شؤون محلية

حماية كاشفي الفساد

| نبيل الملاح

أتابع الحديث عن موضوع الفساد، وأتمنى من المسؤولين في الحكومة سعة صدرهم؛ فالوطن للجميع وما يصيبه يصيب الجميع، وإن ما أقوله لا يستهدف أحداً؛ الغاية منه تقديم الرؤى والأفكار التي تساهم في إعادة البناء ومنع تفاقم الأزمات التي يتوجب على الجميع العمل الجاد والدؤوب لمعالجتها والقضاء على أسبابها ومسببيها، ويأتي الفساد الذي اعتبره سرطاناً يكاد يصيب الوطن كله في مقدمتها وعلينا بتره قبل فوات الأوان.
لابد من العمل بكل الوسائل والسبل لمكافحة الفساد برؤية إستراتيجية واضحة وشاملة، وبخطوات ملموسة وفعالة؛ بدلاً من تكريسه شعاراً يتحدث به الفاسدون ويجعلون من أنفسهم رعاة له.
وهذا يتطلب بالضرورة إحداث هيئة لمكافحة الفساد، يتم اختيار رئيسها والعاملين فيها بعناية فائقة وتأنٍ، كما بيّنت في مقالات سابقة، وأن ترتبط هذه الهيئة برئيس الجمهورية.
فالخطوة الأولى لمكافحة الفساد تكمن في إصدار قانون إحداث هيئة مكافحة الفساد وفقاً لما نصت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية وتجارب الدول الأخرى، ومن ثم إصدار قانون لحماية كاشفي الفساد يتضمن التدابير المناسبة لتوفير الحماية لأي شخص يقوم بإبلاغ السلطات المختصة بوقائع تتعلق بحالة فساد، وتشجيع الجميع على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، وضمان حصول الناس على المعلومات المتعلقة بالفساد وتعميمها ونشرها.
وأعتقد أن من أهم كاشفي الفساد العاملون في الإعلام الاستقصائي الذي يتوجب تأمين الحماية اللازمة لهم، كما يتوجب على الوزارات والإدارات جميعها تلقي ما يكتب في الصحف وما يقال في وسائل الإعلام والرد عليها بشفافية، واعتبارها مصدراً مهماً لرصد حالات الفساد.
إن الكشف عن الفساد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية التعبير ومبادئ النزاهة والشفافية، ويأتي تشجيع كاشفي الفساد وحمايتهم من أي عقاب أو ملاحقة منسجماً مع الاتفاقات الدولية في موضوع مكافحة الفساد وحماية كل مواطن يتعرض لعملية ابتزاز أو غيره.
وأذكر أهم الضمانات التي يجب إعطاؤها لكاشف الفساد:
1- السرية التامة في كل ما يتعلق بهوية الشخص، وعلى أن يستمر ذلك إلى ما بعد إحالة القضية على الهيئات القضائية أو التأديبية، والحق في إسقاط السرية إذا رأت هذه الهيئات أن المعلومات قدمت إليها فتراءً أو عن طريق الغش أو باختلاق مستندات.
2- الحماية الوظيفية لجهة عدم تعارض كشف الفساد مع موجبات السرية المهنية.
3- الحماية من تعرض الكاشف أو أحد أفراد عائلته لضغوطات أو إجراءات ثأرية أو تهديدات.
4- منح كاشف الفساد مكافآت مالية مناسبة.
5- استفادة كاشف الفساد من العذر المحل في حال كونه شريكاً في إحدى جرائم الفساد.
ولابد من تفعيل شعار «من أين لك هذا؟» وإعادة صياغة قانون الكسب غير المشروع ليكون منسجماً مع القوانين والأنظمة النافذة، واقتراح أن يكون باسم «قانون الإثراء غير المشروع».
إن مكافحة الفساد يجب أن تكون مهمة وطنية دائمة لجميع المواطنين؛ فهي المشروع الوطني الأهم والأكثر تعقيداً وحساسية.
وفي المرحلة الأولى لا بد من تخفيض مستوى الفساد ليكون تحت الطاولة تمهيداً للقضاء عليه في المراحل الأخرى التي يجب رسم خريطتها بدقة وواقعية وموضوعية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن