من دفتر الوطن

هيجان غير ذكي!

| حسن م. يوسف

أحسب أن طريقة المرء في إدارة شؤونه هي الأكثر تعبيراً عن سويته العقلية، ولمناسبة حالة هيجان «البطاقة الذكية» التي تعصف بيوميات السوريين الآن، أود أن ألخص لكم وقائع شريط رسوم متحركة عن فن الإدارة أسمح لنفسي بأن أترجمه لكم لأن فيه الكثير من الحكمة.
يظهر في الشريط رجل يجر عربة، يتم توصيفه بأنه شخص يبذل جهده في جر العربة وتوجيهها، يعرف ماذا يفعل؟ وإلى أين هو ذاهب؟ ومن يقم بمثل هذا الأداء الفعال يوصف بأنه عامل كفء فعال.
يظهر شخص ثان يشارك بكل جهده في دفع العربة من جانبها، يوصف بأنه فاعل مؤثر وغالباً ما يمتاز مثل هذا الشخص برغبة هائلة في أن يعمل ويتعلم ويتطور، ومع قليل من الرعاية والتدريب من الممكن أن يتحول إلى عامل كفء مثل الأول.
يقفز إلى داخل العربة شخص ثالث ومن مكانه فوق العربة يقوم بدفع دولابها إلى الأمام وهذا الرجل يوصف بأنه هو الأقل فعالية. فهو يرغب في المساعدة إلا أن مساهمته لا تحدث أي تغيير في النتيجة النهائية.
يركب شخص رابع فوق محور دولاب العربة الصاعد والهابط وهذا النوع من الأشخاص غالباً ما يكون من النوع المثير للمتاعب فهو يصعد ويهبط متذبذباً بين المساعدة والعرقلة. ووجود مثل هذا الشخص يجعل العمل أكثر صعوبة كما يجعل نتيجته أقل وضوحاً.
يلحق بالعربة شخص خامس يبتسم للأربعة السابقين على حين إنه في الأسفل يشد العربة نحو الاتجاه المعاكس، في محاولة منه لعرقلة التقدم. ووجود مثل هذا النوع من الأشخاص يشكل تهديداً خطراً لأي عملية جماعية، إذا لم يتم التنبه لدوره في الوقت المناسب.
يدرك قائد العربة حقيقة ما يجري عندما تمر عربة ثانية مسرعة تحمل ثقلاً أكبر، فيوقف عربته ويطرد الخامس (المعرقل) لكنه في الوقت نفسه يطرد الثاني (العامل المؤثر) الذي يسانده. يختتم الفيلم بالقول إن النجاح لا يتم إلا إذا ميزنا بين من يعوق تقدمنا ومن يساعدنا.
قبل بضعة أعوام دعيت للمشاركة في مؤتمر دولي مهم في دمشق وقد أبلغتني الجهة الداعية أنه ثمة حجزاً فندقياً باسمي، وصلت إلى الفندق حيث سيقام المؤتمر فهالني حجم الازدحام والفوضى. توجهت إلى مكتب العلاقات العامة لاستلام بطاقة المشاركة فوجدت المكلف الأمر مرتبكاً جداً وهو يبحث في كرتونة كبيرة عن بطاقة أحد المدعوين!
قد يظن القارئ أنني أمزح لأن مجمل المشاركين في ذلك المؤتمر لم يكن يزيد عن أربعمئة شخص، إلا أن غياب العقل الإداري المرتب، حَوَّل العثور على بطاقة أي واحد من المدعوين إلى معاناة كبرى. فبدلاً من أن يتم ترتيب البطاقات أبجدياً في علبة واحدة وتعليق كل بطاقة بالشريط الحامل لها قبل لحظات من تقديمها لصاحبها، قام جماعة العلاقات العامة بخلط البطاقات ببعضها بعد وضع الأشرطة الحاملة لها ما جعل العثور على أي بطاقة مغامرة كبرى بسبب تشابك الأشرطة في تلك الكرتونة المشؤومة!
كان رجل العلاقات العامة غارقاً في عرقه، فلم يعطني الحقيبة المخصصة للمشاركين ولا بطاقات الدعوة الخاصة بي، كما لم ينبهني لوجود غرفة باسمي في الفندق، ما جعلني أستنتج عدم وجود مثل هذه الغرفة. ونظراً لأنه لم يكن لدي عنوان صالح للإقامة في دمشق في ذلك الوقت فقد حجزت في فندق درويش على قد الحال. النكتة الأكثر إضحاكاً في ذلك المؤتمر هي أن موظف العلاقات العامة ذاك، جاءني ملهوفاً قبل حوالي ساعتين من اختتام المؤتمر كي أستلم الغرفة المخصصة لي في الفندق!
يوم الأربعاء الماضي سمعت مديراً مهتاجاً يتحدث في الراديو عن «النجاح التام» لتجربة البطاقة الذكية رغم أن أغلبية السوريين، وأنا منهم، لم يروا تلك البطاقة بعد! فعن أي نجاح يتحدث سيادة ذلك المدير يا ترى؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن