ثقافة وفن

إحراق الأقصى جزء من مخطط لتهويد القدس … الجريمة تمت في سياق الاعتداءات الإسرائيلية المخطط لها على الأماكن المقدسة

| المستشار رشيد موعد

يصادف يوم 21 آب الذكرى 49 لإحراق المسجد الأقصى عام 1969.. حيث استفاق أهالي مدينة القدس على أصوات الاستغاثة، حين أقدم المجرم اليهودي «مايكل دينس روهان» وهو أسترالي الجنسية بحرق محتوياته.. وقد أتت النار على منبره الخشبي القديم المتميز الذي صنع في مدينة حلب السورية وأهداه القائد البطل صلاح الدين الأيوبي إلى القدس.

وزعم الكيان الصهيوني حينها أن ذلك الشخص «مايكل روهان» معتوه. وبعد حرق المسجد الأقصى قالت: «غولدا مائير» وكانت آنذاك رئيس الوزراء لهذا الكيان.. لقد حزنت .. وفرحت..
حزنت.. أنني توقعت أن «إسرائيل» ستزول من الوجود وتحرق.. أي إن العرب والمسلمين سينتقمون ويحرقون «إسرائيل».. وفرحت.. لأن ذلك لم يحدث.. بل الذي جرى.. هو الشجب والإدانة.. والاستنكار من العرب والمسلمين ومن العالم أيضاً.. وأولتك عهدي بهم.. وهذا لا يخيفنا.. فعرفت أن «إسرائيل» باقية.. وهذا سر فرحتي.
وكان سبقها قبل ذلك «تيودور هرتزل» مؤسس الحركة الصهيونية في أول مؤتمر صهيوني عام 1897 في بازل-سويسرا- حين قال:«إذا قدر لنا.. وأخذنا القدس.. فسوف أمحو وأُزيل كل أثر لا يمت إلى الصهيونية بصلة» وأكد ذلك في يومياته التي نشرها آنذاك.
كلام عنصري بامتياز قيل منذ 111 عاماً.. ونرى الآن ترجمته على أرض الواقع.
جريمة إحراق المسجد الأقصى تمت في سياق الاعتداءات الإسرائيلية المخطط لها على الأماكن المقدسة في مدينة القدس.. فقد دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشكل مستمر على التعرض لحرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية، والاعتداء المتكرر عليها بهدف تنفيذ مخططاتها الرامية إلى تغيير طابع القدس، وطمس معالمها الإسلامية والمسيحية، سعياً لتهويد تلك المدينة المقدسة.
حيث أتت النيران على المسجد المبارك، وجدرانه وأثاثه ومنبر القائد صلاح الدين الأيوبي التاريخي الذي ألقى من فوقه خطبة تحرير القدس.. كما أتت النيران على مسجد الخليفة عمر بن الخطاب، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين.
وبلغت المساحة المحترقة 1500م2 أي ثلث مساحة المسجد البالغة 4400 متر مربع.. وأحدثت النيران ضرراً كبيراً في بناء المسجد، وسقط سقفه على الأرض.. واحترق السجاد بأكمله.
بعد توقيف المجرم «مايكل روهان»، قامت المحاكم الصهيونية المختصة بتبرئة ساحته مما نسب إليه معللة ذلك بفقدانه الأهلية وقام بفعله هذا من دون وعي وإدراك.. ثم أطلقت سراحه.. وأثناء توقيفه والتحقيق الأولي معه.. اعترف بأن ما قام به كان إيحاءً لنبوة جاءت في سفر زكريا.. مؤكداً أن ما فعله واجب ديني، كان ينبغي عليه فعله..».
ويعتقد اليهود أن القائد الروماني «تيطوس» دمرَّ الهيكل الثاني الذي يزعمون أنه كان مقاماً مكان المسجد الأقصى في 21 آب عام 70 ميلادية.. وهو اليوم الذي يحتفل اليهود بذكرى تحطيم هيكلهم، والذي يصادف أيضاً يوم إحراق المسجد الأقصى.
لذلك.. فإن لديهم الدافع والتبرير لارتكاب هذا الجرم للإسراع في بناء الهيكل الثالث المزعوم.. وعلى الرغم من أن الدلائل تشير إلى تورط مجموعة أخرى في هذا الجرم وأن هناك شركاء آخرين مع المجرم الصهيوني المذكور.. إلا أن قوات الأمن لم تفتح تحقيقاً في الحادث.. ولم تُحمل أحداً مسؤولية ما حدث.. وأغلقت الملف بعد أن اكتفت بأن الفاعل مجنون.
وإذا تقصينا ملابسات كل جريمة اعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وجدنا تشابهاً في تبرير القيادة الصهيونية حيث تسارع بالاعتذار بعد كل حادث ثم تبادر إلى تشكيل لجنة تحقيق.. أو عقد جلسة محاكمة، كوسيلة لامتصاص غضب الرأي العام العالمي والمحلي. والهدف المشترك لكل الاعتداءات وتعامل القيادة الصهيونية معها يدلان على وجود الطابع الذي يدعو إلى التهويد.
إذاً لم تكن جريمة الإحراق حدثاً عابراً.. بل كانت خطوة على الطريق تهدف إلى إعادة بناء الهيكل اليهودي المزعوم مكان المسجد الأقصى، بعد إزالته رغم كل المواثيق الدولية التي تمنع المساس بالمقدسات والآثار.
ففي عام 1948 اعتدى الصهاينة على المسجد الأقصى، ووجهت المدفعية قذائفها صوب المسجد.. وأصابت القذائف قبة الصخرة وقتلت عدداً من المصلين بداخلها كما نتج عن استمرار القصف حريق كبير فيه.. وكذلك.. في حرب حزيران عام 1967 اعتدى الصهاينة على المسجد الأقصى.. واستباحوا قدسيته.. وقتلوا العديد من الأبرياء.. وأقاموا صلواتهم داخل الحرم.. ثم تتابعت اعتداءاتهم بحجة الكشف عن التاريخ اليهودي وهيكل سليمان المزعوم.. وأخذت السلطات الصهيونية تقوم بالحفر في أماكن متعددة في الأحياء العربية المصادرة داخل السور وبعمق 10 أمتار وعرض 6 أمتار ونتج عن ذلك تصدع الزاوية الغربية وهي مقر المفتي.. فضلاً عن تهديد سور الحرم بالانهيار.
وأمام الاحتجاجات المتتالية من المسلمين، عيّنت منظمة اليونيسكو قيماً على هذه الآثار. كما تسعى السلطات الصهيونية لوضع يدها على مساحات واسعة ملاصقة للحرم لجعلها متنزهات لمواطنيها.
إن هذا الكيان يتمثل بالعنصرية، والفعل الدموي الإرهابي.. حيث استمد هذه الصفات من الإرهابي الأول «زئيف جابونتسكي» صاحب نظرية القوة الذي قال:
«هناك ضفتان لنهر الأردن.. هذه لنا.. وتلك أيضاً..».
إن تهويد القدس.. وتغيير معالمها، وبناء المستوطنات على مرأى من العالم كله، وطرد أهلها.. كل ذلك ينبئ بما قاله الصهيوني (تيودور هرتزل) سوف أمحو كل أثر لا يمت إلى اليهودية بصلة.
يقول الدكتور محمد عمارة المفكر والمؤرخ المصري:
«مدينة القدس بناها الكنعانيون.. وهم عرب أجداد الشعب العربي الفلسطيني في الألف الرابع قبل الميلاد.. أي قبل ظهور الديانة اليهودية بثلاثة قرون.. فأين علاقة القدس بالديانة اليهودية التي لم تكن قد وجدت بعد؟».
القائد البطل صلاح الدين الأيوبي – في ليلة مظلمة- وقف يناجي ربه يقول: يا رب إني أستحي أن أنظر إلى وجهك الكريم والقدس ترزح تحت الاحتلال.. ولن يهدأ لي بال حتى أحررها..». وكان له ذلك في عام 1187 ميلادية.
على حين تألمت الشاعرة نازك الملائكة وهي تقول: «أعجب من العربي كيف يَبْتسم والقدس محتلة من الصهاينة».
وقد سبقها في ذلك الأديب الراحل غسان كنفاني حيث قال: «إذا فشل المدافعون عن القضية.. فيجب أن نُغير المدافعين.. لا أن نغير القضية».
القدس.. هي فلسطين.. وفلسطين هي الشام والشام هي العروبة..
فالقدس هي رمز للتآخي الإسلامي المسيحي الذي جسدته «العهدة العمرية» التي رعاها كل من الخليفة عمر بن الخطاب وبطريرك القدس الدمشقي الأصل «صفرو نيوس» حيث كتب هذه العهدة بخط يده الصحابي أبي بن كعب وشهد عليها كل من خالد بن الوليد – وعمرو بن العاص- وعبد الرحمن بن عوف- ومعاوية بن أبي سفيان.
وكان ذلك عام 15 للهجري الموافق 668 ميلادي.
في الشهر الثامن من عام 2012 وفي إجراء عنصري صهيوني لطمس المعالم العربية والإسلامية لمدينة القدس أصدرت بلدية الاحتلال قراراً يقضي بتحويل باحات المسجد الأقصى التاريخية إلى متنزهات، وحدائق عامة، يحق لأي شخص مهما كان دخولها للترفيه والاستمتاع.
ويهدف هذا القرار إلى إلغاء تبعية تلك الباحات للمسجد الأقصى، ما يطمس المعالم العربية الفلسطينية في المدينة المقدسة.
وتعد هذه الخطوة غير مستغربة من كيان عنصري، غاصب، يواصل عدوانه كل يوم على الشعب العربي الفلسطيني، وانتهاك حرمات مقدساته الإسلامية والمسيحية، بمباركة أميركية، وأوروبية، وصمت مطبق من الحكومات الإسلامية والعربية التي تعيش اليوم أسوأ حالات التردي والتفكك والانقسام.

قاضي محكمة الجنايات سابقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن