ثقافة وفن

اللعب في الشارع.. أمر واقع أو إهمال أهل؟ … المساحة الوحيدة المتاحة على الرغم من خطورتها ونتائجها!

| ثناء خضر السالم

في الذاكرة صورة رائعة لثلّة من الأطفال يركضون خلف بعضهم في طريق يخلو من السيارات يتراشقون حبات السرو ويلعبون «سبع طوابق وحبّو جفتو»، يمثلون مشاهد من ريّا وسكينة، وحين يعودون إلى البيت يكون التعب قد أنهك أجسادهم الصغيرة فينامون أحياناً من دون أن يأكلوا.
في الذاكرة صورة لألعاب بريئة وطفولة جميلة بسيطة عشناها، طفولة خالية من ترفيه نحلم به موسيقا، غناء، رسم، لكنّها طفولة جميلة، عندما أذكرها تبتسم عيوني ويغرّد قلبي فرحاً. طبعاً كنّا نلعب وقت العصر حصراً.
والسؤال: ما الذي حلّ بي عندما صرت أمّاً؟ أول أمر كنت مصرّة على تنفيذه هو، لا مجال للعب ابنتي في الشارع وبقيت على هذه الحال حتى صار عمرها خمس سنوات رأيتها من وراء قضبان شرفتنا تراقب الأطفال بألم فقرّرت أن أتركها تلعب وطبعاً مع أطفال أثق بتربيتهم مع جلوسي على الشرفة ومراقبتها.
ما أريد أن أقوله التنظير مختلف تماماً عن الواقع والطفل بحاجة للعب مع أقرانه وتفريغ طاقته مع وجود رقابة عليه وثقة متبادلة بينه وبين أهله.
اللعب في الشارع هذا الموضوع الذي طرحته، تابعوا معي هذه الآراء واحكموا بأنفسكم:
هدى معلّا (مهندسة مدنية): له إيجابيّات وله سلبيّات وسلبيّاته أكثر من إيجابيّاته. إيجابياته: يعتمد الولد على ذاته، وتقوى شخصيّته، وتزداد معارفه. سلبياته: الشارع غير آمن ومن الممكن أن يتعلّم سلوكاً خاطئاً وكلمات نابية والحل البديل بما أنه ليس هناك حدائق، فلابد من وجود ساحات خاصة باللعب تخلو من السيّارات.
رقيّة إبراهيم (معهد زراعي): ثمّة أهال عوّدوا أطفالهم وهم في عمر السنتين اللعب في الشارع، وهذا أدى إلى عدم القدرة على ضبط الولد وتشبّثه بالبقاء في الشارع، الولد لم يعد يرد على أهله وسيبقى في الشارع طول الوقت وسيتأثر بجو الشارع وسيشعر أن أهله على خطأ وهو على صواب. الحل اللعب بالحدائق إن وجدت، وباحة المدرسة للصبيان أمّا البنات فليس أمامهم سوى اللعب بألعابهن في البيت.
نجاح حسن(ربة منزل متقدمة في العمر): يجب علينا ألا نمنعهم ونحرمهم لكن لوقت محدود مع المراقبة يوجد أهال يتركون أولادهم كل الوقت في الشارع ومن دون رقابة.
حسام قعقاع(ممثّل مسرحي): عندما كنّا صغاراً كنّا نلعب في الشارع وكانت التربية صارمة، لكن الواقع اختلف، صحيح مثلما ربوك أهلك ستربّي ابنك لكن الوضع لم يعد كما كان سابقاً صار الانترنت مباحاً فما حصل معي منعني من ترك ابني يلعب في الشارع ابني في الثامنة ومعه (تاب) لاحظنا أنا وأمه أنه ينزوي، راقبناه كان يحاول فتح مواقع إباحية لأن رفيقه في الحارة قال له لن ألعب معك إن لم تفتح موقع…. ومنذ سنة ابني ممنوع من النزول إلى الشارع.
داليا إبراهيم (سنة ثالثة أدب إنكليزي): فيروز تغني للأطفال قائلة: عم يلعبوا الأولاد عم يلعبوا تحت السما الزرقا عم يلعبوا… وبيركضوا ما بيتعبوا. الأولاد بحاجة لفسحة سماوية ليلعبوا وبيوتنا بالأغلب تفتقر لفسحات للعب الأطفال، حتى ونحن ندرك أهميتها عندما نشتري بيتاً لا يسعنا التدقيق كثيراً بسبب غلاء العقارات. وبشكل عام أينما لعب الأطفال فهم بحاجة لرقابة الأهل ولو عن بعد، ففترة لعبهم ليست لراحة الأهل سواء كانوا في الشارع الذي لجأ إليه أطفالنا أم في غيره لعدّة أسباب أهمها النقص في المراكز التي تهتم بشؤون الطفولة وتساعدهم على اكتشاف مواهبهم، وحاجة الطفل لتفريغ طاقته. المهم من الضروري رقابة الأهل لتجنب المخاطر.
محمد الظاهر(رئيس الهيئة الإدارية في كلية الآداب، جامعة طرطوس): برأيي لعب الأولاد بالشارع ضروري لأنه من الصعب حبس الولد في البيت، لكن ضمن ضوابط يعني أن نعرف مع من يلعب، ما سلوك من يلعب معهم؟ وطبعاً لأوقات محدّدة.
ديما السالم( مدرّسة لغة فرنسية): من حق أي طفل أن يعبر عن ذاته ومشاعره ومن حقه تفريغ طاقاته، واللعب أفضل وسيلة لذلك، لست ضد اللعب بالشارع لكن ليس أي شارع فقد نجد أطفالاً يلعبون بالكرة في شارع تزدحم فيه السيّارات هنا أنا ضد اللعب. أما في شوارع فرعية قليلة السيارات كشارع منزلك مثلاً فلا مانع.
باسل عبد الله (أعمال حرة): لعب الأولاد بالشارع غير محبّب لي لعدّة أسباب منها عدم أمان الشارع من السيارات والدراجات والألفاظ البذيئة وعدم النظافة وإدخال سيئات الشارع إلى بيئة المنزل، كما يسبب مشاكل مع الجيران. وأهم شيء أن أكون مرتاحاً حين يكون أولادي أمام ناظري.
هدى فرج(مدرّسة لغة عربية): لعب الأطفال بالشارع أمر عادي وطبيعي وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية. الإيجابيات تفرّغ شحنة من خلال اللعب مع أولاد الجيران أو رفاق المدرسة وهو ما يجعل الطفل اجتماعيا من خلال الاختلاط بأطفال من عمره. لكن السلبيات أكثر، تعرضه لأخطار السيارات وتعلّم عادات سيئة مثل الشتائم واكتساب سلوك سيئ كالتدخين من خلال تقليد أطفال آخرين، وفي عصرنا نخاف من ظاهرة انتشار المخدّرات أو من الاختطاف لذلك تنظيم طاقات الطفل في نواد أو نشاطات كالسباحة أو الرياضة أو الموضة الدارجة.
إبراهيم علي(طبيب أسنان): أنا لا أسمح لأطفالي باللعب في الشارع في زمن كثرت فيه الأخطار ممكن أي قطعة تكون مخلّفات حرب فيها ضرر، وعدد سيارات ضخم وأغلب السائقين طائشون بسبب وضع البلد والحفر والمطبات عددها مضاعف، ناهيك عن غياب الأمان بسبب ظروف الحرب.
منال ناصر(دكتورة في اللغة العربية مدرّسة في جامعة طرطوس): لا أفضل أن يلعب الطفل في الشارع مهما كانت الظروف والدوافع، وأنا أستغرب كيف يمكن للأهل أن يتركوا أولادهم في الشوارع ليلاً ونهاراً صيفاً شتاءً. هذه العادة سيّئة للغاية وإن كان هناك من يبرّرها بأن الطفل يجب ألا يُحجز وأن يُعطى حرّيّته وأن يلعب ويتفاعل مع غيره حتى لا يكون انطوائياً، فمن وجهة نظري الشخصيّة يمكنني أن أملأ فراغ ابني بأي شكل يعود إليه بالنفع لا بالضرر، بدلاً من لعبه غير الهادف في الشارع يمكننا أن نسجّله بدورات سباحة أو كرة قدم في نواد، حيث ننمّي موهبته وينفّس طاقته بشكل هادف وصحيح أو تسجيله بدورات وأنشطة أخرى دورة لغة مثلاً أو حاسوب أو أي شيء آخر يفضله ويحبّه. أنا شخصيّاً أفكّر في مصلحة طفلي وبتربيته تربية صحيحة لا أن أتركه في الشارع ساعات على أنه يلعب لأنه طفل بحاجة للّعب مع غيره. في الشارع يتعرّض للكثير من الأشياء السيّئة من أوساخ وغيرها، ناهيك عن الكلام البذيء وتعرّضه لحوادث تؤثّر سلباً فيه.
أحمد جوني (موظف بالمكتبة المركزية): أنا ضد الشارع الذي يجعل الطفل يكتسب عادات سيئة ويلفظ كلمات بذيئة.
هناء إسماعيل (دكتورة في اللغة العربية): اللعب في الشارع جميل وفيه انطلاق وحرية وتعزيز للاستقلالية والثقة بالنفس لو كانت الشوارع آمنة مثل زمان والأهل يجلسون نحو الأطفال على طريقة المدينة الريفية، أمّا الآن أنا ضد الأمر لأن الشوارع صارت ضيقة وغير آمنة وصار يوجد حدائق بإمكان استيعاب الأطفال فيها بشكل أفضل وأكثر تنوّعاً للّعب.
محمد الفاضل (مهندس طبي): أنا ضد اللعب في الشارع لكن يجب على الحكومة أن توفر حدائق وألعاب أطفال بكل المناطق ولكل الأطفال، وليس حدائق جميلة للمناطق الغالية وألواناً وألعاباً رائعة وللمناطق الثانية أرجوحة وزحليطة.
نهاد أحمد(روائية):لعب الأطفال في الشارع يهدّد الأطفال لأنهم عرضة لتعلّم سلوك مختلف بعيداً عن رقابة الأهل، ويمكن أن يتعرّض للعنف أو تحرّش لفظي أو جسدي قد يؤثّر فيه سلباً مدى الحياة.
خالد السلمو(مدير مدرسة) يعد لعب الأطفال في الشوارع من السلوكيات الخاطئة خصوصاً أنه قد يعرّضهم للدّهس. واللعب وسيلة لإعداد الطفل للحياة المستقبلية وهو نشاط حرّ وموجّه شرط أن يكون في مكان آمن.
ربيع حسن(مكننة زراعية): لعب الأطفال عموماً هو حالة صحية وطبيعية لنمو شخصية الطفل وقدراته العقلية والجسدية والنفسية.
أمّا عن الشارع والبيئة المحيطة ونوع الأطفال وأعمارهم:
فادي أبو نظام: أنه سؤال متشعّب ومتّسع قد أكون معه في بعض الجوانب (الاختلاط الاجتماعي، الألفة والود بين الأطفال في الحي الواحد، خلق أنواع مختلفة من الأجواء الاجتماعية للطفل اقتراب الطفل من الواقع الاجتماعي والحياة على حقيقتها. وأنا ضده بسبب الأخطار التي يسببها الشارع كغياب الرقابة والضرر بالمرافق العامة وتعكير الجو الاجتماعي العام السائد في الحي.
رهف ديب (سنة ثانية هندسة تقنية): قد تؤول النظرة العامة إلى لعب الأطفال في الشوارع إلى الانحدار الأخلاقي والتعامل السلبي والضياع وفساد التربية في المنزل، لكن ذلك لا يمكن تعميمه والأخذ به على أنه حقيقة عامة فبرأيي إن الأطفال لا يمكن حجز حريتهم ضمن نطاق معيّن وهو المنزل أو الجو العائلي فقط، فساعة لعب بين الأصدقاء في الشارع تقوّي اجتماعيّتهم وتروّح عن أنفسهم مع الأخذ بالحسبان البيئة التي يكونون بها ومعرفة أخلاقيات وسلوك أصدقائهم ضمن الشارع أو الزّقاق الذي يوجدون به.
نجوى صقر(مدرّسة متقاعدة): له فوائد وفيه مضار، العبرة في توجيه الطفل.
تمام إبراهيم(معهد إنكليزي): الأولاد سيلعبون ولا يمكن حرمانهم، ففي اللعب تفريغ لطاقاتهم التي لا يمكن تفريغها داخل المنزل. المهم مراقبتهم ومعرفة مع من يلعبون.
وختاماً أقول: مهما تعددت سبل التسلية والترفيه من سباحة إلى موسيقا إلى لغة، فالطفل بحاجة أيضاً للتواصل مع أقرانه في أغلب الأحيان في الشارع لعدم وجود ساحات مخصّصة للعب الأطفال، فالمطلوب من الأهالي الانتباه لنوعية الأولاد الذين يرافقون أولادهم ومنعهم من اللعب في الشوارع المفتوحة ومراقبتهم، ويعود الأمر في النهاية لكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن