قضايا وآراء

المرحلة الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية

| د. يوسف جاد الحق

من الأقوال القديمة والمتجددة لقادة وساسة ومنظري الكيان الصهيوني، واليهودية العالمية ما يستوجب الوقوف عنده لتملِّي معانيه، واستكناه أبعاده ومراميه، ذلك أن أصحابه لا يلقون القول جزافاً وإنما هم يعنون ما يقولون، حتى لو أنهم زعموا، بعد ذلك، أنها محض زلات لسان، من هذه الأقوال الخطرة، على سبيل المثال: في الثاني من شهر تموز عام 2015 كتب الصحفي أهارون باراك في صحيفة «هآرتس» أن «على إسرائيل القيام بإلقاء الفلسطينيين في البحر»! وقال قبله حارس الملهى الليلي في ليتوانيا المدعو أفيدور ليبرمان والذي أصبح، ويا لسخرية القدر، وزيراً لخارجية الكيان إياه، ثم وزيراً للدفاع في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، معلناً نصيحته لإسرائيل بأن عليها «أن تقصف السد العالي بالقنابل الذرية» لكي تأمن جانب مصر «إلى الأبد»، هذا على الرغم من معاهدة كامب ديفيد لـ«السلام»! القائمة بين مصر والعدو الصهيوني، ما يعني ببساطة مذهلة، إفناء عشرات الملايين من المصريين العرب، إغراقاً أو إحراقاً بفعل الإشعاع الذري، إكراماً لعيون حفنة بغيضة من بني إسرائيل مغتصبي بلادنا وأراضينا المقدسة، فلسطينية وعربية.
أما «المستر نتنياهو» رئيسه، وزملاؤه، إيهود باراك، وشيمعون بيريز، رئيس الكيان في حينه، وتسيفي ليفني، وغيرهم فلا يكفون عن المناداة، بل السعي الفعلي لتهجير ما ينوف على المليون ونصف المليون عربي فلسطيني، ممن بقوا في فلسطين عام 1948، الذين كان عددهم نحو مئة ألف يومئذ، لا لشيء سوى أن «تصفو» لهم أجواء دولة يهودية «نقية» عنصرية مئة في المئة، ناهيكم عن جرائمهم المتواصلة، على مدار الساعة، وحتى هذه الساعة، على مدى سبعة عقود بالتمام والكمال، والعالم «المتحضر» في أميركا والغرب يسمع ويرى ويلتزم الصمت ما دام الجناة هم بنو إسرائيل وما دام الضحايا من الفلسطينيين والعرب.
ولكن، هل نعتب على هؤلاء أم على «أشقاء» عرب، هم أنفسهم مستهدفون أيضاً، شاؤوا الاعتراف بذلك أم أبوا، فكأن الأمر لا يعنيهم، أو كأنه موجه لغيرهم، كأنهم لا يدركون أبعاد ما يجري وما يرسم ويخطط لمستقبل المنطقة، وأخطاره الماثلة عليهم، راهناً ومستقبلاً، فإسرائيل هذه لم تخف يوماً أطماعها في بلادهم لإقامة «إسرائيل الكبرى» من الفرات إلى النيل، ولا يساورنَّ أحداً الظن بأنها صرفت النظر عن مشروعها التلمودي الشيطاني هذا في إستراتيجيتها البعيدة المدى ومن شعاراتهم في هذا المنحى قولهم: «نريد أرضاً أكثر وبشراً غير يهود أقل»!
ترى ما الذي يحول دون تحقيقهم لذلك، فيما العرب على الحال التي هم عليها، اللهم سوى المقاومة وحلفها الممتد من إيران وسورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية الرادعة على غرار ما شهدنا في لبنان عام 2000 و2006، وفي غزة في أعوام 2008/2009 و2014 وما بعدها.
أما عن أطماعهم في الثروات الأخرى كالنفط والغاز، والمعادن المختلفة المتنوعة، والآثار والأوابد، عن ذلك كله حدث ولا حرج، وها هي اليوم، كمثال على هذا، تحصل على النفط والغاز، على عينك يا تاجر، بما يشبه المجان من دول تزعم أنها عربية.
وها هي الأخطار المحدقة تظهر اليوم عياناً، وعلى الملأ، وعلى نحو متسارع توفر له الإدارة الأميركية برئاسة حليفهم، إن لم نقل صنيعتهم، دونالد ترامب الدعم بل التهديد لمن لا ينصاع للرغبات «النتنياهوية» بالحرب الاقتصادية «الباردة»، أو العسكرية «الساخنة»، فالقدس قدمها السيد ترامب لهم هدية بالمجان على طبق من ذهب وبلاتين، ونقل السفارة الأميركية، وما يعنيه ذلك يتم إنجازه، وقانون «القومية اليهودية» يعلن ويقر فيما يسمى «الكنيست» الإسرائيلي، وبمباركة أميركية، ولعل هذا، إذا ما وضع قيد التنفيذ، لكونه أحد بنود «صفقة القرن» يغدو المسمار الأخير في النعش الذي يحضرونه لإنهاء المسألة الفلسطينية، مرة واحدة وإلى الأبد، أو هكذا يريدون وعلى هذا يعملون بدأب وتصميم عرفوا به على الدوام.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن صارخاً: لماذا يصر بعض العرب وبعض القيادات الفلسطينية على المضي في دفن الرؤوس في الرمال؟! بل كيف تغمض لهؤلاء جفون والخطر الساحق الماحق أمسى على الأبواب يقرعها بعنف يزلزل الأرض من تحتهم والجدران من حولهم، لعل وعسى أن يصحو النيام قبل فوات الأوان؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن