 2008 و2009.
فاز بجائزة الرسم والتصوير لعام 2010 في الغراند باليه الكبرى والتي شارك فيها نحو 1200 فنان من أنحاء العالم كافة.
فاز من خلال لوحة «المذبح: خشبة التقطيع» بالميدالية البرونزية في صالون «باريس فنون العاصمة» بالغراند باليه في عام2013.
يعد الفنان كاظم خليل الفنان العربي الوحيد المشارك في تظاهرة باريس (فنون العاصمة).
يعتبر أول من استخدم في 1983 تفل القهوة كلون يصنع به كل لوحاته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن