قضايا وآراء

دونكيشوتية البلاط

| نبيه البرجي

الذين احترفوا اللعبة العبثية في الشرق الأوسط على أنه مسرح اللامعقول، هل بلغوا النقطة التي بدأت فيها الخيوط تفلت من أيديهم؟
كلام في الخليج عن ساعات دراماتيكية بين السفير السعودي في واشنطن خالد بن سلمان، مصطحباً مستشاراً بارزاً من البلاط، ومستشار الأمن القومي جون بولتون (توني موريسون، الكاتبة الحائزة جائزة نوبل، تصفه بالرجل الذي يخلع حذاءه في رأس دونالد ترامب).
محافل خليجية عليا تشير إلى أن الرجلين بحثا في كيفية اجتثاث الوجود التركي في قطر. محمد بن سلمان مقتنع بأن هذه هي اللحظة الذهبية للانقضاض على الدوحة بعدما حالت لاءات أميركية دون تحقيق حلمه غداة زيارة الرئيس الأميركي للرياض في ربيع العام الفائت.
ولي العهد السعودي، الذي يتطلع إلى أن يكون شاهنشاه النفط والغاز في الخليج لم يفكر فقط في إقصاء تميم بن حمد.
يعتبر أن مجلس التعاون، بصيغته الراهنة، تحوّل إلى ظاهرة فولكلورية تعاني من الاعتلال السياسي والاعتلال الإستراتيجي.
لا مناص من الصيغة البديلة. فيدرالية، لا كونفديرالية، بين الدول الست، على أن تنتهي بالاندماج الكلي في الحالة السعودية.
هذا ما يشكل هاجساً (مريعاً) لدى بعض حكام الخليج الذين يعون، بدقة، ما يدور داخل الجدران في قصر اليمامة.
الدوحة حليفة لأنقرة. خصصت 15 مليار دولار للحد من تدهور الليرة، وللحيلولة دون تلاشي رجب طيب أردوغان، وعودة الجنرالات، ومعهم الأتاتوركية، إلى الحكم.
الخطوة القطرية لا بد أنها أثارت غضب الرئيس الأميركي، بالمواصفات النرجسية إياها التي لدى نظيره التركي. المعلومات الخليجية تؤكد أن بولتون كان، أثناء اللقاء، شديد الانفعال من تلك الخطوة. أيّد بقوة إزالة الوجود التركي من قطر حتى ولو استدعى ذلك عملية سعودية صاعقة.
مستشار الأمن القومي يشاطر السعوديين الرأي في أن «السلطان النيوعثماني»، لبعد قطر عن تركيا، لا يستطيع أن يرد عسكرياً، لا بل إن مثل تلك الضربة لا بد أن تزعزع سلطته، وهي السلطة التي تعاني من ثغرات هيكلية عاصفة، لاسيما عقب موجة الاعتقالات، وعمليات التطهير التي طاولت آلاف الجنرالات والقضاة والأكاديميين.
أحد معلقي «فوكس نيوز» تحدث مرات عدة عن الرجل «الذي لا يتقن الرقص بين الخطوط الحمراء». أردوغان الضائع بين التاريخ والإيديولوجيا، الذي تعوزه الرؤية الإستراتيجية والرؤية التكتيكية، لطالما راهن على دور جيوسياسي بعيد المدى، دون أن يدرك حساسية ذلك بالنسبة للسيناريوهات الأميركية الخاصة بالمنطقة.
من المذهل ألا يكون على دراية بأحد السيناريوات الذي لحظ تفكيك تركيا في إطار المفهوم الأميركي للشرق الأوسط الجديد. لم يكترث بتحذير ألماني بعدم الذهاب بعيداً في «اللعب فوق كومة الحطب»، بحسب ما نقل الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي ليسلي غليب.
في الخليج مخاوف حقيقية من «الثقب الأسود» في شخصية دونالد ترامب. مسؤولون خليجيون على تواصل مع قائد القيادة المركزية الجنرال جوزف فوتيل طلبوا منه نقل هواجسهم إلى البنتاغون، الذي إذ يخزن خمسين قنبلة نووية في قاعدة إنجرليك التركية، له حساباته الخاصة في منطقة الخليج.
وزير الدفاع جيمس ماتيس واحد من الجنرالات الذين يعتبرون أن ولي العهد السعودي، على الرغم من الخدمات اللوجيستية والميدانية التي قدمت له، غارق في أزمات لا حدود لها. أي دعم له في بلوغ حلمه بإقامة «السعودية الكبرى» استكمالاً لما قام به جده عبد العزيز يعني دفع المنطقة ذات الحساسية الجيوستراتيجية البالغة إلى فوضى جهنمية.
هذا لا يعني أن محاولات الرياض توقفت، وزير خارجية خليجي سابق قال لنا: «مشكلتنا مع الأمير محمد أن أنفه يلامس المريخ، هذه دونكيشوتية البلاط، من هنا تبدأ النهاية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن