ثقافة وفن

العلاج عبر الإنترنت يشيع هذه الأيام … هل يصبح بديلاً من العيادات النفسية ليكون المريض النفسي بمأمن عن عيون الناس؟

| هبة اللـه الغلاييني

يشكل الحاجز النفسي الموروث في منطقتنا العربية عائقاً أمام زيارة الطبيب المختص، وذلك على الرغم من التطور الكبير في إنتاج العقاقير الطبية التي تعالج مختلف الأمراض النفسية، إضافة إلى انتشار العيادات النفسية التي تقدم المساعدة اللازمة للمريض. وتقول أرقام رسمية صادرة عن إحصاءات لمنظمة الصحة العالمية إن نحو 800 ألف شخص ينتحرون سنويا، أبرزها الأمراض النفسية، إضافة إلى الاكتئاب الذي يعد الأكثر فتكا بالبشر في نسبة الانتحار، ونحو 300 مليون شخص حول العالم يعانونه.

هواجس مجتمعية
ونتيجة للهواجس المجتمعية بشأن زيارة الطبيب النفسي، ظهرت في الآونة الأخيرة طرق جديدة لمساعدة الأشخاص الذين يعانون مشكلات نفسية، من دون أن يضطروا إلى مواجهة نظرة المجتمع القاسية، إذ يستشير البعض الأطباء النفسيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما فتح باب الجدل حول جدوى هذه الاستشارات، وخاصة مع ظهور تجارب رائدة في تقديم الاستشارات النفسية عبر الإنترنت.. مثل موقع shezlong.
تأسس موقع shezlong للعلاج النفسي عبر الإنترنت عام 2013، وسمي لرمزيته المعتادة في المجتمع، حيث ارتبط الطبيب النفسي بالـchaise longue، أي الكرسي الطويل الذي يجلس عليه المرجع مسترخيا ومتحدثا عن كل شيء، وذلك بحسب المهندس أحمد أبو الحظ، مؤسس الموقع ومديره التنفيذي الذي تخرج في كلية الهندسة عام 2010.

الاكتئاب والحركة
يحكي أبو الحظ كيف بدأت حكاية shezlongعام 2013 فيقول: (أصبت بحادث سبب ضررا كبيراً أدى إلى إصابتي بالاكتئاب، حينها كنت في حاجة إلى الطبيب النفسي، إلا أنني لم أكن أستطيع مغادرة السرير وغير مسموح لي بالحركة، ففكرت لماذا لا يوجد طبيب نفسي عن طريق (الأون لاين)؟ حيث يمكن لأي شخص التواصل معه وبأي وقت من دون عائق، وهنا كانت البداية).
ويضيف أبو الحظ (ربما أكبر المخاوف التي تمنع الناس من البحث عن العلاج في أي وسيلة إلكترونية: خوفهم على بياناتهم ومعلوماتهم السرية، إلا أن العميل في shezlong ليس مضطرا إلى أن يسجل باسمه الحقيقي أو بياناته الواقعية على الموقع، كذلك من الممكن أن تكون الجلسة بينه وبين الطبيب صوتية فقط من دون تشغيل الكاميرا، ما يدعم خصوصية وسرية العميل، وقد وصل عدد مستخدمي الموقع الآن إلى 50 ألف شخص من 45 دولة حول العالم)
ويرى أبو الحظ، أن للموقع أثره في التخفيف من الوصمة المجتمعية لطالبي المساعدة النفسية، ويختتم قائلا: (الوطن العربي بحاجة إلى خدمات مثل shezlong بسبب الوصم المجتمعي للمريض والمريض النفسي، وأن يكون هناك خدمة تمكن الشخص من التواصل مع الطبيب النفسي في أي وقت عن طريق (الأون لاين) الذي يسهم في الحد من نظرة المجتمع بالتدريج).
تقول (هند) من مصر، 27 عاما: يفتقر العالم العربي إلى عقليات تتقبل الطب النفسي، ما دعاني إلى اللجوء للعلاج عبر المنصة الإلكترونية، وبالنسبة إلي لم تكن التجربة جيدة، فهي بالطبع مفيدة، ووسيلة سهلة بالنسبة إلى غير القادرين على زيارة الطبيب المعالج في العيادة، لكنني أعتقد أن سلبياتها عديدة، أهمها عدم وجود تفاعل حقيقي بين صاحب الاستشارة والطبيب الذي يتسبب في عدم الرؤية الواضحة والكاملة للمشكلة، وتشير هند إلى (أنه ربما لاحقا يمكن أن تسهم المنصات الإلكترونية في إزالة الوصمة المجتمعية للمرض النفسي، فمجتمعنا في حاجة إلى المزيد من الوقت للتغيير).

رفض الزوج
وتقول (سارة) من لبنان، 29 عاما: كنت في حاجة إلى زيارة معالج نفسي، لكن بسبب رفض زوجي قررت البدء بالعلاج النفسي الإلكتروني منذ عامين تقريبا، وتواصلت مع طبيب على موقع shezlong، في البدء كنت أريد أن تكون الجلسة صوتية فقط بسبب خجلي الشديد، لكن الطبيب أخبرني أنه من الأفضل أن تكون المحادثة صوتا وصورة، وتتابع سارة: (استمر العلاج لجلسات عديدة، الحمد لله، أنا الآن في حالة نفسية أفضل، لقد استفدت من التجربة، وكان أهم ما يميزها أنه في إمكاني أن أحدد موعد الجلسة في الوقت المناسب لي وأنا في المنزل، كما أني لم ألاحظ أي مساوئ، ربما لأنني كنت أعاني مشكلة وسعدت بإمكانية تواصلي مع طبيب، لأن فرص حصولي على المساعدة كانت ضئيلة جدا، لذلك أنصح كل من يحتاج إلى طبيب نفسي بألا يلتفت إلى الناس، ويحاول اللجوء إلى اختصاصي طب نفسي في أقرب وقت ممكن ليوقف انهيار حياته.

الإدمان والسرية
بدأ د. نبيل علي نصر(من مصر) وهو اختصاصي طب نفسي وعلاج الإدمان، عمله مع shezlong اختصاصياً نفسياً منذ فترة قريبة، ويؤكد أنه (لا فرق بين من يلجأ إلى جلسات (الأونلاين) أو جلسات العيادة النفسية، فلربما يلجأ إلى (الأونلاين) من يشعر بهيبة وخوف من الذهاب إلى الطبيب النفسي في العيادة، إذ إن هناك مسافة بينهما عبر الإنترنت تسهم في التخلص من الرهبة، ويضيف الدكتور نبيل (إنه لا فوارق جوهرية بين العلاج في العيادات النفسية أو عبر الإنترنت، لأن صاحب الاستشارة في الحالتين لجأ إلى طبيب نفسي، لأنه في حاجة إلى المساعدة، وهذا في رأيي الأهم. أما في بعض الحالات الطبية الصعبة التي لا تطلب المساعدة من تلقاء نفسها فيصعب علاجها، لأنه يجب على المريض التواصل مع الطبيب خلال الجلسة بفعالية) كما تكون بعض الحالات في مراحل متقدمة من المشكلة النفسية، وتحتاج إلى قضاء فترة في المستشفى، أو إلى طرق مساعدة أخرى للعلاج، مثل العلاج الجماعي أو غيره وهو ما يجعل كل حالة مختلفة عن الأخرى، ويوضح د. نصر قائلا: (إن جلسات الأونلاين ليست مشكلة في التواصل مع صاحب الاستشارة، ولكن بالطبع من الأفضل أن ألتقي المريض وجها لوجه، لكنني أحترم رغبة صاحب الاستشارة لأن راحته النفسية هي الأهم أولا، وأشدد على أنها ليست دائماً الوسيلة الأفضل لنجاح الجلسات) ويرى أن بعض الحالات تبدأ بجلسات أون لاين ثم تقرر المتابعة في العيادة، ويتابع: (أنا كطبيب أواجه تحديات التواصل مع العميل فقط، من دون أي فرد من أفراد عائلته، ما يجعل الحالات التي تفكر في الانتحار أكثر خطورة، لذلك أحاول العمل مع المرضى بأكثر من تقنية علاجية لمساعدتهم وإنقاذهم. على الرغم من بعد المسافة الذي قد يجعلني عاجزا عن فعل الكثير، إضافة إلى أبرز العقبات التي تواجه من يعانون مشكلة نفسية، وهي أن يعترفوا بحاجتهم إلى المساعدة النفسية، كذلك عدم التخبط بين معالجين غير مؤهلين في مجال الطب، والتأهيل النفسي من دون دراسة أو معرفة كافية. مؤكداً أن جلسات (الأونلاين) لن تحل محل الجلسات في العيادات النفسية، بسبب اختلاف التجربتين) موجها نصيحة إلى من يترددون من طلب الاستشارة النفسية (الأونلاين) عبر الموقع بالقول: (خوضوا التجربة فلن تخسروا شيئا، اختاروا المعالج وتواصلوا معه أولا، اشرحوا له مشكلتكم ثم تناقشوا معه.
هل يستطيع مساعدتكم أم لا؟ وما تخصصه؟ لأنه من حقكم أن تعرفوا هل المعالج سينجح في مساعدتكم وتتأكدوا إن كانت حالتكم ضمن اختصاصه أم لا؟ ويختتم د. نبيل قائلا: (سعيد بالعمل مع shezlong وتعاونهم الكبير مع المعالجين، وأتمنى أن يكون الموقع نافذة لكل شخص في حاجة للمساعدة، وأرجو ممن يفكر في بدء هذه الجلسات أن يتحلى بالصبر على العلاج، فالتغيير النفسي والسلوكي عملية معقدة وتحتاج إلى وقت، فهو ليس سحرا، ولا تقيموا تجربتكم من وجهة نظر واحدة سريعة، بل تناقشوا مع المعالج بشأنها وشأن تطوركم النفسي خلال الجلسات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن